Author

الفساد .. مشكلة إندونيسيا المزمنة

|


من أهم المشكلات التي تعانيها إندونيسيا، وتعوق تقدمها، وتمنع لحاقها بجاراتها الآسيويات الناهضات، مثل ماليزيا وسنغافورة وتايلاند، الفساد المستشري في مفاصلها منذ عهد رئيسها الأسبق الديكتاتور سوهارتو، الذي حكم هذه البلاد على مدى ثلاثة عقود متواصلة، بذر خلالها بذرة الفساد، وسقى شجرتها إلى أن أينعت وتمددت نحو جميع مؤسسات البلاد، بما فيها مؤسسات الجيش والشرطة والمخابرات والقضاء.
ولعل ما يؤكد سطوة الفساد وعلو كعب رموزه أن الوكالة المستقلة للتحقيق في أوجه الفساد والكسب غير المشروع المعروفة اختصارا بـKPK، التي تم تأسيسها عام 2003، ويترأسها حاليا شخص هو نوفل باسويدان، المنحدر من أصول عربية، لا يزال عاجزا عن أداء مهامه كما يجب، بدليل ما صرح باسويدان به لوسائل الإعلام الأجنبية حينما قال: "لم يحدث حتى الآن ما يخفف من حدة الفساد فعليا"، ملقيا اللوم على تدخل الساسة المتنفذين في عمله من جهة، ومن جهة أخرى فشل الحكومة في تقديم دعم قوي لجهازه، الذي يعتبر من أكثر الأجهزة شعبية في البلاد طبقا لاستطلاعات الرأي، مضيفا أن أفضل وسيلة لحماية جهازه وجعله متمكنا من الاستمرارية والبقاء هو وضع تشريعات رادعة ضد من يتدخلون في عمله أو يهددونه.
وبطبيعة الحال، فإن وجود هذا الرجل على رأس الجهاز المذكور أثار غيرة وحسد كثيرين من زملائه السابقين في الشرطة، وفي الوقت نفسه أثار مخاوفهم ومخاوف جملة من الساسة السابقين الفاسدين من أن يعمد الرجل إلى فتح تحقيقات في فسادهم.
ولهذه الأسباب مجتمعة صار للرجل أعداء كثر يتربصون به. فقد تعرض رجال جهازه لخمس محاولات اغتيال فاشلة، بل تعرض هو نفسه للانتقام عدة مرات كان آخرها العام الماضي، حينما ألقى رجلان يمتطيان دراجة نارية كمية من حمض الهيدوكلوريك الكاوي على وجهه، وهو في طريق عودته إلى منزله بعد أدائه صلاة الفجر يوم 11 نيسان (أبريل) 2017؛ فأصيب بالعمى في عينه اليسرى، مع تأثر عينه اليمنى بإصابات تعالج منها لاحقا في مشفى بسنغافورة.
صحيح أن باسويدان (42 عاما)، عقيد الشرطة المتقاعد، والوزير السابق للتربية والتعليم، وابن عم حاكم جاكرتا "أنس باسويدان"، لم يتهم أحدا بعينه في محاولة اغتياله، إلا أن أصابع الاتهام تشير إلى جماعات مرتبطة بمن فتح ملفات فسادهم، خصوصا أولئك الذين عملوا سنوات طويلة ضمن جوقة الجنرال سوهارتو الرئيس الأسبق، ثم غيروا جلودهم بعد سقوطه وخروج حزبه الحاكم "حزب جولكار" Golkar من السلطة عام 1998.
من هؤلاء سيتيا نوفانتو رئيس حزب جولكار ورئيس البرلمان الأسبق، الذي كان باسويدان يحقق في ملفاته وقت محاولة اغتياله، علما بأن هذا الشخص اتهم باختلاس 244 مليون دولار من أصل 667 مليونا كانت مخصصة لمشروع البطاقات الشخصية الإلكترونية، فحكم عليه بالسجن 15 عاما.
كما يمكن الإشارة، في السياق نفسه، إلى عضو آخر في حزب جولكار هو إدريس مرحم، الذي كان باسويدان بصدد فتح ملفات فساده في مشروع للطاقة بجزيرة سومطرة؛ ليكون بذلك أول وزير في حكومة جوكو ويدودو الرئيس الإندونيسي الحالي يتورط في الفساد، علما بأن مرحم كان ذا مرة رئيسا للجنة برلمانية مكلفة بالتحقيق في فضيحة بنك القرن Century Bank "بنك عام يدير أموال مؤسسات الرعاية الاجتماعية في إندونيسيا، واتضح أنه يستخدم تلك الأموال في تمويل الحملات الانتخابية لبعض الساسة، ثم عين وزيرا للشؤون الاجتماعية في كانون الثاني (يناير) 2017 كبديل للوزيرة "كفيفة برادانسا"، التي استقالت لتترشح في انتخابات نائب حاكم إقليم جاوة، كبرى الأقاليم الإندونيسية، وأكثرها كثافة سكانية.
علاوة على هاتين الشخصيتين هناك الميجور جنرال جوكو سوسيلو، رجل الشرطة الكبير، الذي حكم عليه بالسجن 18 عاما لتلقيه نحو 3.5 مليون دولار رشوة مقابل تسهيل صفقة لتوفير أجهزة محاكاة القيادة، وهو نفسه الذي تبين -بفضل تحقيقات باسويدان الإضافية- أنه يملك ثروة تزيد على 18 مليون دولار جمعها بطرق غير مشروعة خلال 28 سنة من الخدمة.
ورغم ما تعرض له باسويدان من إحباط واعتداءات، فإنه يبدو اليوم أكثر عزما على المضي قدما في مهامه ومواصلة تحقيقاته؛ لتنظيف بلاده من آفة الفساد والإفساد. وأمامه كما قال ملفات فساد لـ198 شخصية برلمانية على المستويين الوطني والمحلي، و103 حكام وعمداء، و18 قاضيا، و148 من كبار المسؤولين الحكوميين.
أما آخر ضحايا جهازه فكان إيرواندي يوسف حاكم سومطرة أحد القادة السابقين للجماعة الانفصالية لتحرير آيشيه الذي قبض عليه أوائل حزيران (يوليو) الماضي؛ أي بعد أربعة أشهر من إعادة انتخابه لمنصب حاكم سومطرة، الذي شغله من عام 2007 إلى 2012.

إنشرها