Author

الديون الصينية .. وحركة المستثمرين

|


يبدو أن الأمور تتغير بسرعة في الصين، فالصين المتهمة بأنها تستفيد من الانفتاح التجاري العالمي والاتفاقيات الدولية، بينما تقفل أبوابها في الوقت نفسه أمام الآخرين، يبدو أنها تريد أن تبدد هذه الأوهام العالمية، وتثبت أنها شريك دولي فاعل، له أثر على مؤشرات نمو الاقتصاد العالمي، ومع ذلك فهي أيضا لا تريد أن تفرط في التراكم الرأسمالي، الذي يحقق عوائد كبيرة لها، بين هذا وذاك، وفي ظل حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين ظهرت على شكل ضرائب ورسوم متبادلة، فإن الصين والعالم يجدان في تراجع النمو الاقتصادي الصيني مخرجا ولو لفترة مؤقتة من هذه الوقائع الاقتصادية الصعبة؛ حيث إن التراجع الاقتصادي أبطأ قدرة الآلة المصرفية الصينية على مقابلة الالتزامات الضخمة للاقتصاد الصيني، ولعل هذا الضعف العميق في التمويل أحد أسباب التراجع الاقتصادي، ولهذا لم تجد الصين بدا من فتح الأسواق أمام الاستثمار الأجنبي في هذا الاتجاه؛ ولأن المنتجات الصينية تغزو العالم، فإن التدفقات المالية إلى الصين تمثل عمود ارتكاز لكل من يريد المغامرة في العمق الصيني، وأيضا تجد الاحتياطيات الضخمة للصين من العملات الأجنبية مصدر أمان اقتصاديا.
تتحرك الاستثمارات الأجنبية اليوم في تمويل الاقتصاد الصيني في جميع مساراته تقريبا، فهي تنافس بقوة على الفوز بحصة أكبر في السندات الحكومية، والمنافسة هنا بين الاستثمارات الأجنبية والمصارف الصينية، التي تسيطر على أكثر من 25 في المائة من هذه الصكوك، والسبب في هذه التنافسية يعود إلى أن سندات الحكومة الصينية تعد من الأفضل أداء على المستوى الدولي؛ إذ بلغ العائد عليها 7.7 في المائة، بينما لم يزد العائد على سندات الخزانة الأمريكية 0.8 في المائة، وهذا بالذات جعل المؤسسات الاستثمارية الكبرى في العالم، وكذلك البنوك المركزية، وصناديق الثروة السيادية، تأتي في مقدمة الجهات الأجنبية المستثمرة في السندات الحكومية الصينية العام الماضي؛ إذ بلغت مشترياتها نحو 36 مليار دولار.
أما المسار الآخر، الذي يعد الأهم اقتصاديا وتنمويا واستثماريا، فهو شراء الديون المتعثرة، وهي محافظ البنوك التي تحتوي على ديون سيئة لأشخاص أو منشآت خاصة صينية، تواجه ضغط التراجع والتباطؤ، ولكن مع ضخامة ونمو الاقتصاد الصيني القوي، خاصة في العقد الماضي، فإن قدرة المصارف الصينية على مقابلة هذا التعثر، وإعادة التمويل قد تأثرت جوهريا، ولهذا وجدت الاستثمارات الأجنبية فرصة سانحة للدخول في عمق الاقتصاد الصيني، وأن تجد لها قدما وتأثيرا بحصص، خاصة أن الإنتاج الصيني يعتمد على الابتكار والاقتصاد المعرفي، ولهذا فإن وجود رأسمال جريء سيحقق مكاسب كبيرة من مجرد استغلال الدور الاقتصادي الحالي، وانتظار المد الاقتصادي اللاحق. وقد أكدت التقارير أن حجم الديون الصينية المتعثرة بسبب التباطؤ الاقتصادي والضغط التنظيمي للمصارف، بلغ 1.4 تريليون دولار، ويعد ذلك أكبر دين متعثر في العالم. وفي مقابل ذلك، وخلال العام الماضي فقط، تمكن المستثمر الأجنبي في الصين من شراء 12 محفظة قروض صينية متعثرة مقابل تسع محافظ فقط عام 2017، ومن المتوقع أن تبلغ التدفقات المالية على الصين في السنوات المقبلة في هذا الجانب نحو تريليون دولار بنهاية عام 2022.

إنشرها