Author

تحولات متسارعة في الناتج السعودي

|

جاء النمو السريع في الاقتصاد السعودي في الربع الثالث من العام الفائت، ضمن السياق العام للحراك الاستراتيجي في البلاد. وعلى الرغم من ثبات أو تأرجح النمو في الاقتصادات المشابهة لاقتصاد المملكة، إلا أنه ليس كذلك على الساحة السعودية لأسباب كثيرة، في مقدمتها "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها. وهذه "الرؤية" تدفع في الواقع العجلة الاقتصادية بسرعات مختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى تسارع النمو في الاقتصاد الوطني، خصوصا أنها تتضمن مشاريع لا تحظى في قطاعات مختلفة، تسندها آليات متطورة وقدرة مالية عالية. ولذلك فإن النمو في السعودية سيبقى متسارعا في السنوات القليلة المقبلة، وسيرتفع بالطبع استنادا إلى مشاركة قطاعات جديدة في الناتج المحلي الإجمالي.
في الربع الثالث من عام 2018 نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 في المائة ليبلغ أكثر من 653 مليار ريال، وهذه نسبة مرتفعة بالفعل، إذا ما أخذنا في الاعتبار تباطؤ النمو في الاقتصاد العالمي ككل. لكن الوضع على الساحة السعودية يختلف، من حيث القدرات والسمعة الائتمانية المرتفعة، والثقة العالمية في الاقتصاد الوطني للمملكة، ناهيك عن الاستراتيجية التي تستهدف بناء اقتصاد وطني جديد يقوم على أسس الاستدامة. وتوفر هذه التطورات مزيدا من المتانة للحراك العام المشار إليه. بالطبع هناك عوامل كثيرة أخرى لنمو الناتج المحلي السعودي، من بينها ارتفاع القطاع النفطي أيضا، لكن مع ضرورة الإشارة إلى أن مساهمة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد الوطني ترتفع بصورة متسارعة أيضا، كما ظهر في الموازنة العامة الأخيرة.
في عام 2017 ارتفع القطاع النفطي، إلا أنه قفز بصورة متسارعة في الربع الثالث من العام الماضي، ليسجل قرابة 289 مليار ريال في ثلاثة أشهر. وهو بذلك ارتفع 3.65 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017. هذا التطور رفع مساهمة النفط في الناتج المحلي السعودي إلى 44.3 في المائة. لكن مرة أخرى تشهد المملكة نموا كبيرا في القطاعات غير النفطي، ما أدى إلى تطور مساهمتها في الاقتصاد الوطني في العامين الماضيين بشكل صحي تماما. ولا شك أن الناتج المحلي الإجمالي تأثر في التراجع الكبير لأسعار النفط قبل أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن الميزة الأهم في كل هذا أن الاقتصاد السعودي حافظ على ثباته وسمعته والثقة العالمية فيه.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مساهمة القطاع غير النفطي في الربع الثالث من العام الماضي نتناوله هنا، وصلت إلى أكثر من 55 في المائة، وهي موزعة بالطبع على عشرات القطاعات والمجالات بما في ذلك رسوم الاستيراد والخدمات والمجالات الترفيهية والسياحية والتصدير وإعادة التصدير، وغير ذلك مما يدخل ضمن النطاق العام للقطاعات غير النفطية. وهذا يعزز بالطبع التوجه التنموي السعودي، خصوصا أن الهدف الرئيس لاستكمال تنفيذ "رؤية المملكة" هو تنويع مصادر الدخل، وتقليل مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي، وتعزيز الإنفاق العام عبر المجالات الأخرى، مع ضرورة التشديد على تصاعد دور القطاع الخاص في الحراك كله.
وعلى هذا الأساس ستشهد المملكة في السنوات المقبلة تحولات عميقة في طبيعة الناتج الإجمالي المحلي فيها، لأنها مرتبطة بشكل محكم بمسيرة تنفيذ "رؤية المملكة" التي تستهدف الوصول إلى اقتصاد جديد يليق بالسعودية ومخططاتها التنموية المستقبلية.

إنشرها