Author

العدد المناسب من المصارف

|
مستشار اقتصادي


على أثر ما ذكر عن مباحثات بين بنكي الأهلي والرياض بغرض الاندماج وما سبق ذلك من اندماج الهولندي مع البريطاني، تكون جدل واسع حول هيكلة وتوجهات القطاع. أيضا ما زال يردد كثير أن عدد المصارف في المملكة قليل دون مناقشة موضوعية غالبا لهيكل الصناعة المصرفية Industry Structure. العدد الأمثل هو الذي يجمع بين المنافسة والفعالية والربحية بدرجة مقبولة من التوازن، إذا اختل أحد هذه الأبعاد تصبح الصناعة المصرفية ضعيفة، فمن دون منافسة يضعف مستوى الخدمات ويتشوه تسعير الخدمات المالية "هذه نقطة جوهرية في تسعير رأس المال في الاقتصاد"، التي يقدمها القطاع ودون فعالية يصبح توظيف رأس المال في الاقتصاد مشوها وغير فاعل في العلاقة بين المودعين والمقترضين، ولذلك يؤثر سلبا أو إيجابا في إدارة الموارد، وأخيرا دون ربحية مجزية تضعف ملاءتها المالية، ويتوقف النمو سوى من ناحية قدرتها على جذب الأموال "حيث تقترض المصارف وتطرح أسهما لزيادة رأسمالها"، أو مواكبة احتياجات الاقتصاد. أين نحن من هذه المعادلة؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من الرجوع إلى التاريخ قليلا. لكن قبل ذلك لابد من التنويه بأن القطاع في وضع جيد جدا من حيث الملاءة المالية طبقا لمتطلبات "بازل 3"، وفي استعداد جيد لمتطلبات "بازل 4" في مطلع 2021، ويتمتع أيضا بدرجة عالية من الثقة والربحية وجودة في القروض.
منذ بداية توطين الصناعة في صيغتها الحالية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي والقطاع على درجة من الكفاءة في تحقيق الأبعاد المذكورة أعلاه، لكن في الآونة الأخيرة بدا وكان القطاع لم يواكب التطورات على أكثر من صعيد، خاصة في ظل متطلبات حوكمة وتسعير وشفافية متصاعدة. هناك أربعة نواح لمراجعة الحالة اليوم؛ الأولى، داخلية، فمثلا لوحظ انخفاض الجودة والتدريب في البعض بعد خروج الشريك الأجنبي، ومحدودية تطوير أذرعتها الاستثمارية، وتوقف التوطين وكفاءته بعد أن حقق تقدما مقبولا لسنوات. الثانية، تدور حول دور المنظم والمشرع: مؤسسة النقد، فالأحرى أن يكون هناك مصارف مركزها في المناطق وليس مجرد فروع لاستقطاب الودائع، خاصة أن لدى المملكة حاجة وتوجها لتطوير المناطق اقتصاديا وتوافر الكوادر بعد توسع التعليم الجامعي في المناطق. سبق أن تقدمت باقتراح أثناء تأسيس بنك الإنماء، جوهره أنه من الأفضل توزيع رأسماله الكبير على أربعة مصارف في أربع مناطق من المملكة. كذلك دفع الفعالية والكفاءة يتطلب رفع درج الشفافية والإفصاح، فمن مظاهر قلة الشفافية بأن مراجعة عابرة للتقارير السنوية للمصارف لا توفر معلومات عن طبيعة الودائع والقروض وحالتها وتسعيرها، وكذلك يلاحظ تردد مديري المصارف الدخول في النقاش المهم والحي حول التحولات الاقتصادية في المملكة في السنوات القليلة الماضية "قد لا تنطوي تحت الحوكمة، لكن مؤشر على حالة الكفاءة الاقتصادية، وقد لمسنا جزءا منها في ندوة الميزانية قبل أسبوعين". الثالثة، تدور حول الصناعة المالية الأوسع في ظل دور مؤسسات أخرى غير مصرفية، مثل مؤسسات الإقراض الحكومية وشركات التمويل والمصارف الاستثمارية وشركات التأمين والمصارف الأجنبية العاملة وغير العاملة في المملكة، فهناك حاجة إلى وجود خريطة مالية يتضح فيها دور المصارف. الرابعة، الأخذ بالمعايير العالمية لعدد المصارف قياسا على حجم الاقتصاد والسكان، لكن بحرص، لأن لكل بلد ظروف ومرحلة مختلفة وخط بياني مختلف للتطور.
هناك بلدان كثيرة المصارف، وهناك بلدان قليلة المصارف، أحيانا بسبب ظروف موضوعية للبلد وهيكلة الاقتصاد وأحيانا لأن البلد مركز مالي إقليمي أو دولي، إذ ليست العبرة بالعدد أو المسابقة على حجم معين، ولو أن الحجم قد يفيد كثيرا في قدرة المصارف على الاستثمار في التقنية - عامل حاسم مرتفع التكاليف. هناك أيضا مخاطرة مالية في تركز الصناعة "ففشل بنك كبير جدا قد يرفع المخاطر على القطاع قياسا على فشل بنك أقل حجما". علينا تفادي التغيير لمجرد التغيير، لكن علينا تغيير أرضية اللعبة ونظامها قبل تغيير اللاعبين. الأهم أن يكون المشرع والمنظم على درجة من اليقظة والدقة في التوصل إلى الحجم والعدد الأمثل من ناحية والتعامل مع الصناعة من خلال النواحي التي ذكرت هنا.

إنشرها