Author

في التنافس بين النمر الهندي والتنين الصيني

|


في التنافس حول بناء النفوذ خارجيا ما بين التنين الصيني والنمر الهندي، يعد أي نجاح تحققه الهند خسارة للصين، والعكس صحيح. لذا، وجدنا أن النجاحات التي حققتها بكين لجهة التمدد في بعض الأقطار الآسيوية والإفريقية عبر استخدام دبلوماسية "القروض المفخخة" التي تحدثنا عنها في مقال سابق، أو عبر مشروع الصين الطموح المعروف بـ"طريق الحرير الجديد" أو "حزام واحد طريق واحد" "خصصت له بكين نحو 900 مليار دولار للحصول على موطئ قدم استراتيجي في عديد من البلدان خلال السنوات الـ 40 المقبلة"، نظرت إليها نيودلهي كخسارة موجعة لها، خصوصا وأنها سلبتها نفوذا في عدد من الأقطار المجاورة لها أو في بلدان عرفت تقليديا كمناطق للنفوذ الهندي، مثل سريلانكا والمالديف وبنجلادش والنيبال وميانمار وسيشيل.
غير أن الهند تشعر اليوم بشيء من الابتهاج بعدما تلقت أخبارا بأن عديدا من الدول التي تمدد الصينيون نحوها ودقوا في موانئها وقواعدها أوتاد خيامهم، تراجع علاقاتها مع الصين أو تصححها لاعتبارات وطنية وسيادية، أي بعدما شعرت أن قيامها برهن جزء من أراضيها للصينيين مقابل سداد ما عليها من ديون، إنما تتنازل لبكين عن سيادتها.
من هذه الدول بنجلادش التي تحاول رئيسة حكومتها الشيخة حسينة واجد تصحيح بوصلة علاقاتها الخارجية باتجاه الهند على حساب الصين، علما بأن دكا - ربما بسبب ضغوط هندية وأمريكية ويابانية - جمدت أخيرا خططا صينية لبناء ميناء في منطقة "سوناديا" البنجلادشية ومنحت الهند عقدا بقيمة 1.6 مليار دولار لإقامة محطة للطاقة مع الإبقاء على السماح للبحرية الهندية باستخدام ميناءين من موانئها هما "شيتاجونج" و"مونجلا".
وهناك سريلانكا التي بعثت رسائل اطمئنان إلى الهند، مفادها أن ميناء "هامبانتوتا" الذي استأجرته الصين منها سدادا لما عليها من قروض وديون لبنك أكسيم الصيني، لن يستخدم في أغراض عسكرية، وأنها رفضت من جانب آخر الاستجابة لمطالب صينية بدخول قوات عسكرية صينية إلى ميناء كولومبو، بعد دخول عدد من الغواصات الصينية إلى الميناء المذكور دون إخطار مسبق في وقت سابق.
أما المالديف، التي تعدها نيودلهي ضمن مناطق نفوذها التقليدية في جنوب آسيا وشريكة لها في منظمة سارك الجنوب آسيوية للتعاون الإقليمي غير الفعالة، فقد مثلت ضربة موجعة لها حينما راكمت حكومة رئيسها السابق عبدالله يامين، خلال خمس سنوات من حكمه، ديونا على بلاده الفقيرة لمصلحة الصين بقيمة تجاوزت 1.3 مليار دولار أو نحو ربع إجمالي الناتج المحلي للمالديف، وهو ما أثار القوى السياسية المعارضة في هذه البلاد ودفعتها إلى التوحد من أجل الإطاحة بيامين وانتخاب إبراهيم محمد صالح رئيسا بديلا في الانتخابات التي جرت في سبتمبر 2018، علما بأن الأخير بدأ عهده بتجميد عديد من المشروعات التي تمولها الصين، وهو ما عد انتصارا للهنود بعد انتصارهم في بنجلادش.
وإذا ما تحدثنا عن دول جنوب شرقي آسيا، التي لديها شكوك تقليدية في النوايا الصينية، ولا سيما في ظل وجود نزاع بين معظم هذه الدول والصين حول بعض الجزر والشعاب المرجانية في بحر الصين الجنوبي، نجد أن أول ما فعله رئيس الحكومة الماليزية مهاتير محمد في أعقاب عودته إلى السلطة في كوالالمبور، هو تجميد عديد من المشاريع المليارية التي كانت حكومة سلفه نجيب رزاق قد وقعتها مع الصينيين. وكانت حجة مهاتير هي أن بلاده في وضع مالي لا يسمح بالمضي قدما في تلك المشروعات غير الملحة. وفي إندونيسيا، سجلت الهند في الأشهر القليلة الماضية انتصارا على الصين عبر موافقة جاكرتا على منح تسهيلات للغواصات وسفن البحرية الهندية في ميناء سابج الواقع شمال جزيرة سومطرة، كما منحت جاكرتا نيودلهي صفقات لإقامة مشاريع للطاقة.
وتبدو ميانمار - إلى حد ما - شاذة على هذا الصعيد. فالهند التي ارتبطت بهذه البلاد تاريخيا منذ زمن الراج البريطاني، حاولت ضخ الاستثمارات فيها على أمل صرفها عن التعاون مع بكين زمن حكومتها العسكرية القمعية، ولم تقم نيودلهي أي اعتبار للانتقادات التي وجهت لها لتعاونها مع نظام منتهك لأبسط حقوق الإنسان. لكن رانجون واصلت التعاون الوثيق اقتصاديا وعسكريا مع بكين. وهي لئن كانت اليوم إحدى الدول التي وقعت فعليا في فخ الديون الصينية، إلا أنها تحاول جاهدة أن تخرج من هذا الفخ بالحيلة. ومن صور حيلها أنها تهدد الصين بإلغاء التفاوض معها حول صفقة لبناء ميناء "كياو كبيو" الاستراتيجي ما لم تخفض الصين قيمة الصفقة من 7.3 مليار دولار إلى 1.3 مليار دولار.

إنشرها