Author

الاقتصاد السعودي .. المتغيرات وتحقيق الإنجازات

|


بدأ الاقتصاد السعودي في عام 2018 بتحسب مدروس، خاصة مع تراجع النمو الاقتصادي بسبب دخول الأسواق النفطية في ضبابية واسعة بشأن قدرة "أوبك" والمنتجين من خارجها على اتفاق يعيد التوزان إلى الأسواق، وحذر صندوق النقد الدولي حينها من أنه إذا تواصل تراجع أسعار النفط يمكن أن يؤثر أكثر في آفاق الدول المصدرة للنفط في المنطقة، في الوقت نفسه، كانت الخطط المالية في المملكة تهدف إلى ضبط الإنفاق وفرض ضرائب جديدة ورفع أسعار الطاقة وخفض نسبة العجز، وكل ذلك دون التسبب في مزيد من الضغط على النمو، وقد جاءت الموازنة التقديرية للمملكة لعام 2018 بقيمة 978 مليار ريال، وتوقعات أن يصل العجز إلى 195 مليار ريال، كما تم تطوير برنامج "حساب المواطن" لأول مرة من أجل إصلاح منظومة الدعم، وكذلك تم إقرار بدل غلاء معيشة لمدة عام واحد من أجل منح فرصة للأسر للتأقلم مع التغيرات الجديدة في الضرائب وفي أسعار الطاقة.
لقد كانت كل تلك الإجراءات التي قامت بها المملكة وتحت مراقبة المؤسسات الدولية تقع ضمن برنامج التوزان المالي 2020، الذي تم تمديد فترة استحقاقه إلى 2023. ومع نهاية العام يبدو أن الخطة التي تم تنفيذها بدقة قد آتت ثمارها، والاقتصاد السعودي يغادر محطة عام 2018 الصعبة بكل هدوء واتزان، فقط انخفض العجز أكثر مما هو متوقع، حيث بلغ 136 مليارا بنحو 4.6 في المائة من الناتج المحلي، كما استطاعت أن تحقق نموا فاق التوقعات ليصل إلى أكثر من 2 في المائة، كما تم بنجاح تنفيذ ضريبة القيمة المضافة، وتنفيذ برنامج "حساب المواطن"، إضافة إلى النجاح الذي تم على صعيد إصلاح السوق النفطية التي انتهت بعودة الأسواق مع اقتراب نهاية العام المالي إلى مستويات 80 دولارا، وإن كانت قد عانت بعض التأرجح في نهاية المسار، لكن ذلك لظروف اقتصادية عالمية من المتوقع أن تتحسن في المستقبل القريب.
كل هذه النتائج المتميزة جدا للاقتصاد السعودي في عام 2018 تملأ الأجواء بالتفاؤل في بدايات عام 2019، وهذا كان واضحا في الموازنة العامة التي جاءت قياسية في كل شيء، فهي الأعلى على الإطلاق، مع مصروفات تتجاوز تريليون ريال، وهذا مع المحافظة على جميع إنجازات 2018، فالسعي نحو خفض العجز مستمر، حيث من المتوقع أن ينخفض إلى أقل من 4.2 في المائة من النتائج المحلي، رغم حجم الميزانية الضخم، وهذا يعود إلى أن تطبيقات الإيرادات غير النفطية بدأت تعطي نتائج إيجابية جدا ويمكن الارتكاز عليها في تحقيق هذه الأهداف، كما أعلن استمرار تطوير برنامج "حساب المواطن" لأنه يحقق تجربة مثالية في تحقيق توزيع عادل للدعم، وفي الوقت نفسه أصدر الملك أوامره بأن يتم تمديد العمل بصرف بدل غلاء المعيشة، وهذا كله سيحسن من قدرة الأسر على مقابلة مصروفات عام 2019، ما يعزز النمو الاقتصادي بشكل عام. من المؤمل أن تتحسن قدرات الأسر على الادخار، هذا مطلوب في الفترة المقبلة، كما أن معالجة مشكلة الإسكان ستخفض من مستويات التضخم خاصة أن السكن يمثل جزءا رئيسا من تكلفة المعيشة للأسر في المملكة.
لم تزل أمامنا تحديات عامة في خفض مستويات البطالة، وتأمل الحكومة في أن خطة دعم القطاع الخاص بمبلغ يزيد على 200 مليار ستسهم في نمو هذا القطاع، ما يسهم في قدرته على التوظيف، وهناك عديد من الإنجازات الاقتصادية في الأفق القريب، ومنها بدء تشغيل قطارات الرياض وهذا سيسهم في التوظيف بشكل واضح، أضف إلى ذلك انطلاق عديد من المشاريع الضخمة التي تم تدشينها في عام 2018. باختصار فإن عام 2019 هو عام مهم جدا من حيث إننا ننتظر انتعاشا خاصا في المملكة رغم أن الاقتصاد العالمي قد يعاني بعض المشكلات التي قد تؤثر في أسعار النفط، التي لا نتوقع أن تشهد تحسنا جوهريا في بدايات عام 2019 وحتى منتصفه، لكن الاقتصاد السعودي أبدى مرونة كبيرة في تحمل مثل هذه الصدمات النفطية. ننتظر تحولات رئيسة في مكافحة التستر واقتصاد الظل، وهذا سيكون له أثر واسع في حل مشكلة البطالة العالقة، ولذا نتوقع انخفاضا واضحا في معدلاتها بنهاية عام، وإذا كنا نقف على عتبة 12 في المائة فقد نستطيع تحقيق اختراق حقيقي، وإن كانت البطالة النسائية تعد تحديا كبيرا نعمل على مواجهته لتحقيق الإنجازات.

إنشرها