Author

تداعيات سياسات «الفيدرالي الأمريكي» على أسعار الإقراض

|


للمرة الرابعة هذا العام والتاسعة منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تطبيع معدلات الفائدة في أواخر عام 2015، رفع الاحتياطي الفيدرالي هذا الشهر أسعار الفائدة 25 نقطة أساس إضافية وبإجماع جميع الأعضاء. ولا يخفى على الكثير أهمية هذا المعدل المتابع عن كثب من قبل المستثمرين في جميع أنحاء العالم بهدف الحصول على إشارات حول قوة الاقتصاد الأمريكي ولتحديد أسعار الفائدة عالميا. والفارق في هذه المناسبة عن سابقاتها من هذا العام هو التغير في لهجة الرئيس جيروم باول في بيان ما بعد الاجتماع والتشديد على توخي الحذر بشأن ارتفاع أسعار الفائدة في العام المقبل. ومع ذلك واصلت اللجنة في بيان مفاده أن مزيدا من رفع أسعار الفائدة سيكون مناسبا مع الإشارة إلى انخفاض عدد الزيادات المتوقعة مسبقا في 2019 من ثلاثة إلى ارتفاعين وتخفيض متوسط توقعات معدلات الفائدة من 3.4 في المائة إلى 3.1 في المائة. وفي ذات السياق، أتى قرار مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" برفع معدلات اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس 25 نقطة أساس أيضا رغبة منها في تعزيز الاستقرار النقدي في المملكة. لابد من الإشارة إلى العلاقة الطردية القوية بين معدلات الفائدة لكل من مؤسسة النقد العربي السعودي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بسبب ارتباط الريـال السعودي بالدولار الأمريكي، وهذا يتطلب أن تتابع "ساما" عن كثب سعر الفائدة على الدولار الأمريكي لتجنب أي ضغوط محتملة يمكن أن تظهر على ربط العملة بسبب زيادة أو نقصان في تدفقات رؤوس الأموال داخل وخارج المملكة. ويعد معدل إعادة الشراء العكسي كأداة أساسية في السياسة النقدية لدى أي بنك مركزي يمكن من خلالها التحكم في المعروض النقدي في ذات البلد، وهو المعدل الذي يقترض به البنك المركزي من المصارف التجارية.
ومن هذا المفهوم نجد في ارتفاعات معدل إعادة الشراء المعاكس للريـال السعودي المتتالية لهذا العام أثرا واضحا في ارتفاع سعر الإقراض للريـال بين المصارف "سايبور". حيث ازداد سعر الإقراض بين المصارف بشكل ملحوظ على مدار هذا العام مع استمرار ارتفاع معدل الاقتراض لفترة الأشهر الثلاثة 3M SAIBOR على سبيل المثال إلى أن بلغ ارتفاعه حتى تاريخه قرابة 56 في المائة، وأصبح على مسافة قصيرة من مستوى 3 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2008. تجدر الإشارة أيضا إلى أن ارتفاع أسعار الإقراض للريـال عرضة وبشكل كبير لحالة السيولة محليا كما كان مشاهدا في عام 2016 وسط هبوط أسعار النفط، حيث ارتفع "سايبور" الأشهر الثلاثة في غضون عام أكثر من 140 في المائة. ومقارنة بسعر إقراض الدولار بين المصارف "اللايبور" في الفترة الزمنية نفسها، نجد أن الفرق بينهما في وقت ما من ذلك العام كان قد وصل عند 150 نقطة أساس، وهذا انحراف جوهري عن معدل العلاوة التاريخي طويل الأمد في حدود 50 نقطة أساس. وبالتالي، نستنتج أن المحرك الرئيس لذلك الارتفاع كان بسبب عوامل داخلية بالدرجة الأولى.
وبالعودة إلى السياسة النقدية الأمريكية، يكثر الحديث والتكهن أخيرا من قبل المختصين في تعريف واكتشاف مستوى ما يسمى معدل الفائدة المحايد أو الطبيعي. وهو المعدل الذي ينمو فيه الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بوتيرته نفسها، حيث لا تستدعي الحالة الاقتصادية أي زيادة في التحفيز أو التهدئة وتكون عليه مستويات التضخم مستقرة. ويوفر هذا المعدل معيارا مهما لصانعي السياسة النقدية للمقارنة بمعدل السوق السائد. وفي نظرة سريعة إلى معدلات التضخم والبطالة الحالية في الولايات المتحدة، يبدو لنا قرب معدلات الفائدة الحالية من المعدل المحايد، آخذين في الحسبان معدلات التضخم القريبة من المعدل المستهدف عند 2 في المائة وانخفاض معدل البطالة إلى مستويات 3 في المائة، وهي الأقل منذ قرابة الـ50 عاما. وهنا يأتي التساؤل الأساسي عن ماهية معدلات الفائدة المناسبة والمحفزة لاقتصادنا الوطني في هذه المرحلة الحساسة. جميعنا شهد الميزانية الأكبر في تاريخ المملكة للعام الجديد 2019، التي تهدف إلى دعم النمو الاقتصادي، ورفع كفاءة الإنفاق وتحقيق الاستدامة والاستقرار المالي والمضي قدما في تحقيق أهداف "رؤية المملكة 2030". وإذا نظرنا في مستوى الإنفاق المعتمد في الميزانية، والبالغ 1.106 تريليون ريـال بزيادة 7 في المائة، من بينها 246 مليار ريـال من النفقات الرأسمالية، ندرك سريعا أنها ميزانية توسعية، حيث أشارت الموازنة لعام 2019 إلى نمو إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.6 في المائة مقارنة بتوقعات بنسبة 2.3 في المائة في 2018 مع توقع لنسب التضخم عند 2.3 في المائة. وإذا أخذنا في الحسبان المستويات الجيدة في نسب السيولة المحلية أخيرا حسب أرقام عرض النقود بمعناه الموسع الصادر من مؤسسة النقد وبوادر بقاء أسعار النفط في مستوياتها الحالية بعد اتفاق خفض المعروض بين منظمة أوبك وبعض الدول المنتجة الأخرى، يبقى لنا تحليل عامل الارتفاع في معدلات الفائدة الأمريكية وآثاره على المخرجات الاقتصادية في المملكة. ومما لا شك فيه أن ارتفاع أسعار الإقراض، بما لا يتناسب مع معطيات الدورة الاقتصادية السائدة قد يأتي بنتائج عكسية على الاقتصاد الكلي خلال المديين القصير والمتوسط، وقد يستمر ذلك حتى يكتسب اقتصادنا مزيدا من الزخم الذي من شأنه مواجهة هذا التأثير السلبي. ولكن بالمقابل، قد يرى بعض الخبراء في هذا الأمر أنه شر لابد منه في وقتنا الحالي، نظرا إلى أهمية ارتباط الريـال السعودي بالدولار في تعزيز الاستقرار النقدي، وأن أي فك لهذا الارتباط قد ينجم عنه عواقب وخيمة في حال لم يكن اقتصادنا منوعا بالشكل المطلوب.

إنشرها