Author

العلاقات الإنسانية

|


أذكر القصة التي جاء فيها علي بن الجهم إلى مجلس الخليفة المتوكل مادحا فقال:

أنت كالكلب في حفظك للود
وكالتيس في قراع الخصوم

ثم وصفه بالدلو الذي يحضر الماء من البئر، فلم يغضب الخليفة وإنما أعطاه فرصة الحياة الرغيدة ليتغير فكر الشاعر ونظرته للأشياء ليقول قصيدته الرائعة:

عيون الجوى بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

تقال هذه القصيدة في الربط بين البيئة والشاعر أو هو المبدع من حيث أتى. ما أعادني لهذه القصيدة هو وفاء كلب الرئيس 41 للولايات المتحدة جورج بوش الأب. ذلك الكلب الذي رافق الرئيس خلال سنوات عمره الأخيرة، ثم جلس بجانب تابوت صاحبه وكأنه يحاول أن يؤنسه، وهو أمر لا يستغرب من الكلب الوفي. هذه العلاقة العجيبة بين الإنسان والحيوان ليست محصورة في شأن الكلب وإنما هي موجودة في أغلب الحيوانات.
حفظ الود الذي نشاهده من كثير من الحيوانات حتى وإن كانت مفترسة يتمثل في مواقع كثيرة حيث يحسن الإنسان مدة من الزمن، لكن الحيوان يبقى مدينا وذاكرا طيلة عمره، نشاهد هذا في مقاطع كثيرة، وهي ميزة تكاد تنحصر في المجتمعات الغربية التي تفتقد فيها الأسرة للتجمع والألفة التي تسيطر في المشرق. على أننا نشاهد التغيير في حالنا أكثر من أي وقت مضى.
مهم هنا أن نؤكد أن العلاقة بين الإنسان والحيوان يجب أن تكون مبنية على المصلحة وليس الحب المجرد، فهذا قد يكون من الشذوذ الذي ينتج عن عدم وجود الكم الكافي من التفاعل بين الإنسان وجنسه. الراعي وعلاقته بالكلاب التي تحمي ماشيته، وغيرها من العلاقات المنطقية لا بد أن تسود بدلا من حالة التعلق بحيوانات يؤدي حبها لخسائر مادية وأسرية لا تحملها سوى من يحتاجون إلى معيلهم رب أسرتهم وهو ما نراه اليوم متكررا في حالات كثيرة - لا أعتبرها سوية. قد يغضب قولي بعض المتعلقين بالحيوانات، لكن الرد قد يكون أسهل عندما أدعوهم إلى رؤية حال شباب اليوم وهم يفقدون القدوة والعلاقة السوية في داخل بيوتهم.
نشاهد الشباب وهم يتعايشون ويتفاعلون ويتحابون مع الحيوانات، وهذا مؤشر قد يدل على حاجة ملحة لإيجاد نوع أرقى من التفاعل الأسري والمجتمعي الذي يستعيد هؤلاء ويعيد لهم العلاقة الطبيعية مع بني جنسهم.

إنشرها