Author

فكرة من الممشى

|
قررت قبل فترة قصيرة أن أستغل الأجواء الجميلة التي نعيشها حاليا وأمشي لمدة ساعة تقريبا يوميا في ممشى قريب من منزلي. أعيش ساعة يوميا متحررا من الأعباء والقيود منطلقا والنسمات العليلة تداعب روحي وعقلي. كل شيء حولي كان جميلا. العائلات والأزواج والأفراد وهم يتحركون بانسيابية، تعلو ملامحهم السعادة. يسيرون يوميا بخطى سريعة تعكس تفشي ثقافة صحية نتطلع أن تتعاظم وتكبر. لكن الأجمل على الإطلاق كان مشهد طاولة تمتلئ بقارورات المياه تنتصف الممشى. وبجانبها عبارة لطيفة: "بالهناء والشفاء. وفرنا علب المياه مجانا تشجيعا لك للاستمرار في هذه الممارسة الرائعة". ظللت أكثر من يوم أراقب الممشى لأكتشف من الجهة التي تقف خلف هذه المبادرة الصغيرة والكبيرة في الوقت نفسه؛ لأشكر القائمين عليها. وأعبر لهم عن حجم امتناني وتقديري. بيد أن محاولاتي باءت بالفشل. لم أستطع اكتشاف المؤسسة التي تقف خلف هذا المشروع الأنيق. لكن بعد مرور عدة أسابيع شاهدت مصادفة شابا يترجل من سيارته ويخرج من حقيبة سيارته عدة طاولات مرنة ثم يفتحها. بعد ذلك يخرج ستة صناديق مياه ويبدأ بتوزيع علب المياه في أحشائها على الطاولات التي زرعها على ضفاف الممشى برفق. يرصها بعناية ودقة ويضعها على طاولات وزعها بكفاءة في أرجاء مختلفة في الممشى. قبضت على هذا الشاب متلبسا باللطف المشهود وسألته عن دوافعه للقيام بهذا العمل اليومي الناعم الرقيق. فأجابني وهو يبتسم وبعد أن أخذ وعدا مني بعدم محاولة استدراجه لمعرفة اسمه ومن ثم نشره، أو تصويره، ثم قال: "كنت أمشي يوميا في الممشى وأحيانا لا أكمل بسبب العطش. خشيت أن يتكرر ذلك مع غيري فحرصت على المساعدة بطريقة بسيطة دعما لهذا السلوك الحميد". وضع هذا الشاب ميزانية بسيطة لهذا المشروع شهريا وعندما أخبر أصدقاءه شاركوه ودعموه ورفعوا الميزانية ستة أضعاف. يقول هذا الشاب: "لا تتصور فرحتي عندما أرى الطاولة فارغة بعد نهاية اليوم. امتلئ بالفرح وأشعر بالارتواء". تخيلوا يا أصدقاء لو كل منا قام بأفكار بسيطة لدعم مجتمعاتنا. ستكون الحياة أجمل. بوسعنا أن نفعل الكثير بالقليل. بعض المبادرات لا تحتاج إلى مال أو مؤسسات. تتطلب وقتا وبعضها مجرد كلمة أو ابتسامة. قرر أحد الزملاء أن يقوم بإعداد كوب قهوة كل يوم لزميل مختلف فأصبحت كل أيامه مختلفة. معظمنا يستطيع إعداد هذا الكوب بنفسه ولكن عندما يصلنا من زميل يصبح له مذاق خاص ويعني أننا نحظى باهتمامه. أشعر يا صديقي الآخرين باهتمامك. بادر وستكتشف أن هناك حياة لم تتذوقها. بوسعك العثور عليها من خلال خطوات صغيرة. الارتواء لا يأتي من شرب الماء فحسب، وإنما يجيء من العطاء. يحشوك بالطمأنينة والسكينة، ويعبأك بالفرح.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها