Author

انعكاسات الميزانية على المواطن

|
كاتب ومستشار اقتصادي
اعتمد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الثلاثاء موازنة 2019، وهي الموازنة الأولى في تاريخ البلاد التي يتجاوز فيها جانب الإنفاق المقرر حاجز التريليون ريال، كما جاءت نتائج ميزانية 2018 التي تطوي صحفها الأخيرة بأداء جيد مكن القائمين عليها من تقليص العجز إلى 136 مليارا بدلا من 191 مليارا حسب المتوقع لها في بداية العام. حديث خادم الحرمين الشريفين المصاحب لإعلان الموازنة وتصريح ولي العهد بعد إعلانها أكدا الكفاءة والشفافية وشراكة القطاع الخاص وتحقيق التنمية الشاملة في كل المناطق، وجاءت الموازنة توسعية في جانب الإنفاق الرأسمالي إذ بلغ ما تم تخصيصه للمشاريع 246 مليار ريال وهو ما نسبته 22.2 في المائة من حجم الموازنة وبزيادة تصل إلى 20 في المائة عن المخصص نفسه في ميزانية العام الماضي، وبحسب تصريح ولي العهد، فإن هذا الضخ جاء "لتعزيز البنية التحتية وتمكين الاقتصاد من إيجاد مزيد من الوظائف وإيجاد بيئة استثمارية جاذبة"، وهي أهداف مهمة تستحق هذه الزيادة. وبالتأكيد، فإن كفاءة الإنفاق يجب ألا تفهم بأنها تقليص الإنفاق فهي لا تعني ذلك مطلقا، وإنما تعني محاربة الهدر في الإنفاق، فالكفاءة نقيض الهدر وليست نقيض الزيادة، لأنها ـــ أي الكفاءة ــــ قد تتطلب زيادة الإنفاق لا تخفيضه، فالكفاءة تعني تحقيق الأهداف كلها وبأعلى المعايير وبالتكلفة المستحقة دون هدر للمال أو للموارد الأخرى، وهي النقطة الأولى التي أردت التأكيد عليها في المقالة. النقطة الثانية، وهي متعلقة بالكفاءة أيضا من الجانب الآخر، فإن كنا نتحدث عن كفاءة الإنفاق إلا أنه لا يفوتنا الإشادة بتطور كفاءة التحصيل من قبل الجهات الحكومية، والواضح من أرقام ميزانية 2018 أن هناك تطورا جيدا في تحصيل الإيرادات الحكومية من قبل الجمارك وهيئة الزكاة والدخل والبلديات وغيرها، وهو ما أدى في النهاية لتقليل العجز، كما أشرنا سابقا رغم كبر حجم النفقات وزيادتها على المقرر لها في بداية العام بنحو 5.4 في المائة "تم صرف 1030 مليار ريال فعليا بنهاية العام وليس 978 مليارا حسب المقرر في بداية السنة". النقطة الثالثة، فيما يخص الشراكة وتنمية القطاع الخاص، فالرؤية وبرامج التحول وحديث الملك وتصريح ولي العهد كلها تؤكد أهمية القطاع الخاص ــــ وهي نقطة لا تقبل الجدل ـــ ولكن يجب أن يعي القطاع الخاص نفسه أن نموذج الأعمال الذي اعتاد عليه يجب أن يتغير ويتطور، فالتعويل على عقود الحكومة الكريمة وتمريرها من خلال عقود الباطن لمنشآت لا تملك الخبرة ولا الكفاءة أمر يجب أن يتغير، والتعويل على الأعمال المعتمدة على آلاف التأشيرات للعمالة الأجنبية الرخيصة سلوك يجب أن يتبدل، والتستر التجاري وتحول العامل لمالك ومنفذ وصاحب للمال أمر يجب أن يختفي من سوقنا تماما، والتأخر والتعثر في تنفيذ المشاريع أمر لم يعد مسموحا به في ظل الرؤية والتغيرات الكبيرة التي يشهدها الاقتصاد. النقطة الرابعة والأهم، وهي كيف تنعكس أرقام الموازنة الضخمة على حياة الناس ومعيشتهم؟ وهنا يأتي دور الوزراء والمسؤولين وقدرتهم على تحويل هذه الأرقام الكلية إلى ما ينفع الناس ويرفع مستوى معيشتهم، ومتى حصل المواطن على فرصة العمل ويسر له تملك السكن وقدمت له الرعاية الصحية والخدمة التعليمية بشكل مناسب فيمكننا القول أن أرقام الموازنة الضخمة انعكست على حياة الناس ورفعت معايير معيشتهم، والكرة في ملعب الوزراء والمسؤولين لتحقيق الأهداف والنتائج التي وجههم بها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده ويتطلع لها وينتظرها منهم المواطن. ختاما، موازنة 2019 موازنة توسعية في جانبها الإنفاقي، داعمة للإنفاق الرأسمالي الضروري للتنمية، إلا أنها على الجهة الأخرى لم تغفل جانب تنمية الإنسان وتعليمه وصحته فجاء التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية على رأس أولوياتها، ورغم تحسن مؤشراتها الكلية في إيرادها وإنفاقها وعجزها وجبايتها وتخصيصها، إلا أن الأهم هو أن تنعكس على حياة المواطن وترفع مستوى معيشته وتلبي آماله وتطلعاته.
إنشرها