Author

ميزانية 2019 التوسعية .. تعزيز الشفافية والإفصاح

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

هذه ثالث ميزانية تعد تحت “رؤية 2030“وبرامجها التحولية لتطوير الاقتصاد، وتقليل اعتماده على النفط، وتعزيز الشفافية والإفصاح المالي.
وهذه أعلى ميزانية في تاريخ البلاد فقد قدرت إيرادات الدولة بـ975 مليار ريال بزيادة تقارب 9 في المائة عن إيرادات العام الحالي 2018. ما يلفت الانتباه إلى أن الزيادة المتوقعة في كل الإيرادات تساوي الزيادة المتوقعة في الإيرادات النفطية وأيضا تقريبا الزيادة المتوقعة في الإيرادات غير النفطية. ومتوقع زيادة تقارب 15 في المائة في إيرادات الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية.
أما النفقات فقدرت بـ1106 مليارات ريال بزيادة 7 في المائة تقريبا عن ميزانية العام الحالي 2018. وخصص للصحة والتنمية الاجتماعية قرابة 170 مليارا والتعليم قرابة 200 مليار والأمن قرابة 100 مليار والتجهيزات الأساسية وخدمات البلديات قرابة 130 مليار ريال.
تشكل النفقات التشغيلية قرابة 78 في المائة من الإنفاق وكانت نسبتها في العام الحالي قرابة 80 في المائة. ومن ثم تتميز ميزانية 2019 بالتركيز أكثر على النفقات الرأسمالية حيث ستزيد بنحو 20 في المائة مقارنة بزيادة 4 في المائة للنفقات التشغيلية. ويخص تعويضات العاملين قرابة نصف النفقات التشغيلية حسب بيان ميزانية 2019.
العجز المتوقع للعام المقبل 2019 مقارب في حجمه لعجز العام الحالي حيث يدور ويزيد قليلا على 130 مليار ريال. ويشكل الدين العام قرابة ربع الناتج المحلي الاجمالي، وهي نسبة منخفضة، لا تعد مصدر قلق. ومن المهم الاستمرار في ضبط حجم الدين العام بما يمنع توسعه كثيرا. وتتأثر تقديرات الإيرادات والنفقات والعجز بعدة عوامل من أهمها أداء سوق النفط وتطورات الاقتصاد العالمي وتطبيق برامج التصحيح الاقتصادي. ومن المهم أن يعرف أن لكل سياسة وفي كل اقتصاد آثارا مرغوبا بها وآثارا غير مرغوب بها. ومن ثم فمن المهم جدا النظر إلى الحصيلة الصافية.
حصلت عوامل مشجعة بحمد الله. فأسعار النفط تحسنت وإيرادات الدولة غير النفطية في تزايد نتيجة إصلاحات عديدة بدأت قبل نحو سنة. خلاف عمليات الترشيد ومحاربة الفساد التي أسهمت بذاتها في زيادة إيرادات الدولة غير النفطية. وزادت من قناعة الناس في تفهمهم للحاجة إلى تنمية الإيرادات غير النفطية وتخفيف الإدمان النفطي.
ذكر بيان ميزانية 2019 الصادر أمس أنه يتوقع نمو الاقتصاد بنحو 6 في المائة العام المقبل. وهو أقل من النمو المسجل هذا العام نحو 14 في المائة.
والسبب في ارتفاع نمو العام الحالي أنه جاء بعد ثلاث سنوات ضعف نمو أو ركود. وقد كان العام الحالي نقطة تطور ملحوظ في أداء الاقتصاد، يدل على ذلك عدة مؤشرات كنمو الاقتصاد ونمو مبيعات نقاط البيع التي زادت بنحو 16 في المائة. وهناك تحسن في عرض النقود حيث زاد بنحو 2 في المائة. أما التضخم فمتوقع أن معدله معتدل يدور حول 2 في المائة العام المقبل.
في إطار الدفع نحو تحسين نمو الاقتصاد، أوضح بيان وزارة المالية أنه يجري الاستمرار في استهداف تنويع الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص وتقوية استدامة المالية العامة وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
من أهم ما أشار إليه بيان الميزانية برنامج تطوير الصناعة الوطنية وما يتبع ذلك من برامج فرعية تسهم في تطوير الصناعة. وهذا الأمر كان موضوع مقال نشر في 19 /11 / 2018 بعنوان "الرؤية وتحديات الصناعة السعودية". وأهم التحديات المنافسة وبيئة الأعمال الصناعية والتجمعات الصناعية ونقل وتوطين التقنية وتطوير القوى العاملة الوطنية والإدارة الصناعية. ومتوقع أن تسهم برامج الميزانية في تخفيف حدة هذه التحديات.
ما خصص من دعم للإسكان يبقى دون حجم الطلبات على الدعم. وهذا يجر إلى طرح استفسار عن كيفية تحقيق هدف زيادة نسبة التملك زيادة كبيرة وفق معطيات دخول الناس وأسعار العقارات. وهنا من المهم استثمار ما أمكن استثماره من عقارات الدولة التي تم إنشاء هيئة خاصة بها قبل أسابيع. ومتوقع من هذه الاستثمارات ومع الوقت أن تتيح للدولة الحصول على إيرادات بعشرات المليارات.
جاء في بيان الميزانية هدف تخفيض العجز بصورة تدريجية خلال السنوات القليلة المقبلة للوصول إلى ميزانية متوازنة، أي خالية من العجز تقريبا، بحلول عام 2023. وأرى أنه صعب تحقيق هذا الهدف دون تأثير غير مرغوب فيه على نمو الاقتصاد. ولكن يمكن أن نقترب من التوازن كأن يكون سقف العجز السنوي دون سقف 5 في المائة من الإيرادات، وأن يكون مجموع الدين العام لا يتجاوز ثلث الناتج المحلي.
صدر أمر ملكي كريم بالاستمرار في صرف بدل غلاء المعيشة لعام مالي واحد. كما أشار بيان الميزانية إلى المبادرات التنموية برنامج حساب المواطن والإنفاق الاستثماري وخطط تحفيز القطاع الخاص واستمرار صرف العلاوة السنوية. إضافة إلى برامج تحقيق الرؤية.
في إطار أهداف الشفافية والإفصاح المالي وتخفيف الاعتماد على دخل النفط ودعم النمو الاقتصادي، وتحسين معيشة الناس ونشاط القطاع الخاص، تطرق بيان الميزانية إلى الاستمرار في تطوير عدة إجراءات وتنظيمات وبرامج ذكرت باقتضاب. ومنها برنامج الخصخصة وأداء الأجهزة الحكومية.
ومن المهم أيضا الإشارة إلى أن ميزانية 2019 أعدت وفق المنهجية الجديدة التي تم إطلاقها لإعداد الميزانية في 2018. كما تضمنت معالجة محاسبية جديدة بتسجيل جميع الإيرادات المباشرة التي كان تحصلها جهات حكومية معينة. كما تم تضمين مبالغ النفقات المقابلة لها. ومن الأمثلة وزارة الإسكان في موضوع رسوم الأراضي. ومن الأمثلة أيضا الجامعات وأمانات المناطق. والهدف زيادة قوة الإفصاح المالي. وأشير إلى أنه تم إنشاء مركز تحقيق كفاءة الإنفاق. ومن أعماله تحليل ميزانيات الجهات الحكومية ونفقاتها. ويسعى المركز إلى إطلاق وهج الشراء الاستراتيجي.
في إطار الإصلاحات السابقة، جرى إعداد الميزانية وفقا لإحصاءات مالية الحكومة Government Finance Statistics (GFS) 2001 و2014 المعروفة اختصارا لدى أهل الاختصاص بـGFSM 2001 وGFSM 2014 .
وميزانية 2019 هي ثالث ميزانية تعد وفقا لدليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM 2001 والمحدث في 2014 ، وهو نظام إحصائي وتنظيم تصنيفي متطور من إعداد صندوق النقد الدولي قبل بضعة عشر عاما مستعينا بخبرات دول متطورة في إعداد ميزانياتها العامة. وسأعطي تفاصل أكثر عنه لاحقا.
وأختم بذكر أربع ملحوظات:
أولا، مقترح إصدار نظام للميزانية.
وثانيا، هناك نقص في أعداد الأيدي الوطنية الماهرة في مجال المالية العامة. وهنا مقترح تأسيس مؤسسة تعنى بكيفية رفع مهارات وقدرات موظفي المالية العامة.
وثالثا، الحاجة قائمة لعمل مزيد في جهود مبذولة حاليا نحو توزيع المخصصات المالية بما يسهم في تحقيق تنمية متوازنة في أرجاء البلاد.
رابعا، خطة تحفيز القطاع الخاص وما يتبعها من مبادرات بحاجة إلى توضيحها للقطاع الخاص بشكل أفضل.
ملحق: مزيد توضيح لدليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM
كانت ميزانية الدولة تصنف وتعتمد مخصصاتها وفق تصنيفين:
الأول إداري أي أجهزة حكومية وفروعها وأقسامها.
الثاني اقتصادي، الذي اشتهر بأبوابه الأربعة، الأول للرواتب والثاني تحويلات وتعويضات غير الرواتب والثالث للتشغيل والصيانة والرابع للمشاريع. هذا التصنيف قاصر، به من العيوب ما به. وقد توقف العمل به مع ميزانية 2015 حسب بيان وزارة المالية. وجرى تطبيق دليل إحصاءات مالية الحكومة 2001 ونسخته المحدثة 2014 بدلا من القديم الذي عشنا معه عقودا من الزمن.
وللعلم بدأ منذ عام 2006 التفكير داخل وزارة المالية لتطبيق دليل 2001، وكان كاتب هذا المقال عضوا فعالا في لجنة شكلت عام 2006 بهدف تطبيق دليل 2001. ولكن الطفرة السابقة (وأسباب أخرى) تسببت في تأخير تطبيق الدليل.
ما قصة دليلي 2001 و2014؟
قامت إدارة الإحصاء في صندوق النقد الدولي عام 2001 بإطلاق نظام إحصائي تحت اسم "دليل إحصاءات مالية الحكومة 2001" The Government Finance Statistics Manual 2001 (GFSM)، وفي الحقيقة نتج هذا الدليل من جهود بذلها عدد كبير من المتخصصين في دول ومنظمات وأقسام أكاديمية مختلفة.
جرى تحديث وتطوير دليل 2001 بما يعرف بدليل إحصاءات مالية الحكومة 2014، لمواكبة أبعاد سلسلة من التطورات والمشكلات في المالية العامة ومعايير المحاسبة الحكومية ونظام الحسابات الوطنية (2008 SNA) خلال السنوات التالية لعام 2001. دليل 2001 عبارة عن إطار معالجة إحصائية statistical reporting framework، لإعطاء أساس متين للتحليل المالي الحكومي fiscal analysis. وهذا الدليل يعد تحديثا واسع النطاق للدليل السابق الصادر من الصندوق عام 1986. التسجيل والتحليل في دليل 1986 مبنى على نظام التدفق النقدي المحاسبي. الطريقة السابقة تبين أنها غير فعالة في إعطاء معلومات على رسوخ واستمرارية السياسات المالية على المدى البعيد. على سبيل المثال تتجاهل جزءا كبيرا من أعباء مستقبلية على الحكومة. كما أنها تتجاهل كل الصفقات العينية، بما يتسبب في إعطاء أرقام مضللة لقيمة الأنشطة الاقتصادية للحكومة.
هذه التطورات أدت إلى تطوير دليل 2001. ويطمح الصندوق إلى أن يكون هذا الدليل بمنزلة مرجع موحد لكل الأعضاء، ما يسهل على الصندوق الحصول على بيانات إحصائية متوافقة، تساعده عند إجراء دراسات أو مناقشات، وخاصة مناقشات المادة الرابعة.
يساعد دليل 2001 والنسخة المحدثة منه 2014 الدول على زيادة قدراتها في تقييم سياسات المالية العامة، ومراقبة تطوراتها، كما أنه يعزز قياس الادخار والاستثمار والاستهلاك الحكومي بطريقة تفوق ما جاء في دليل 1986، ما يساعد على صياغة سياسات الاقتصاد الكلي بصورة أفضل. يحتوي إطار دليل 2001 التحليلي على جداول تماثل القوائم المالية للشركات.
التصنيفات التي تم تبنيها في ميزانيات 2016 فصاعدا:
هناك ثلاثة تصنيفات في التصنيف الجديد للميزانية: الأول إداري مشابه للقديم.
الثاني اقتصادي يتكون من ثلاثة أقسام رئيسة:
1- مصروفات موزعة على ثمانية أبواب: 1- تعويضات العاملين 2-السلع والخدمات 3- استهلاك رأس المال الثابت 4- نفقات التمويل 5- الإعانات 6- المنح 7- المنافع الاجتماعية 8- مصروفات أخرى.
2- معاملات على الأصول غير المالية.
3-المعاملات على الأصول المالية والخصوم. الثالث تصنيف وظيفي، ويصنف الوظائف والأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى الأجهزة الحكومية إلى تحقيقها من خلال الإنفاق العام. ويتكون التصنيف الوظيفي من عشرة تصنيفات أساسية، خدمات عامة ودفاع ونظام عام وشؤون اقتصادية وحماية البيئة والإسكان ومعه المرافق والصحة والترفيه والتعليم والحماية الاجتماعية. ويستند هذا التصنيف على المستفيد من الإنفاق وليس النفقة نفسها. مثلا تأمين سيارة لنقل الموظف أصبحت تصنف ضمن تعويضات العاملين، بينما كانت في السابق لا تصنف تحت الباب الأول.
طبعا التصنيف الجديد أكثر شمولا ودقة وتعقيدا ومن ثم يتطلب فهما أعمق مقارنة بتصنيف الأبواب الأربعة القديم.

إنشرها