Author

ميزانية تاريخية .. نمو وتنويع اقتصادي

|

كما كان العالم يتوقع، جاءت الميزانية السعودية العامة لعام 2019 تاريخية بكل معاني الكلمة، وكما أعلنها ووصفها الملك سلمان بأنها أكبر ميزانية في تاريخ المملكة، وتقدم جميع الخدمات المميزة للمواطنين، وتهدف إلى دعم النمو الاقتصادي، ورفع كفاءة الإنفاق، وتحقيق الاستدامة والاستقرار المالي، وتأتي ضمن أهداف "رؤية 2030"، وهي كذلك من زوايا عديدة. وكما تسير استراتيجية التنمية في المملكة وفق أسس تاريخية أيضا تؤطرها "رؤية المملكة 2030"، تأتي الميزانية العامة الجديدة بحجم إنفاق غير مسبوق، ما يعزز الحراك الاقتصادي العام، ليس فقط الذي يخص العام المقبل، بل الأعوام الآتية، وذلك من خلال وجود المشاريع المتصلة زمنا، وتلك التي تستعد السوق المحلية لأن تطلقها في الأوقات المناسبة. فالميزانية السعودية التي أقرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أسست في الواقع لسلسلة من الميزانيات المقبلة التي تتضمن قيما عالية وعوائد توافق هذه القيم من حيث الجودة. إنها استراتيجية شاملة تتعلق بالإنفاق العام والتنمية المستقبلية.
من هنا، دخلت ميزانية عام 2019 التاريخ من جهة أنها الأكبر على الإطلاق، وأنها تجاوزت "للمرة الأولى" حاجز التريليون ريال، لتصل إلى نحو 1.106 تريليون ريال، علما بأن الإنفاق الفعلي للعام الجاري 2018 سجل 1.030 أي أنه قفز فوق التريليون، الحد الفصلي في حجم الميزانيات السعودية حتى اليوم. وفي ميزانية العام المقبل ارتفع الإنفاق بنسبة 7 في المائة، وهذا أيضا كان متوقعا ليس فقط من الجهات الاقتصادية والشعبية السعودية، بل من تلك التي تهتم بالوجود في السوق السعودية بأشكال مختلفة، خصوصا تلك التي تشترك في مشاريع ضمن إطار "رؤية المملكة". ولا شك أن هذا الإنفاق يأتي ليحفز الاقتصاد على مزيد من النمو، دون أن ننسى أن تراجع أسعار النفط في الفترة الأخيرة أثر بصورة أو بأخرى في مستوى هذا النمو. لكن في النهاية يبقى نموا مستقرا، يستند إلى سمعة ائتمانية عالية، تحافظ عليها السعودية في كل الحالات والمراحل والتحولات.
وقد استطاعت القيادة العليا أن تحقق قفزات عملية كبرى على صعيد الميزانية العامة، من جانب الإنفاق ودفع المشاريع المساعدة إلى الأمام. لكن من أبرز ما تم تحقيقه في العام الجاري، هو استمرار ارتفاع مساهمة القطاعات غير النفطية في الميزانية العامة. وهذه النقطة على وجه الخصوص تمثل محورا رئيسا في "رؤية المملكة 2030"، وتستند إلى مجموعة كبيرة من المشاريع الدائمة، فضلا عن المخططات المتطورة التي تنفذ بهذا الخصوص. ففي الأشهر التسعة الماضية زادت الإيرادات غير النفطية بنسبة 48 في المائة، وتؤكد الجهات الاقتصادية العالمية أن ما تحقق في هذا المجال يعود أساسا إلى الإصلاحات الاقتصادية وتنوع الاستثمارات. ويبدو واضحا أن هذا الجانب يمضي قدما وفق المخططات التي تضمنتها "الرؤية"، ما يعزز خطى البناء الاقتصادي العام.
ولا بد من الإشارة إلى أن التراجع في مؤشرات العجز يسير أيضا بشكل يدعم البناء الاقتصادي، ويصب في تعزيز الثقة بالاقتصاد الوطني أكثر وأكثر. فزيادة الإنفاق العام، تعني ببساطة المضي نحو إنجاز مراحل التنمية الشاملة، يضاف إلى ذلك تشجيع القطاع الخاص على أن ينخرط بصورة متصاعدة في العملية التنموية والاستثمارية ككل. وهذا القطاع "كما هو معروف" يمثل أيضا حجر الزاوية في الشكل الاقتصادي المأمول للسعودية في المستقبل. لا شيء يقف أمام الحراك الاقتصادي العام في المملكة، ومن هنا تتجدد الفرص أمام من يرغب في أن يكون له نصيب في الحراك المشار إليه، كما أنه مفتوح على الجهات الأجنبية الفاعلة والمحلية، طالما أن ذلك يصب في تحقيق الأهداف الموضوعة للبناء الاقتصادي.
ميزانية المملكة لعام 2019 خطوة أخرى جديدة على طريق التغيير الاستراتيجي المطلوب، وهو تغيير يحاكي مستقبل الأجيال القادمة، كما يخص الوقت الراهن. الميزانية التريليونية ستكون أكبر وأكبر في المستقبل، مع خفض العجز، واستكمال مسيرة التحول التاريخية الراهنة. وكما أكد الملك سلمان وولي العهد أننا عازمون على المضي قدما في طريق الإصلاح الاقتصادي وضبط الإدارة المالية، وتعزيز الشفافية، وتمكين القطاع الخاص، وأن الاهتمام الأول يتركز على مواصلة العمل نحو تحقيق التنمية الشاملة في جميع مناطق المملكة وفي المجالات كافة.

إنشرها