Author

هل يجد بوتين حلا لجزر الكوريل؟

|
في أيلول (سبتمبر) من العام الجاري وعد الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين بتوقيع معاهدة سلام نهائية مع اليابان قبل نهاية السنة. وفي نوفمبر المنصرم، قابل رئيس الحكومة اليابانية شينزو آبي نظيره الروسي في قمة آسيان بسنغافورة، حيث أكدت مصادر إعلامية خبيرة أن الزعيمين اتفقا على تسريع المفاوضات حول معاهدة سلام بين بلديهما. وأخيرا قال آبي إنه سيزور موسكو مطلع عام 2019. هذا يعني أن هناك تطورات على صعيد العلاقات اليابانية - الروسية السياسية، محورها وضع حد نهائي لخلافاتهما التاريخية القديمة حول السيادة على بعض الجزر الواقعة في أقصى شمال المحيط الهادئ من تلك التي يدعي كلا البلدين حق السيادة عليها. لقد شهدت العلاقات الروسية - اليابانية في السنوات الأخيرة تحولات مهمة على الأصعدة التجارية والاقتصادية والاستثمارية والسياحية، فيما ظلت على الصعيد السياسي تشكو تبعات الحروب التاريخية التي تعرقل مضيها قدما نحو مرحلة بعيدة عن الهواجس والشكوك. تاريخيا، تعود خلافات البلدين إلى القرن الـ18 وتشتمل على مطالبات وادعاءات طويلة، غير أنها اليوم تدور حول السيادة، تحديدا على الجزء الجنوبي لجزر الكوريل الأربع، التي تسيطر عليها روسيا الاتحادية ويسميها اليابانيون "الأراضي الشمالية"، وهي جزر: "هابوماي" و"شيكوتان" و"كوناشير" و"إيتوروب". هذه الجزر لا تنوي روسيا الانسحاب منها، وكذا الحال مع اليابان التي ترفض التنازل عنها، رغم أن كلا البلدين يحاولان التوصل إلى حل يرضيهما ويبقي على زخم التعاون القائم بينهما. وكان بوتين قد أعلن في هذا السياق بادرة حسن نية تمثلت في السماح لليابانيين الذين كانوا يعيشون سابقا على تلك الجزر بزيارتها والاستثمار فيها وزيارة قبور معارفهم، كما أعلن ضرورة تعزيز الثقة المتبادلة وتوطيد التعاون المشترك كخطوة تمهد الطريق لإيجاد حل للمشكلة. والمعروف أيضا أن الاتحاد السوفييتي السابق انتهز فرصة استسلام اليابان بعد هزيمة الأخيرة في الحرب العالمية الثانية عام 1945 لبسط سيادته على تلك الجزر التي تمدد إليها اليابانيون منذ القرن الـ18، ثم تنازلت روسيا القيصرية لهم عنها بموجب اتفاقية سيمود عام 1855 قبل أن تتنازل لليابانيين عن كامل سلسلة جزر الكوريل بموجب اتفاقية بطرسبورج عام 1875 مقابل عدم الاعتداء. وفي عام 1956 وقع البلدان إعلانا مشتركا حول تطبيع العلاقات البينية، لكن خلافاتهما بقيت، ولا سيما حول تفسير المادة التاسعة من الإعلان، وفحواها أن موسكو توافق على التخلي لليابان عن جزيرتي هابوماي وشيكوتان بشرط أن يتم ذلك بعد توقيع معاهدة سلام نهائية، فيما تصر اليابان على استعادة كل أراضيها الشمالية قبل التوقيع على معاهدة السلام. وبظهور الحرب الباردة، وقفت واشنطن خلف موقف طوكيو، بل ضغطت عليها للمطالبة بجميع الأراضي الروسية التي خسرتها خلال الحرب العالمية الثانية. أما الروس فقد ردوا بأن مسألة الأراضي موضع الخلاف قد تم حلها بموجب إعلان 1956، وبالتالي تم إغلاق ملفها نهائيا. وفي عهد بوتين جدد الأخير عام 2005 استعداده لإعادة جزيرتي هابوماي وشيكوتان إلى اليابان، لكن الحكومة اليابانية رفضت المقترح. تقع جزر الكوريل بين شبه جزيرة "كامتشاتكا" الروسية وجزيرة "هوكايدو" اليابانية، وتمتد مسافة 1200 كيلومتر، وتبلغ مساحتها 15.5 كيلومتر مربع، ويسكنها أكثر من 20 ألف نسمة، وتنقسم إلى كوريل الشمالية وكوريل الجنوبية التي تطالب بها اليابان، وتدخل كلها ضمن مقاطعة سخالين الروسية، وتعد المنطقة غنية بالمعادن، ومن أكثر مناطق المحيط الهادئ غزارة بمصائد الأسماك والثروات البحرية الأخرى. يعتقد المراقبون أن بوتين يريد أن يدخل التاريخ عبر إيجاد حل ودي مع اليابان حول هذا الخلاف المزمن كي يستميل اليابانيين إلى جانب بلاده ويستفيد من استثماراتهم. غير أن مقابل استمالة اليابانيين يتوقع أن يخسر ثقة مواطنيه الروس، خصوصا في ظل وجود تيار روسي واسع يعارض التفريط في أراضي البلاد الاستراتيجية، بل ويصف أي تنازل لليابانيين بالاستسلام. حيث أشارت استطلاعات الرأي أن نحو 78 في المائة من الروس يعارضون التخلي عن كوريل الجنوبية لليابان.
إنشرها