FINANCIAL TIMES

تفجر أزمة «هواوي» يتزامن مع سباق ريادة الجيل الخامس

تفجر أزمة «هواوي» يتزامن مع سباق ريادة الجيل الخامس

تفجر أزمة «هواوي» يتزامن مع سباق ريادة الجيل الخامس

تفجر أزمة «هواوي» يتزامن مع سباق ريادة الجيل الخامس

في طي مذكرة أمريكية بالغة السرية تم تسريبها، ويبدو أن من حررها هو مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي الأمريكي، يمكننا الكشف بالضبط عن مدى قلق الولايات المتحدة، إزاء اختراقات شركة هواوي الصينية منذ بداية هذا العام. اشتكت المذكرة الأمريكية من أن صعود الشركة الصينية لتصبح أكبر مزود لمعدات الاتصالات على نطاق العالم، يمنح الصين ميزة تقدم هائلة على الولايات المتحدة، في سباق الريادة من أجل صنع وتطوير أجهزة الجيل الخامس، أي الجيل التالي من ثورة الاتصالات الخلوية المتلاحقة.
مما جاء في المذكرة: "نحن نخسر. أمريكا تخسر. أمريكا لن تكون أولا، ما لم تكن هي من سيقود التكنولوجيا ويمتلك الحصة الأكبر في السوق لتطوير الجيل الخامس، فسيحصل على ميزة هائلة تشبه وضع أو السيطرة النسبية إن لم يكن المطلقة، على مرتفعات تماثل الجبال في مجال المعلومات" بل الاستخباراتية.
بعد مرور أحد عشر شهرا، تفاقمت تلك المخاوف في الولايات المتحدة الأمريكية، لتتحول إلى صراع معلن ومفتوح بين واشنطن وبكين، ما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى الضغط على البلدان الحليفة لمنع شركة هواوي الصينية من بناء شبكتها من الجيل الخامس، مشيرين إلى جملة من المخاوف حول الأمن القومي الأمريكي خصوصا والغربي عموما، في ظل استمرار اتهامات ومزاعم السرقات ذات الصلة بمجالات الذكاء الاصطناعي، والعلاقات غير الواضحة ما بين الشركات وأجهزة الدولة في الصين.
اعتقال مينج وانزهو، كبيرة الإداريين الماليين في شركة هواوي وابنة مؤسسها قبل أيام في كندا، ربما لا يكون سوى الجزء الأعلى الظاهر من جبل الثلج، إلا أن تسليمها المقرر إلى الولايات المتحدة، هو الذي سيؤدي إلى تفاقم هذا الخلاف. لقد بدأت عدة بلدان تجربة شبكات الجيل الخامس، على الرغم من أنه لم يتم بعد الاتفاق على المعايير الدولية الكاملة لهذا المنعطف الكبير والمهم نحو التكنولوجيا الجديدة، علاوة على يحمله من آثار عميقة، الأمر الذي يدفع البلدان إلى شعور متزايد بالخوف من أن تتخلف كلها أو أي منها، عن الركب.
الجيل الخامس ليس مجرد تطوير للرابع
قالت المذكرة الأمريكية إن الجيل الخامس "لا يعني ببساطة ’نسخة أسرع من الجيل الرابع‘"، ووصفته بدلا من ذلك بأنه "تغيير أشبه باختراع جوتنبيرج لآلة الطباعة" أو لحظة سبوتينك، في إشارة إلى اقتحام القمر الاصطناعي السوفياتي للفضاء الخارجي، ما أوجد تاريخا جديدا للبشرية في ارتياد مجاهل الكون بالعلم.
بدلا من ذلك، فإن المذكرة الأمريكية ترى أن الجيل الخامس يعني تحقيق سرعات عالية، وفجوات زمنية أقل بين الشبكة والجهاز وقدرة أكبر بكثير لنقل البيانات، أي أن النقلة ذات ثقل نوعي ونمط مغاير بما يتجاوز مجرد التحديث أو إضافة مزايا أخرى على المتاح في أجهزة الجيل الرابع، على غرار ما حدث معه عند ميلاده عقب الجيل الثالث.
هذه المزايا مجتمعة من المتوقع أن تدعم السيارات ذاتية القيادة، والذكاء الاصطناعي والاتصالات من آلة إلى أخرى التي ستحول الطريقة التي يعمل بها كل شيء من المنازل إلى المستشفيات إلى المصانع.
قبل الأزمة الحالية، كانت الصين في وضع جيد للهيمنة على هذا المجال، فبعد أن تخلفت عن الأجيال السابقة من الاتصالات الخلوية، بدأت بكين تخطط للجيل الخامس في وقت مبكر، حيث أنشأت مجموعة عمل من شركات تشغيل الهاتف الخلوي وشركات صناعة الأجهزة وشركات لتصنيع الهواتف الخلوية، في وقت مبكر يعود إلى عام 2013.
وفي الوقت الذي كانت تنشئ فيه شبكة الجيل الرابع كانت تتطلع لتوسيعها إلى الجيل الخامس، وهو الأمر الذي يتطلب كثيرا من محطات القاعدة.
كان لدى الصين نحو مليوني موقع خلوي في أوائل عام 2018، وهو ما يعادل 10 أضعاف مواقع الولايات المتحدة، وذلك وفقا لشركة ديلويت الاستشارية. هناك الآن 5.3 موقع لكل 26 كيلومترا مربعا في الصين، مقارنة بنحو 0.4 فحسب، في الولايات المتحدة.
أشار تقرير من المجموعة يوراسيا الاستشارية الشهر الماضي، إلى أن الصين ستكون لها ميزة المحرك الأول في شبكة الجيل الخامس: "لم يكرس أي بلد جهدا أكبر لإعداد الأرضية" لسحب البساط من تحت ريادتها، أو على الأقل منافستها بإيجاد ثقل مضاد أو موازن لتلك الأفضلية التي ستتحول إلى هيمنة مطلقة.

بيضة القبان لدى حلفاء أمريكا
قد يتضخم مسعى المنافسة إذا قرر حلفاء الولايات المتحدة منع شركة هواوي من المساعدة في بناء شبكاتهم من الجيل الخامس.
في المملكة المتحدة، يشكو التنفيذيون في مجال الاتصالات من أن جميع عملياتهم التجريبية في شبكة الجيل الخامس، باتت تعتمد على معدات من شركة هواوي، وأن الحظر من شأنه تأخير وصول الجيل الخامس إلى المستفيدين في عموم بريطانيا، في فترة تراوح ما بين 9 و12 شهرا.
في الوقت نفسه، بينما يحتدم الجدل شبه البيزنطي في الغرب حول استخدام أو عدم استخدام المعدات المصنوعة في الصين، للاستفادة من المعدات الصينية لبناء الشبكة التحتية لأجهزة الجيل الخامس من الجوال، فإن المشغلين في الصين يواصلون التقدم في السباق.
في ظل توقعات أن تحدث الانطلاقة الكبرى لعمليات الجيل الخامس التجارية في العام المقبل، تواصل شركات الاتصالات الصينية إنفاق المليارات على البنية التحتية، لتكون قادرة على أن تكون الأولى التي تتوافر لديها شبكات جيل خامس خالصة كاملة و"مستقلة"، بدلا من تلك المبنية على شبكات الجيل الرابع عند إبرام الاتفاق على المعايير المرعية، ضمن الصناعة العالمية.
قال فنسنت بينج، رئيس قسم أوروبا الغربية لدى شركة هواوي: "الجيل الخامس هو مجرد أساس في أحد الصناعات التقنية الرائدة. إن القارة العجوز في حاجة ماسة إلى اللحاق بالركب"، مضيفا أن هناك فجوة استثمار في أوروبا، ونقصا محتملا في شأن جاهزية جيوش العاملين في مجال التكنولوجيا.
إذا حققت الصين بالفعل شبكات جيل خامس مستقلة قبل الولايات المتحدة وبلدان غربية أخرى، ستحصل شركات التكنولوجيا الصينية على جملة من المزايا في في تطوير التطبيقات، على الرغم من أن القواعد التنظيمية الثقيلة في الصين، يمكنها أن تلعب دور الإبطاء من تسارعها إن لم يكن فرملة تقدمها بما لا يفضي إلى الخروج على تقديرات السياسة، أو تسخين الاقتصاد.
كما ستحصل شركات صناعة الهواتف الذكية الصينية على ميزة أكبر بكثير في سوقها المحلية إذا "تقدمت الصين في السباق"، بحسب قول كارولينا ميلانيزي، محللة الهواتف الخلوية في شركة كرييتيف ستراتيجيز للأبحاث، في سيليكون فالي.
وقالت: "شركتا أبل وسامسونج، على وجه الخصوص، لديهما الكثير من الأمور المعرضة للخطر عند تأسيس ذلك الجيل في الخارج، والسماح لشركات من شاكلة هواوي وأوبو وفيفو وغيرها بالسيطرة على السوق الصينية القيمة للغاية".
على أن تطوير نماذج أعمال الجيل الخامس "قد يظل أعمالا قيد التطوير لأعوام"، كما قال بول لي، رئيس أبحاث الاتصالات في ديلويت.
بيد أنه أضاف أن الصين ستكون متقدمة في تحسين التطبيقات، خاصة بسبب مجموعتها الهائلة من البيانات. وقال إن "الصين لديها الكثير من أكبر قواعد المستهلكين الرقميين في أي مكان في العالم"، واصفا هذا بأنها "مستنبتات استزراع" لتطوير الجيل الخامس.
في الوقت نفسه، فإن متاعب شركة هواوي وشركة المعدات الصينية الأخرى زد تي إي ZTE تشير إلى أن أي فتح محتمل في السوق، سيعني دخول شركات تزويد الجيل الخامس الأخرى في التعاون مع بعضها بعضا.
في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أعلنت كل من شركتي سامسونج وإن إي سي أنهما ستقومان معا بتطوير محطات قواعد للجيل الخامس. كما أعلنت شركة إريكسون عن تعاون مع شركة فوجيتسو، في الخصوص نفسه.
إذا التزمت الولايات المتحدة بتحدي جهود الجيل الخامس في الصين، يمكن أن تقرر الآن منع شركات التوريد الأمريكية من العمل مع شركة هواوي.
هذا الخيار سيكون "إجراء متطرفا تماما" وذلك وفقا لشخصية بارزة داخل قطاع الاتصالات، ويمكن أن يؤدي إلى إيقاف مفاجئ لأعمال التطوير. قال إديسون لي، محلل الاتصالات في وكالة جيفريز: "إذا لم تتمكن الصين من ترخيص نظام الأندرويد من شركة جوجل، أو براءات اختراع من شركة كوالكوم في تقنية الوصول إلى راديو الجيل الرابع والجيل الخامس، فلن تتمكن من بناء الهواتف الذكية أو محطات الجيل الرابع / الجيل الخامس". وأضاف شركة بينج أن 33 من شركات التوريد الأساسية البالغة 92 التي تتعامل معها شركة هواوي هي شركات أمريكية، ما يدل على ضعفها تجاه أي حظر.
مع ذلك، أضافت مجموعة يوراسيا إلى ذلك أن اتخاذ مثل هذا الإجراء ينطوي على الخطر المتمثل في أن الصين قد تقرر الانفصال عن المعايير الدولية في هذه الصناعة، ولربما تعمل على إنشاء نظامين منفصلين "من المحتمل أن لا يكونا قابلين للتشغيل فيما بينهما".
هذا يمكن أن يضطر الشركات والبلدان إلى اختيار أي النظامين الذي تريد أن تتبناه. وقالت ميلانيزي: "هناك بالتأكيد خطر أننا سوف نرى سوقا مجزأة للجيل الخامس".
في الوقت نفسه، ترجو البلدان الأخرى في أن أي تأخير في نشر الجيل الخامس لديها لن يكلفها مبالغ طائلة فوق الحد.
وليم ويب، الرئيس السابق للأبحاث لدى مكتب الاتصالات البريطاني أوفكوم ورئيس معهد الهندسة والتكنولوجيا، لاحظ أن المملكة المتحدة كانت بطيئة في إطلاق الجيل الرابع، لكنها استطاعت اللحاق بسرعة.
ويجادل كذلك بأن الابتكار في شبكات الجيل الخامس ربما يأتي من خارج قطاع الاتصالات، في الوقت الذي تعمل فيه المعامل والصناعات على تطوير تقنيات الشبكات.
وقال: "ربما تعمل الصين على إنشاء معادل لطائرة الكونكورد، تتسم بأنه أسرع، لكنها ليست هدفا جديرا بالاعتبار، في نطاق الصناعة".

الجيل الخامس .. مخاطر أمنية جديدة
ستيفان ريشار، الرئيس التنفيذي لشركة أورانج، كان آخر الرؤساء في قطاع الاتصالات الذي ينقلب تماما في موقفه.
أثناء كشفه النقاب عن خطط لاختبار شبكة الجيل الخامس في 17 مدينة أوروبية خلال العام المقبل، قال إن شركة أورانج لن تستخدم معدات هواوي في فرنسا لشبكة الجيل الخامس.
وكانت الشركتان، قد وافقتا في العام الماضي على "استكشاف إمكانات شبكات الجيل الخامس معا" وإعداد الشبكة الفرنسية للتحول إلى العمل وفقا لتقنيات الجيل الخامس.
شركة هواوي وشركة صناعة المعدات الأخرى زد تي إي ZTE دائما ما كانتا مستبعدتين إلى حد كبير من الولايات المتحدة، لكنهما كانتا خيارات شائعة للمشغلين في أوروبا وآسيا وإفريقيا خلال عصر الجيل الثالث والجيل الرابع.
التحول إلى الجيل الخامس زاد من عدم الارتياح الموجود منذ فترة طويلة بشأن المخاطر الأمنية من استخدام معدات من الشركات الصينية. قال جون ديلاني المحلل في وكالة إي دي سي IDC: "الجيل الخامس مختلف عن الأجيال الأخرى".
سيعمل النشر الأولي لشبكة الجيل الخامس على تحسين خدمات النطاق العريض الخلوية للمستهلكين.
كما أن الموجة الثانية من الجيل نفسه سيكون لها تأثير أكثر أهمية عندما تؤدي إلى تخفيضات في زمن استجابة الشبكة – الفارق بين إرسال الإشارة واستقبالها. هذا قد يكون له أثر عجيب على الأتمتة الصناعية.
بنية الجيل الخامس ستدفع المزيد من الذكاء إلى حافة الشبكة. معدات شركة هواوي تم الاحتفاظ بها إلى حد كبير على مستوى شبكة وصول الراديو – الصواري والمعدات التي تبث الإشارات – لكن التحول إلى الجيل الخامس يعني أن المزيد من البيانات سيتم دفعها نحو الحافة من "مركز" الشبكة.
هذا لا يحدث تغييرا يذكر بالنسبة لمهندسي الاتصالات الذين يجادلون بأن كل ما عليهم هو نقل حدود الاستبعاد للمعدات الصينية أكثر إلى الخارج، فحسب، إلا أن هذا لم ينجح بحال في تخفيف المخاوف من ذلك التطور، في الدوائر الأمنية والسياسية.
الإمكانات الصناعية للجيل الخامس تعني أن المخاطر أعلى من حيث الأمن. إذا اعتمدت كامل المدن والصناعات على توصيل الجيل الخامس عندها، فإن تأثير أي هجوم سيكون حاسما، وذلك وفقا لمسؤولين في مجال الأمن.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES