Author

الآثار الجانبية لوفرة مورد طبيعي

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
في أواخر عام 1973، ارتفعت أسعار عائدات النفط ارتفاعا عظيما. وزادت إيرادات الدول النفطية مرات ومرات خلال حقبة السبعينيات من القرن الميلادي الماضي. تغير الوضع في العقد التالي - عقد الثمانينيات - فانخفضت أسعار وإيرادات النفط كثيرا، ثم عادت الإيرادات إلى الارتفاع مطلع القرن الحالي. بسبب وفرة الموارد الطبيعية مثل النفط، يتوافر المال لتنفيذ المشاريع، وتوفير الخدمات الحكومية، ويتحسن مستوى معيشة السكان، لكن هذا جزء من الصورة، والجزء الآخر أن تصدير الموارد الطبيعية يجلب مالا وفيرا بسهولة. وسهولة الحصول على المال تغري بسهولة الإنفاق، بدلا من استغلاله الاستغلال الأمثل. ومع الوقت يصبح الاقتصاد مدمنا - إلى حد كبير - المال المتحصل من صادرات الموارد الطبيعية. ودلت الشواهد على أن هذا التركيز في الصادرات ينشأ معه، ويرتبط به ضعف إدارة وأداء المؤسسات العامة. ودلت عديد من الدراسات التي استخدمت البيانات المقطعية والسلاسل الزمنية على وجود علاقة بين البنية المؤسسية والنمو الاقتصادي، أساسه وجود ارتباط طردي بين ضعف المؤسسات العامة وتباطؤ النمو الاقتصادي. كما أظهرت هذه الدراسات، أن وتيرة التنمية الاقتصادية عموما أعلى في بعض الدول - إلى حد كبير -؛ نظرا لطبيعة البنية المؤسسية، التي تركز على المحافظة على القانون والانضباط والنظام الصارم المطبق بنزاهة، وحماية الملكية الخاصة. والحكومات في هذه البلدان قد ركزت على تطوير قاعدة صناعية واسعة النطاق، مع إيلاء الاهتمام الواجب لتطوير البنية التحتية الملائمة لتطوير الصناعة والتجارة. وهناك مؤسسات وقوى السوق الحرة، التي تعمل داخل هذه البلدان تحت قانون متطور يجد الاحترام، ما يساعد على تيسير النمو الاقتصادي. وهناك عدد كبير من الباحثين الذين درسوا الاقتصاد السياسي للاقتصادات ذات الموارد الطبيعية الغنية، وانتهوا إلى أن الأدلة التطبيقية تشير إلى أن البلدان ذات الاعتماد على صادرات الموارد الأولية لديها سجلات في ضعف النمو، ولديها مشكلات في نوعية المؤسسات وسيادة القانون. ويشير أولئك الباحثون أيضا إلى أن هذه الاقتصادات الغنية بمواردها الطبيعية تميل إلى إنفاق متساهل تقل فيه الحكمة، مقرونا بانخفاض معدلات الادخار. وفي هذا النطاق، أثيرت مسألة: لماذا حققت بعض الدول الغنية بالموارد الطبيعية، مثل كندا وأستراليا والنرويج أداء جيدا من حيث النمو الاقتصادي مقارنة باقتصادات أخرى ذات موارد غنية، لكنها لم تكن قادرة على تحقيق أداء جيد. يجادل البعض في أن من أسباب هذا التراجع في النمو الاقتصادي، أن وفرة رأس المال الطبيعي تميل إلى مزاحمة الاستثمارات في رأس المال البشري، ومن ثم تتأثر التنمية الاقتصادية سلبا بهذه المزاحمة، ويظنون أن المملكة تعاني هذه الظاهرة. فمثلا، يحقق كثير من الناس دخولا عالية من غير العمل، وهذا بدوره يقلل من الاهتمام بجودة التعليم، ويقلل أهمية الحصول على مهارات أعلى لازمة لتحقيق النمو الاقتصادي، وهذا بدوره يزيد من خفض نوعية التعليم. أيضا، قد ينتج عن توافر الثروات النفطية الهائلة عدم كفاية تحسين الكفاءة البيروقراطية وسياسات النمو الاقتصادي وأسلوب الإدارة. ماذا بشأن بلادنا؟ لا شك أن المملكة بذلت خلال العقود الماضية جهودا لتعزيز التحسينات التكنولوجية، واستكشاف وتطوير سبل جديدة وصناعات، يمكن أن تساعد على دعم الاقتصاد، وتقليل اعتماده على صادرات النفط الخام، لكن المؤشرات دلت على أن تلك الجهود لم تكن كافية. قيض الله لهذه البلاد قيادة أدركت ما نحن فيه مما يسمى إدمان النفط، وتبعات هذا الإدمان. وطرحت رؤية طموحة لإصلاح وتطوير الاقتصاد. تتكون "الرؤية" من برامج عديدة، ذات أهمية استراتيجية لتحقيق "رؤية المملكة 2030"، التي أقرها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في 18 رجب 1437هـ. تلك "الرؤية" وبرامجها طموحة، لا شك في ذلك. وأختم بالإشارة إلى أن تحقيق برامج "الرؤية" يعتمد - من ضمن ما يعتمد - على زيادة إنتاجية أفراد المجتمع، وزيادة الإنتاجية تتطلب تغيير سلوكيات كانت موجودة من قبل، أو تغلغلت في المجتمع مع الإدمان النفطي، لكنها لا تناسب متطلبات بناء اقتصاد متطور. ندعوه سبحانه أن يكلل جهود "الرؤية" بالنجاح والتوفيق.
إنشرها