FINANCIAL TIMES

مديرو الأصول الأجنبية يتطلعون إلى مدخرات الصينيين الهائلة

مديرو الأصول الأجنبية يتطلعون إلى مدخرات الصينيين الهائلة

مديرو الأصول الأجنبية يتطلعون إلى مدخرات الصينيين الهائلة

عندما تتعرض الأسواق الصينية لحالة ركود، غالبا ما توعز سلطات الدعاية إلى وسائل الإعلام الرسمية بأن تستنهض مشاعر المستثمرين. كذلك كان الأمر في آب (أغسطس)، عندما أعلنت صحيفة "سيكيورتيز تايمز" المختصة بالأوراق المالية في الصين أن المستثمرين الدوليين كانوا "يسعون وراء الصفقات الرخيصة" في سوق الأسهم في الصين.
المقال الذي نشر على الصفحة الأولى كان مجاملة خفية للتدليل على الاحترام الذي يوليه كثير من المستثمرين الصينيين لمديري الصناديق الأجنبية.
هذا الجو من الخبرة والمكانة ربما يكون أعظم ثروة يمتلكها مديرو الصناديق الأجنبية وهم يسعون إلى الفوز بشريحة مما يتوقع أن تصبح ثاني أكبر سوق استثمارية في العالم - بعد الولايات المتحدة فقط - في غضون عامين.
مع المعاناة التي تتعرض لها صناعة إدارة الاستثمار العالمية التي تتمثل في نوبة وجودية وشيكة من القلق بسبب ظهور صناديق سلبية رخيصة، يرى بعضهم في الصين الآن البلسم المحتمل لعلتهم.
في وقت تظهر فيه كل من واشنطن وبكين كأنهما عالقتان في حرب تجارية، فإن الفتح المحتمل لسوق الاستثمار الصينية أمام مديري الاستثمار الأمريكيين والمديرين الآخرين هو أحد المجالات القليلة التي يحاول فيها أكبر اقتصادين في العالم بناء روابط أوثق.
الطبقة المتوسطة الآخذة في التوسع بشكل سريع في الصين تدخر مبالغ مذهلة تفوق حد التصور. وشبكة الأمان الاجتماعي الضئيلة تجعل من المحتم توفير المال لغايات الشيخوخة أو التعليم أو الرعاية الصحية. نتيجة لذلك، تضاعفت قيمة الودائع المصرفية الإجمالية أو الاستثمارات أو منتجات التأمين على مدى السنوات الخمس الماضية لتصل إلى 19 تريليون دولار في نهاية عام 2017، وستزداد لتصل إلى 23.8 تريليون دولار في نهاية العام المقبل، بحسب ما يقول مصرف مورجان ستانلي.
ما يسبب الإحباط في وول ستريت هو أن الحكومة الصينية تعمل منذ وقت طويل على تقييد إمكانية وصول الأجانب إلى هذا الكم الهائل من المال، مع اقتصار المجموعات الأجنبية على حصص أقلية في شركات إدارة الأموال المشتركة المحلية. من ناحية أخرى، عملت ضوابط رأس المال على الحد من قدرة كل من مستثمري التجزئة والمستثمرين المؤسسيين في استثمار المال مع شركات إدارة الأصول الخارجية.
لكن بعد اتخاذ عدة خطوات صغيرة أعلنت بكين في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 أن المجموعات الأجنبية يمكنها امتلاك حصص أغلبية في شركات إدارة الأموال المشتركة المحلية - تماما في الوقت الذي تزداد فيه حدة التهديدات الأمريكية بفرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية. كذلك وعدت الصين بالسماح بالملكية الأجنبية التامة في غضون ثلاث سنوات.
نظرا لإمكانات شركات إدارة الأموال المشتركة للمستثمرين الصينيين، عمل هذا على إطلاق موجة من الإثارة عبر صناعة إدارة الأصول.
يقول بوب برِنس، كبير الإداريين الاستثماريين المشارك في بريدجووتر، صندوق تحوط عمل أخيرا على إطلاق صندوق في البر الصيني "انفتحت الصين حديثا فقط، وتمت الاستفادة من جزء بسيط جدا من إمكاناتها. إن لم يكن المستثمرون العالميون يفكرون في هذا الموضوع اليوم، فحينها سيصبحون بشكل سريع خلف المنحنى".
يتوقع مصرف يو بي إس أن الرسوم السنوية لإدارة صناديق الاستثمار الصينية المشتركة ستتضاعف خمس مرات لتصل إلى 42 مليار دولار بحلول عام 2025- وهو احتمال محفز لشركات الاستثمار التي تواجه ضغوطا متزايدة من الرسوم وارتفاع التكاليف في أماكن أخرى. جرة الرسوم التي تصل إلى 42 مليار دولار تمثل ما يقارب ثلثي إجمالي الإيرادات التي تحققت في عام 2017 لدى إدارات الأصول الأمريكية المدرجة - أو أكثر من إجمالي إيرادات "فيديليتي" و"بلاك روك" مجتمعتين.
في رسالته السنوية الموجهة إلى المستثمرين هذا العام، لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، حدد الصين على أنها واحدة من أكبر الفرص طويلة الأجل أمام شركات إدارة الأصول. يقول فينك "ليست هناك شبكة أمان، بالتالي هم على الأرجح يدخرون أموالا أكثر من أي بلد آخر في العالم".
وفقا لتنفيذيين آخرين في إدارة الأصول، تتدافع كثير من الجهات ذات الوزن الثقيل في الصناعة الآن للتوصل إلى استراتيجية أكثر طموحا تخص الصين. ومع ذلك يؤكدون أن القدرة على دخول الصين والاستفادة منها ستكون عملية مرهقة وشاقة وطويلة.
هناك أيضا الخطر المتمثل في أن ينتهي بها المطاف أن تكون حفرة للشركات الأجنبية التي تصب فيها الوقت والموارد، لكن دون تحقيق مردود مناسب مقابل الجهود التي تبذلها. يتفاقم هذا الخطر بسبب النزاع التجاري الدائر بين الصين والولايات المتحدة.
علينا ألا ننسى أن بكين تفتح الباب أمام الأجانب لأسباب خاصة بها: فهي تريد ترويض الأسواق الجامحة لديها والمساعدة في تطوير إدارة أصول محلية. لكن الحكومة من غير المحتمل أن تقبل بهيمنة الشركات الأجنبية على السوق. تاريخ الشركات الأجنبية في الصين مليء بشركات لم تكن توقعاتها وآمالها العريضة وشيكة التحقق قط. يقول جين رابي، الرئيس التنفيذي لـ "ناتيكسيس" لإدارة الاستثمارات "ظن المشاركون غير الصينيين في كثير من الصناعات أن السوق المحلية الصينية ستكون مثل حمى الذهب في كندا بالنسبة إليهم، ثم كانت النتيجة فقط أن أصبحت الشركات الصينية المحلية هي المهيمنة".
هذا الصيف، بدأ مصرف يو بي إس في تسريح أكثر من 100 موظف من فرع إدارة الأصول لديه، الذي يتولى إدارة 800 مليار دولار، بما في ذلك 30 وظيفة في الولايات المتحدة - تاريخيا أكبر سوق في هذه الصناعة. لكن في دلالة على ظروف الوقت الحاضر، فإن فرع البنك في الصين بقي على حاله.
تظل الولايات المتحدة أكبر سوق استثمارية، حيث تستأثر بنحو نصف قيمة الأصول العالمية قيد الإدارة التي تبلغ قيمتها 50 تريليون دولار أو نحو ذلك، وفقا للفرع الدولي لمعهد شركات الاستثمار، وهو هيئة للصناعة. لكن الرسوم التي تستطيع صناديق إدارة الأصول فرضها تعرضت لضغوط بعد أن عمل المستثمرون على تحويل مئات المليارات من الدولارات إلى صناديق رخيصة تتعقب المؤشرات. في الوقت نفسه، واصلت تكلفة الاستثمارات الضرورية في مجال الامتثال والأمن والتكنولوجيا الجديدة ارتفاعها.
في ظل هذه البيئة، تتسبب إمكانية الاستفادة من مدخرات الصين الضخمة في إثارة حماس ملموس. رفض رينيه بويلمان، رئيس العمليات التشغيلية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى "يو بي إس" لإدارة الأصول، التعليق على تسريح العاملين، لكنه يقول "إن الصين أولوية، هناك سوق محلية هائلة آخذة في التطور. والتقدم كان رائعا، بالنظر إلى حجم السوق".
تقدر شركة أوليفر وايمان أن الأصول قيد الإدارة لدى شركات الصناديق الصينية ستنمو بنسبة 10 في المائة سنويا، من نحو 7.4 تريليون دولار حاليا إلى نحو 14 تريليون دولار بحلول عام 2023، عندما ستشكل 15 في المائة من صناعة إدارة الأصول العالمية. في الوقت نفسه، من المحتمل أن يتعرض هيكل القطاع المحلي لتغيير جذري.
حاليا يتكون نحو ثلثي القطاع من صناديق مشتركة ذات هامش ربح منخفض – "يو إي باو"، الصندوق الإلكتروني الذي يدار من قبل الفرع المالي لشركة علي بابا "آنت فاينانشيال"، هو أكبر صندوق مشترك في العالم - ومنتجات إدارة الثروات التي يتم توزيعها من قبل مصارف محلية وشركات استثمارية.
منتجات الثروة تزيد على نحو لا يستهان به على نصف الأموال قيد الإدارة التي تبلغ 19 تريليون دولار في شركات الاستثمار والمصارف وشركات التأمين وشركات الائتمان. لكنها منتجات ذات هيكلة مالية محفوفة بالمخاطر وتتنكر على شكل ودائع ذات عائدات مرتفعة. يحصل المستثمرون على عائدات شبه مضمونة من المصرف، الذي بدوره يستخدم هذه الأموال لتقديم قروض خطرة خارج الدفاتر للالتفاف على متطلبات كفاية رأس المال.
لكن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كشفت الجهات التنظيمية النقاب عن قواعد جديدة – حين يتم تنفيذها بشكل كامل بحلول نهاية العام 2020 - ستحظر تلك المنتجات شبه المضمونة وسط مخاوف تحيط بتوقعات مفادها أن المصارف المملوكة للدولة من شأنها أن تعمل دائما على حماية المستثمرين من التعرض للخسائر. بدلا من ذلك سيتعين عليهم هيكلة منتجات إدارة الثروات مثل صناديق الأموال المشتركة التي يتم تمييزها يوميا في السوق استنادا إلى التغيرات في قيمة أصولها الأساسية، وبالتالي يتم التخلص من وهم الأرباح المضمونة.
سحب العائدات المضمونة على منتجات إدارة الثروات لدى المصارف التجارية سيعمل على التقليل من جاذبيتها، ما يسمح لمديري الصناديق بالتنافس مع المصارف على قدم المساواة. بالتالي تتوقع شركة أوليفر وايمان أن تشكل منتجات إدارة الأصول "التقليدية" بحلول عام 2023 نصف قيمة صناعة الاستثمار المحلية التي تبلغ قيمتها 14 تريليون دولار.
يقول أحد التنفيذيين في شركة لإدارة الأصول "منتجات إدارة الثروات هي فوضى خاضعة للسيطرة. لكن السلطات تعرف ما يجري، إنه ليس سرا، وترغب الأجهزة المنظمة في إبعاد الناس عنها بالتدريج".
وعلى الرغم من أن سنوات من الشكاوى حول عوائق الدخول ساعدت على دفع الإجراءات الأخيرة، إلا أن بكين تريد أيضا من مجموعات الاستثمار الأجنبية أن تساعد على ترويض أسواقها المالية التي يهيمن عليها الأفراد المدفوعون بالزخم وترعى صناعة مؤسسية لإدارة الأصول. في كانون الثاني (يناير) 2017، أصبحت "فيديليتي إنترناشونال" أول مجموعة مملوكة للأجانب بالكامل تسجل نفسها في جمعية الصناعة الصينية الخاضعة لسيطرة الدولة باعتبارها "شركة خاصة لإدارة الصناديق"، حيث سُمح لشركة فيديليتي بالبدء في بيع منتجات الصناديق للمستثمرين المؤهلين.
يقول جاكسون لي، رئيس شركة فيدليتي في الصين، "إن التزام الشركة تجاه الصين - خاصة مكاتب المساندة التي تضم 500 موظف في داليان - ربما أسهمت في اختيار فيدليتي باعتبارها أول مجموعة أجنبية تفوز برخصة صندوق خاص. لكن على عكس كثير من المنافسين، قررت شركة فيديليتي عدم الدخول في مشروع مشترك لصناديق الأموال المشتركة.
وبحسب لي، "يتم تشغيل معظم المشاريع المشتركة بطريقة محلية جدا. لا توجد فعلا أي مشاركة للمعلومات اليومية والأبحاث وأفضل الممارسات. تشارك الشركة الأجنبية بشكل رئيسي على مستوى مجلس الإدارة، وليس في العمليات اليومية".
أدى تحرّك "فيديليتي" إلى إشعال حماسة شركات أخرى غير متأكدة بشأن الاستثمار في الصين، بحسب بيتر ألكساندر، العضو المنتدب في Z-Ben ، وهي شركة استشارية تقدم المشورة لشركات إدارة الأصول الأجنبية في الصين. بحلول أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، كان 15 من أكبر 50 شركة لإدارة الأصول من حيث الأصول الخاضعة للإدارة في العالم قد أنشأت كيانات صناديق خاصة مملوكة بالكامل، وفقا لبيانات Z-Ben. من بينها ستة أصدرت الآن منتجاتها الأولى.
في نيسان (أبريل)، تابعت الجهة الرقابية المسؤولة عن الأوراق المالية وعد الحكومة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، حيث أصدرت قواعد مفصلة تسمح للمجموعات الأجنبية بالتقدم للحصول على حصص تصل إلى 51 في المائة في صناديق الاستثمار المشترك.
لكن يغلب على ظن المطلعين على شؤون الصناعة أن الوضع التجاري المشوش بين الصين والولايات المتحدة ربما يعمل على تأخير طلبات أمريكية. قالت "جيه بي مورجان لإدارة الأصول"، "إنها تريد زيادة حصتها في مشروعها المشترك طويل الأمد لصندوق المال مع شركة شنغهاي إنترناشونال ترست، لكنها لا تزال تجري مناقشات في هذا الصدد". يقول تنفيذيون أجانب "إن الصين تجرجر أذيالها بشكل روتيني من حيث إعطاء الموافقات على المشاريع المهمة، أو تستخدمها أوراق مساومة دبلوماسية، حتى عندما تفي الشركات بالمتطلبات ذات الصلة". يقول متحدث باسم "جيه بي مورجان" لإدارة الأصول "إن الشركة لا تزال ملتزمة بتوسيع وجودها في داخل الصين، وإن المحادثات تتقدم".
يقول عدد من التنفيذيين في المصارف الأجنبية "إن بإمكان بكين أن تؤخر أو تمنع الموافقات على زيادة الحصص في كل من شركات إدارة الصناديق ومشروعات الأوراق المالية المشتركة نتيجة للحرب التجارية".
ويشك بعض مراقبي الصناعة في أن أعمال الصناديق الخاصة يمكن أن تحقق أرباحا كبيرة، ولكن بدلا من ذلك يجب اعتبارها نقطة انطلاق نحو الحصول على ترخيص للصناديق المشتركة يسمح ببيع المنتجات إلى المجموعة الكاملة من المستثمرين الأفراد في الصين.
يقول ريان ستورك، من شركة بلاك روك في منطقة آسيا والمحيط الهادي "ليس نطاقها كبيرا مثل مجتمع عملاء الصناديق المشتركة، لكن هذا يوفر لنا فرصة للبدء في بناء علاقتنا مع شركاء التوزيع المحليين وإجراء محادثات مع المستشارين المحليين وعملائهم النهائيين". ويضيف أن "بلاك روك" ستطلب في نهاية المطاف سيطرة الأغلبية على شركة صناديق الاستثمار المشتركة، لكنه يعترف بأن "الرحلة نحو ملكية الأغلبية ستستغرق بعض الوقت".
لا يزال من غير المؤكد مقدار الحصة التي ستحظى بها شركات إدارة الأصول الأجنبية في السوق المحلية. بعض المجموعات تشعر بالقلق من أنه في حين إن حجم الصين الضخم يسيل له اللعاب، إلا أنها مزدحمة وانعزالية فوق الحد على نحو يجعل من غير الممكن أن تكون فرصة واقعية للاعبين الأجانب في المستقبل المنظور.
يقول مسؤول تنفيذي في شركة أمريكية لإدارة الصناديق تستثمر أموال العملاء غير الصينيين في الصين، لكنها لا تسعى إلى دخول السوق المحلية "لا أرى أين لدينا ميزة مقارنة لإدارة الأموال في السوق المحلية. ما الذي يجعل مستثمرا محليا يثق بأن شخصا أجنبيا يمكن أن يفهم سوق الأسهم في شينزن؟ هذا ليس منطقيا".
على الرغم من استراتيجياتها المختلفة، تتفق شركات إدارة الصناديق الأجنبية على أن النجاح في الصين يتطلب كثيرا من الصبر.
يقول مين يانج، رئيس قسم الصين التابع لصندوق التحوط "وينتون جروب"، "قد يبدو الأمر وكأنه مبتذل، لكن عليك أولا أن تتوخى الحذر حين يكون أمامك خيار معين. السوق الصينية لها وضعها الخاص. التغييرات سريعة وغاضبة، لذلك عليك إجراء التحضير والدراسة اللازمين والعمل مع الأشخاص الذين يشاركونك أفقا زمنيا مشابها".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES