FINANCIAL TIMES

المخرج الأخير أمام تيريزا ماي

المخرج الأخير أمام تيريزا ماي

تيريزا ماي تظل رئيسة وزراء المملكة المتحدة. فشل القوميون الإنجليز في حزب المحافظين في جهودهم المبذولة للسيطرة على "خروج بريطانيا". لم يتغير أي شيء آخر. الحقائق الصعبة لأي اتفاق مع بروكسل لم تتغير. كذلك أيضا حسابات مجلس العموم التي تؤدي إلى الشلل. "خروج بريطانيا" نشر سما قاتلا في سياسة البلاد. لا تزال هناك طريق لخروج منظم من الاتحاد الأوروبي. ولا توجد أي علامة حتى الآن على أن ماي ستسلك هذه الطريق.
الطريقة التي يتم بها التفكير في فوز ماي هي كيفية تأجيل الكارثة، بدلا من تجنبها. الساعة تدق طوال هذه الفترة. حكومات أوروبية أخرى تواصل الإصرار على أن رئيسة الوزراء تستطيع إعادة فتح اتفاقية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فقط إذا أعادت رسم خطوطها الحمراء ضد استمرار العضوية في الاتحاد الجمركي وحرية تنقل العمال.
ماذا بعد ذلك؟ يقول المقربون منها "إن ماي ستمضي قدما بغض النظر عن كل ذلك". بحلول كانون الثاني (يناير) سيكون الجميع متوترين، بمن فيهم أعضاء البرلمان المتمردون. سيبدأ الناخبون بتخزين الحاجيات الضرورية. وستشرع الأسواق في بيع الجنيه الاسترليني. وستؤمن رئيسة الوزراء ضمانات قانونية من بروكسل حول ما يسمى ترتيبات الجدار الاستنادي للحدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا. وبطريقة مفاجئة سيتحول الرصاص إلى ذهب. أحيانا في السياسة تتحول الإدانة إلى وهم.
نواب البرلمان الذين يقفون في الوسط، من العمال والمحافظين، يتساءلون حتى إلى هذا الوقت المتأخر، عما إذا كان في مقدرو البرلمان أن ينتج بطريقة ما اتفاقية تمنح المملكة المتحدة وضعا مماثلا للنرويج من شأنه أن يجتذب دعم جميع الأحزاب. كيف؟ هل سيساعد على إيقاف عقارب الساعة بشأن المادة 50؟ أخذ التأخير يبدو كأنه أمر محتوم. هل إجراء انتخابات عامة سيحل المشكلة الصعبة؟
من وجهة نظري، تقلصت الخيارات إلى خيارين. أحدهما هو الفوضى على حافة الجرف التي يسعى إليها أنصار خروج بريطانيا الميالون إلى المخاطرة. يجب على بريطانيا ببساطة الخروج من سجنها الأوروبي. حين تقول إن هذا قد يكون كارثة اقتصادية ستجد أمثال بوريس جونسون ببساطة يسدون آذانهم ويدندنون النشيد الوطني. "فلتذهب الأعمال إلى الجحيم"، كما يحب أن يقول وزير الخارجية السابق. الخيار الآخر هو منح الناخبين استفتاء ثانيا.
العزاء الوحيد الذي يمكن استخلاصه من آخر اقتتال داخلي بين المحافظين هو أن بريطانيا نجت من عار مشاهدة جونسون يخطو عابرا عتبة 10 داوننج ستريت. لكن طموحه المهووس لا يقهر. وفقا لآراء ناشطي حزب المحافظين، فقد انقضت الأيام التي كان فيها السجل الذي لا مثيل له في الرداءة وخيانة الأمانة يؤدي إلى إقصاء المرشح عن المنصب الرفيع.
الحقيقة الأساسية هي أنه على الرغم من كل الضوضاء، لم يتغير شيء في السياسات الخاصة بـ "خروج بريطانيا" منذ حزيران (يونيو) 2016. قرر الناخبون بهامش ضئيل مغادرة الاتحاد الأوروبي. تصادم قرارهم مع قرار معظم النواب. ما رأيناه منذ ذلك الحين هو رقص سياسي دائم حول العواقب.
المؤيدون للبقاء سابقاً - أبرزهم ماي - وعدوا بـ "إنجاح" مشروع يعرفون أنه لن ينتهي إلا بالفشل. القوميون الإنجليز - "المتطرفون"، وهو الوصف الذي يطلقه الآن فيليب هاموند، وزير المالية، على جونسون ورفاقه - استمروا في خيالهم الكاذب بأن بريطانيا لا تزال قادرة على حكم العالم.
أصبحت قضية خروج بريطانيا ملكية خاصة لحزب المحافظين. اسكتلندا، وهي أمة صوتت بأغلبية ساحقة من أجل البقاء، تتعرض للتجاهل. تم تهميش تصويت إيرلندا الشمالية المؤيدة لأوروبا عن طريق اتفاق مجلس العموم التابع لماي مع الحزب الوحدوي الديمقراطي القديم في المحافظة. لم يتم رسم الخطوط الحمراء لرئيسة الوزراء لتكون إطارا لاستراتيجية تفاوضية متماسكة، لكن لهدف سياسي يتمثل في تعزيز أوراق اعتمادها لدى أنصار "خروج بريطانيا".
ما جعل اتفاقية ماي مع الاتحاد الأوروبي فاشلة منذ البداية هو أنها، بصورة حتمية، فجرت ادعاءات أنصار "خروج بريطانيا". كل شيء واضح، هناك فروق بينة بين الصواب والخطأ. إذا استعادت بريطانيا السيادة، فعليها أن تدفع ثمنا اقتصاديا كبيرا. للتخفيف من التكلفة، يتعين عليها الاستمرار في تقاسم بعض سيادتها.
وجود معارضة نصف لائقة كان من الممكن أن يؤدي إلى محاسبة المحافظين قبل فترة طويلة من الآن. استطلاعات الرأي كانت ستضع مثل هذه المعارضة 20 أو 30 نقطة في المقدمة. لكن حزب العمال يعاني سوء الحظ بما أنه بقيادة جيريمي كوربين، كونه شخصية سياسية شعبوية غير مهذبه مثل جونسون. لطالما كان كوربين اليساري المتطرف معاديا للاتحاد الأوروبي. أعضاء حزبه في البرلمان مؤيدون لأوروبا بشكل ساحق. لكن القبلية ذات الطراز القديم، والافتقار إلى الشجاعة، واهتمامات الدائرة الانتخابية المحدودة جعلتهم يسيرون مع القائد.
أفضل تفسير سمعته عن استعداد ماي لتحمل الإهانات والإذلال اللذين عانتهما هو أنها تعتقد أن لديها فرصة واحدة أخيرة لميراث متوسط المستوى. إنها تريد أن يتم تذكرها على أنها رئيسة الوزراء التي أشرفت على خروج بريطاني منظم. ما لم تفهمه بعد هو أن حزبها، من نفسه، لن يقدم لها جائزة.
عندما جعل إدوارد هيث بريطانيا داخل الجماعة الاقتصادية الأوروبية، واجه رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وكان من حزب المحافظين، معارضة شديدة من القوميين الإنجليز في الحزب. لكنه فاز من خلال إفساح المجال لعشرات الأصوات من نواب حزب العمال الذين كانوا على استعداد للانفصال عن قائدهم.
تحتاج ماي إلى تكرار الحيلة نفسها لتأمين اتفاقية مغادرة نصف معقولة. الصفقة الحالية لن تؤدي المطلوب. إضافة عضوية الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي ربما تؤدي الغرض. لكن السبيل الأكيد لكسر الجمود هو أن تتحدث ماي باسم الأمة بدلا من اسم حزبها. يجب أن تضع إرثها في أيدي الناس.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES