FINANCIAL TIMES

المستثمرون يتساءلون: السوق الهابطة بدأت أم ليس بعد؟

المستثمرون يتساءلون: السوق الهابطة بدأت أم ليس بعد؟

مثل العين البشرية، يمكن للأسواق أن تركز باهتمام على شيء ما عن قرب وأن تنظر بشكل جيد إلى شيء بعيد أيضا. أسبوع آخر مضطرب للأسواق المالية تم تحديده من قِبل سندات الخزانة الأمريكية والسندات السيادية العالمية التي تُقدم بيانا قويا عن العام المقبل.
في الوقت الذي تقدم فيه المصارف وشركات الاستثمار توقعات مطولة لعام 2019، لم ينتظر بعض المستثمرين وصول كانون الثاني (يناير) للاستعداد لبيئة يتباطأ فيها النمو الاقتصادي العالمي وتنتج فيها الضغوط عن دورة متأخرة بشكل واضح. الانخفاض الأخير الواضح في عوائد السندات الأمريكية لأجل 30 عاما وتراجع "وول ستريت"، كانا دليلا على استسلام بعض المستثمرين، الذين خفضوا مخصصاتهم من الأسهم والائتمان لمصلحة السندات الحكومية.
لم يكن من المتوقع حدوث هذا النوع من التدوير قبل مرور فترة لا بأس بها من العام المقبل، ما يعد دلالة على التمحور النهائي للاحتياطي الفيدرالي نحو التوقف مؤقتا عن دورة التشديد. هناك احتمال كبير لأن تكون سوق السندات قد تعجلت هنا، لكن الشراء في فترة الانخفاض بعد التراجع الأخير في الأسهم والائتمان لم يكن جيدا، الأمر الذي يدفع المستثمرين نحو اتخاذ قرار كبير.
أو كما يقول جيم بولسن من مجموعة ليوتولد، "إذا تعمق تصحيح سوق الأسهم فسيكون المستثمرون بحاجة إلى اتخاذ قرار حول ما إذا كانت السوق الهابطة قد ابتدأت، أو أن الأمر ببساطة فرصة شراء كبيرة أخيرة وخطيرة عرضت لهم".
العنصران الرئيسيان في هذا النقاش هما التوقعات بشأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي والعلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
على الرغم من أن الأسهم العالمية ارتفعت في البداية بعد أن أصبح جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، دبلوماسيا في سياسته، وبعد الاحتفال بالهدنة التجارية التي يبدو أنه تم التفاوض عليها في اجتماع مجموعة العشرين في بوينس آيرس، إلا أن المزاج العام سرعان ما فسد. إعلان دونالد ترمب أنه "رجل التعريفات" تبعته أخبار عن اعتقال مسؤولة تنفيذية كبيرة لدى شركة الاتصالات الصينية "هواوي" في كندا بعد طلب تسليم أمريكي. هذا أدى إلى تعزيز الشعور بأن أكبر اقتصادين في العالم هما على خلاف.
وأدى كذلك إلى زيادة الانخفاض الشديد الذي شهدناه في عوائد السندات السيادية العالمية عن ذروتها قبل شهرين. من بين هذه السندات المعيارية كانت الصين في المقدمة، تبعتها ألمانيا التي انخفضت عوائد سنداتها لفترة عشرة أعوام الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ حزيران (يونيو) 2017.
ازدادت حيوية أسواق السندات السيادية الرئيسية بسبب احتمال تباطؤ وتيرة النمو العالمي، ما يقلل احتمال حدوث التهديد المتمثل في زيادة قوة الضغوط التضخمية التي أثارات قلق مستثمري الدخل الثابت في النصف الأول من العام.
الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط يأتي مع دخول الاقتصادات الرئيسية عام 2019 والتضخم الرئيسي فيها أقل من 2 في المائة، نظرا إلى الاتجاه الضعيف لأسعار المعادن منذ الربيع، استوعب منتجو النفط أخيرا حقيقة أن الطلب العالمي آخذ في التراجع.
بيانات التضخم المدهشة هي أحد الأسباب التي تزيد أهمية تخفيف التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وهي أيضا السبب في أن بعض المستثمرين لا يزالون يرجون أن تجري بكين في نهاية المطاف بعض التحفيز الجاد. لا يبدو أن أيا منهما أمر مؤكد.
كثير من أسواق الأسهم خارج الولايات المتحدة تبدو رخيصة، خاصة بعد الهبوط الكبير في الأسبوع الماضي، لكن يمكنها البقاء على هذا النحو إذا بلغ النمو العالمي ذروته. في هذا المنعطف، هناك علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كان باستطاعة كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان إنهاء حقبة أسعار الفائدة السلبية لليلة واحدة في العام المقبل.
خلال الأسبوع الماضي كانت الفجوة التي تضيق بين عوائد سندات الخزانة الأمريكية القصيرة الأجل والطويلة الأجل هي التي تجذب أكبر قدر من اهتمام البنك المركزي الأوروبي. الفرق بين عوائد السندات لأجل عامين وعشرة أعوام انخفض إلى ما دون 0.1 نقطة مئوية، وهي أقرب نقطة كان عليها هذا المقياس نحو الانعكاس منذ عام 2007.
بطبيعة الحال يعرف المستثمرون فكرة أن منحنى العائد المقلوب هو إشارة تحذير مبكر. في الماضي، حدث ذلك قبل ستة أشهر إلى 18 شهرا من دخول الاقتصاد في حالة ركود. في الدورة السابقة، منحنى عوائد السندات الأمريكية لأجل عامين وعشرة أعوام انقلب في عام 2006 وبقي كذلك إلى حد كبير حتى منتصف عام 2007.
في حين إن تشديد الاحتياطي الفيدرالي ترك الآن بصمته على قطاعات الإسكان والسيارات المهمة في الولايات المتحدة، وتتلاشى آثار التخفيضات الضريبية من الاقتصاد في العام المقبل، إلا أن بيانات الأسبوع الماضي تُظهر أن التوسع الحالي سيمتد حتى عام 2019. لكيلا ننسى، لا يزال من المتوقع أن تزيد الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأرباح في العام المقبل. كذلك، هناك فترة انعكاس قد تميّز النقطة التي يقْدم فيها الاحتياطي الفيدرالي على إيقاف سياسة التشديد، وهذا، إلى جانب الدولار الضعيف، يوفر للنشاط العالمي وقتا كافيا لالتقاط الأنفاس.
لكن كما تنبأت سوق السندات في عامي 2000 و2006، هناك حذر متزايد من ضعف الدورة المتأخرة، الذي يتميز بكثير من ديون الشركات وعلامات على إجهاد الائتمان والضغط على الميزانية العمومية.
ما إذا كانت أسواق الأسهم والائتمان تتمتع برفاهية القيام بحركة ناجحة أخيرة، كما رأينا في عام 2007 عندما بلغ مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ذروته في تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام، هو السؤال الأكثر أهمية الذي يواجه مديري المحافظ اليوم.
مع ذلك، لا يُمكن تجاهل تحوّل سوق السندات. لاستعارة جملة مشهورة من مسلسل Hill Street Blues التلفزيوني حول مغامرات الشرطة، فإن جملة "دعونا نكن حذرين هناك" هي بالتأكيد الشعار للمستثمرين في الوقت الحالي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES