أخبار اقتصادية- عالمية

شركات التجزئة العالمية تفشل في مجاراة التسوق الإلكتروني .. كيانات مهددة بالإفلاس

شركات التجزئة العالمية تفشل في مجاراة التسوق الإلكتروني .. كيانات مهددة بالإفلاس

لماذا تفلس الشركات؟ سؤال بسيط وطبيعي للغاية، وقد تبدو إجابته بسيطة لدى البعض، فالشركات تفلس لأن إدارتها لم تفلح في قيادتها لتحقيق أرباح.
وقد تتضمن تلك الإجابة كثيرا من الدقة، لكنها تغفل أيضا عن كثير من العناصر الأخرى، التي تجعل في بعض الأحيان الإفلاس مصيرا حتميا لبعض الشركات.
وإذا كان لفشل الإدارة الدور الأكبر في إعلان شركة ما أو مصنع ما إفلاسه، فإن بعض القطاعات التجارية يعود إفلاسها إلى تطورات تشهدها الأسواق، ولا يكون لدى تلك الشركات القدرة على السيطرة عليها وتوجيهها.
وتشير بعض التقديرات إلى أن إفلاس الشركات التجارية الكبرى بلغ مستويات غير مسبوقة العام الماضي، وفي العام الجاري، خاصة في النصف الأول، وسط توقعات بارتفاع تلك المعدلات في العام المقبل أيضا.
روز ساترن المختصة الضريبية في مصلحة الايرادات والجمارك البريطانية، ترى أن السبب الرئيسي في زيادة عمليات الإفلاس بالنسبة إلى الشركات التجارية يعود إلى المنافسة التي تشهدها تلك الشركات من التبضع عبر الإنترنت.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن "عددا كبيرا من مجالس إدارات شركات البيع بالتجزئة العالمية، لم يفلح في التوصل إلى استراتيجية بديلة قادرة على مجابهة تنامي ظاهرة التسوق عبر الإنترنت، حتى الشركات التي صاغت استراتيجيات جزئية عن طريق تحويل جزء بارز من عملياتها التجارية إلى مجال الإنترنت، لم تستطع منافسة مواقع مثل أمازون الأمريكي، وعلي بابا الصيني".
وتعتقد ساترن أن الإفلاس ظاهرة عالمية خاصة في الاقتصادات المتقدمة، وهي تعد انخفاض القيمة الإجمالية للمبيعات، وتراجع الأرباح الصافية مع بقاء الضرائب على الشركات بذات المعدل، يمثل عنصر ضغط رئيسيا على الشركات، ودفعها في كثير من الأحيان إلى إعلان إفلاسها.
ويصادق كثير من المختصين على وجهة النظر تلك، إلا أنهم يلقون باللوم في كثير من الأحيان على عوامل أخرى، من أبرزها سياسة التيسير الكمي التي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، التي خفضت أسعار الفائدة بشكل كبير للغاية، ومثل ذلك إغراء للشركات خاصة العاملة في مجال تجارة التجزئة، بالإفراط في الاقتراض من المصارف، بدعوى التوسع التجاري، كما أن الظاهرة امتدت أيضا إلى الاقتصادات الناشئة التي وجد عديد من شركاتها أن انخفاض سعر صرف الدولار في مواجهة العملات المحلية، يضاف إلى ذلك ثبات سعر الفائدة عن مستويات منخفضة، فرصة مثلى للاقتراض بهدف التوسع.
إلا أن تغير المعطيات الاقتصادية في مرحلة لاحقة، كان أسرع من قدرة تلك الشركات على التعامل مع تقلص سياسة التيسير الكمي، التي انتهى العمل بها في نهاية عهد أوباما، ثم الانتقال في عهد ترمب إلى مرحلة جديدة تشهد ارتفاعا في أسعار الفائدة.
ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور جيرالد باتن أستاذ الأعمال التجارية في جامعة كامبريدج، "إن سياسة التيسير الكمي أدت إلى استدانة بعض الشركات الأمريكية، خمسة أضعاف قيمة أصولها، وهذا ما حدث مع شركة "دايفيد براديل" لحفلات الزفاف، التي تبلغ قيمتها 100 مليون دولار بينما بلغ إجمالي ديونها 500 مليون دولار، ومع ارتفاع أسعار الفائدة لم تستطع سداد ما عليها من ديون، ولم يكن أمامها من بديل غير إعلان الإفلاس".
ويضيف باتن، أن "الأمر ازداد تعقيدا مع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إذا بات من الصعب على السلع الأمريكية، أن تنافس في الصين مع بلوغ التعريفة الجمركية نحو 25 في المائة في بعض السلع، في الوقت الذي يجب عليها فيه سداد فوائد وقروض المصارف".
ويعرب بعض الاقتصاديين، عن مخاوفهم من أن يؤدي تصاعد عمليات الإفلاس على النطاق العالمي، خاصة في الاقتصادات الكبرى، إلى إعادة توزيع مراكز القوى في العالم.
وترى راشيل آندي الباحثة الاقتصادية، أن قضية إفلاس الشركات، لا يجب حصرها في الأفق الاقتصادي الوطني، والنظر إليها من منطلق تأثيرها في معدلات البطالة، والناتج المحلي الإجمالي، أو حتى التبعات التي ستصيب النظام المصرفي جراء عجز الشركات عن سداد ما عليها من ديون نتيجة إعلان الإفلاس.
وتضيف آندي لـ "الاقتصادية"، أن "القضية في بعض الأحيان أكثر خطورة من ذلك، إذ يمكن أن تؤثر في الوزن الاقتصادي للدولة في المنظومة الاقتصادية العالمية، فعلى سبيل المثال وضع الولايات المتحدة لشركات صينية عاملة في مجال الاتصالات أو التكنولوجيا على القائمة السوداء، يضع تلك الشركات على حافة الإفلاس، ويضع النموذج التنموي الصيني برمته في امتحان عسير، ويحيط هذا النموذج بشكوك في إمكانية أن تواصل الصين نموها الاقتصادي بذات الوتيرة".
وبالفعل فشركة "زد تي إي" الصينية بدت في الآونة الأخيرة كأنها تواجه خطر الإفلاس، نتيجة العقوبات الأمريكية عليها، حيث تم حظر الشركة من الحصول على المكونات الرئيسية من الموردين الأمريكيين، وعلى الرغم من رفع القيود لاحقا عليها، إلا أن ذلك كان نموذجا لضرورة تبني الأنظمة القضائية قوانين لحماية الشركات ذات الطبيعة الاستراتيجية من الإفلاس، عبر حماية قدراتها الإنتاجية الكلية، عوضا عن تصفية أصولها وبيعها في المزاد العلني.
لكن إفلاس الشركات لا يعود فقط من وجهة نظر بعض المختصين إلى عوامل اقتصادية أو إدارية، إذ يمكن أن يسهم عدم استقرار المناخ السياسي في زيادة معدلات الإفلاس بين الشركات خاصة الصغيرة والمتوسطة.
وتعد الحالة البريطانية في الوقت الراهن أحد أبرز الاقتصادات الأوروبية التي تسجل زيادة في معدلات الإفلاس، ويتوقع أن يؤدي تفاقم الأزمة السياسية وانقسام البلاد بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، إلى زيادة معدلات الإفلاس في عام 2019، خاصة أن أغلب التقديرات تشير إلى تراجع كبير في قيمة العملة البريطانية في الأشهر المقبلة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية