FINANCIAL TIMES

نيجيريا تحت الضغط .. هل تنجح في دحر عصابة بوكو حرام؟

نيجيريا تحت الضغط .. هل تنجح في دحر عصابة بوكو حرام؟

نيجيريا تحت الضغط .. هل تنجح في دحر عصابة بوكو حرام؟

يقع مخيم مونا كاستم هاوس على أطراف ميدوجوري، بالقرب من أحد الخنادق الكثيرة المحيطة بالمدينة التي تقع في شمال شرقي البلاد، والتي تم حفرها للمساعدة على صد بوكو حرام عن التقدم.
غالباً ما يكون أول مكان يلجأ إليه النازحون الذي يفرون من المناطق النائية الخالية من حكم القانون إلى حد كبير، إلى الضواحي التي تُحيط بالمدينة في مواجهة واحدة من أكثر حركات التمرد الدموية في العالم.
وصلت زارا عمر إلى عاصمة ولاية بورنو في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لتنضم إلى موجة زادت عدد سكان مايدوجوري بأكثر من الضعف، ليصل إلى أكثر من مليوني نسمة في الأعوام الأخيرة.
لقد تركت قريتها بالقرب من الحدود مع الكاميرون، عندما استعاد الجيش السيطرة عليها من جماعة بوكو حرام في الشهر السابق، بعد احتلال عدة أعوام من قِبل المتشددين.
تقول زارا إن كثيرا من جيرانها قتلوا أو عُذبوا أو ماتوا من الجوع. لقد سجنها المتطرفون خمسة أشهر بعد محاولتها الهرب. أخذوا ابنها البالغ من العمر عامين. ولم تره منذ ذلك الحين.
وتقول زارا البالغة من العمر 25 عاماً: "الشيء الوحيد الذي أستطيع قوله عن جماعة بوكو حرام هو أنه في يوم ما سيجزيهم الله سوء أعمالهم لما فعلوه بنا. على أنهم لا يزالون يسيطرون على المنطقة المحيطة بقريتي حتى هذا اليوم".
مضى نحو عقد من الزمن منذ أن تحولت طائفة سلمية نسبياً قائمة في مايدوجوري إلى واحدة من أكثر الجماعات الإرهابية الوحشية العابرة للحدود الوطنية في العالم.
مضت ثلاثة أعوام منذ أن قال الرئيس محمد بخاري إنهم قد "هُزموا من الناحية الفنية" بعد تنظيم حملة عام 2015 على وعود بتدمير الجماعة.
مع ذلك، وعلى الرغم من الإعلانات المتعددة عن الانتصار من قِبل الدولة، إلا أن جماعة بوكو حرام، في حين أنها أصيبت بالوهن على نحو لا يستهان به، تستمر في ذبح الجنود والمواطنين في كل أنحاء شمال شرقي نيجيريا وفي الدول المجاورة، النيجر وتشاد والكاميرون، المكان الذي غالباً ما يختبئ فيه مقاتلوها ويهرب منه المدنيون. أسفرت الأزمة عن مقتل 27 ألف شخص وتشريد نحو مليونين آخرين.
كما كلّفت أكبر اقتصاد في إفريقيا، وأكبر دولة فيها لإنتاج النفط الخام، ما يصل إلى تسعة مليارات دولار، وذلك وفقاً لما ذكره قائد الجيش الجنرال يوسف بوراتاي.
يبدو أن الجماعة التي انقسمت إلى فصيلين، تُصعّد هجماتها وتبني ترسانتها. الوضع الأمني في شمال شرقي نيجيريا يتدهور، ما أثار الانتقادات لاستراتيجية الجيش، والشكاوى من القوات التي تفتقر إلى المعدات المناسبة، على الرغم من إنفاق المليارات على الدفاع والضغط على الرئيس بخاري، وهو جنرال متقاعد، في الوقت الذي يسعى فيه لإعادة انتخابه في شباط (فبراير) المقبل.
في الشهر الماضي، أدت غارة على قاعدة للجيش في ميتيلي بالقرب من الحدود مع النيجر وتشاد إلى مقتل نحو 100 جندي وفقد أكثر من 150 آخرين، وذلك وفقاً لوكالة رويترز، على الرغم من أن الجيش يصر على أن عدد القتلى لا يتجاوز 23 شخصاً، فحسب.
في بيان صدر الأسبوع الماضي، قال الجيش إنه في الأشهر الأخيرة، "لاحظ تحركات جريئة من قِبل الإرهابيين، وزيادة استخدامهم طائرات مسيّرة ضد مواقعنا الدفاعية، وقدوم المقاتلين الأجانب في صفوفهم. هذه التهديدات القوية تتطلب منا مراجعة عملياتنا باستمرار".
إيزي أونيكيبي، المدير الرئيس في مركز العدالة الاجتماعية القائم في أبوجا، يقول إن الهجوم على قاعدة ميتيلي وغيرها يُثير مجموعة من الأسئلة حول استراتيجية الجيش: "يبدو أن هناك نقصا في التنسيق – أحد ما يهاجم مجمعا عسكريا، وتستمر المعركة ساعتين أو ثلاث ساعات، ولا يأتي أي أحد لدعمهم. أين القوات الجوية؟ كيف تتمكن جماعة بوكو حرام من السفر عشرات الكيلومترات، والتسلل إلى قاعدة عسكرية؟".
وهو يُشير إلى أن الوقت قد حان "لتغيير القوة العاملة في قمة" القوات المسلحة، في بلد كان تحت الحكم العسكري خلال معظم الأعوام الأربعين الماضية، بعد حصوله على الاستقلال عام 1960؛ حيث إن اثنين من زعمائه الأربعة منذ عودة الحكم المدني كانا جنرالين سابقين.
ولاية بورنو التي كانت سلسلة من القرى الرعوية النائية التي تنتشر فيها مراكز أكبر، أصبحت الآن مصفوفة من مدن المواقع العسكرية المنتشرة عبر إقليم بحجم إيرلندا.
وفي الوقت الذي حولت فيه جماعة بوكو حرام كثيرا من القرى إلى أماكن غير صالحة للسكن، جمع الجيش المدنيين في بلدات مثل جووزا، بالقرب من الحدود مع الكاميرون؛ حيث زاد عدد السكان ستة أضعاف ليصل إلى أكثر من 60 ألفاً، في الأعوام القليلة الماضية.
تدفق الأشخاص، الذي فقدوا القدرة على الزراعة أو التجارة أو ممارسة الأعمال، أدى إلى الضغط على إمكانات جماعات الإغاثة الدولية، التي حلت أساساً محل الخدمات الحكومية الهزيلة، وخلقت أزمة سوء تغذية مستفحلة.
يقول لوال هامان، وهو زعيم مجتمع تقليدي في جووزا: "كنا نزرع – الفاصوليا والذرة حتى الرز – ونرعى الماشية، لكن إذا ابتعدت قليلاً خارج البلدة فستُقتل، لذلك توقف هذا النشاط تماماً".
عند النظر من مروحيات الأمم المتحدة التي باتت هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع فيها المنظمات غير الحكومية السفر إلى مدن المواقع العسكرية خارج ماديوجوري الآمنة نسبياً، فإن حجم المشكلة يُصبح واضحاً.
الخنادق الواسعة تُحيط بالبلدات، وما بينها تقع القرى الفارغة أو المدمرة والخطوط الباهتة للأراضي الزراعية المهجورة، ومساحات إما مزروعة بإفراط وإما غير مزروعة في موسم ذروة الحصاد.
عبر هذا المشهد، ترى عشرات الحرائق – الجيش يحرق الأعشاب والأشجار الطويلة التي قد تختبئ فيها جماعة بوكو حرام، وذلك وفقاً لأحد عمال الإغاثة.
نحو مليون شخص يعيشون خارج مدن المواقع العسكرية، في المناطق النائية من بورنو التي لا تخضع لحكم القانون، وهي بعيدة تماماً عن وصول مساعدات الدولة أو المساعدات الإنسانية.
يقول أحد عمال الإغاثة في ميدوجوري: "يوجد مليون شخص هناك، ونحن لا نعرف أي شيء عنهم أو ما احتياجاتهم".
من الواضح أن العزلة جعلت جماعة بوكو حرام مستميتة أيضاً، كما يقول المحللون، مع تزايد الغارات على مخازن الطعام والمحاصيل في القرى.
هذا لم يؤثر في استراتيجية المسلحين المتمثلة في استهداف المنشآت العسكرية، التي ينهبونها من أجل المعدات، ومن المحتمل هناك استعداد لهجوم كبير قبل انتخابات شباط (فبراير) المقبل، كما يقول تشيدي نواونو، من شركة بيسافي للاستشارات، وهي مجموعة أمنية تركز على إفريقيا.
ويضيف أن الجيش الذي يضم نحو 200 ألف جندي، يواجه أزمات أمنية في كل أنحاء نيجيريا، من قطع الطرق في الشمال الغربي إلى الاشتباكات الوحشية بين الزراع والرعاة في منطقة الحزام الأوسط، إلى مسلحين في منطقة دلتا الجنوب الغنية بالنفط. وقد تم نشره في 30 ولاية على الأقل من الولايات الـ 36، "والانتخابات أيضاً تجلب عنصرا آخر من عدم الاستقرار" حسبما أضاف.
يقول نواونو: "السياق العام لكل شيء هو أن نيجيريا – وهو أمر من المرعب قوله – باتت دولة فاشلة إلى حد ما. من الناحية الأساسية، الحكومة فقدت سيطرتها على معظم البلاد".
ويُضيف أنه في الشمال الشرقي، فإن "العدو لديه المبادرة، حيث إنه يفرض ما يحدث.. القوات المسلحة النيجيرية ليست لديها استراتيجية شاملة، وليست قادرة على فرض إرادتها على المعركة".
امتلأت صفحة الجيش على موقع فيسبوك في الأيام الأخيرة بمنشورات تروّج النجاحات في القتال، مصحوبة بصور قوية للمسلحين القتلى. وفي خطاب إلى قادة الجيش والرئيس في ميدوجوري يوم الأربعاء الماضي، تحدث الجنرال بوراتاي عن الانتقادات.
وقال: "أعتقد أن الجيش يجب أن يبدأ بالتخطيط ووضع الاستراتيجيات حول كيفية إنهاء العمليات في منطقة الشمال الشرقي. لقد أمرت بإجراء تغيير من وضع دفاعي بالكامل، إلى وضع ندافع بأعداد كبيرة، ونقوم بعمليات دفاعية بمجموعات أصغر، في وقت واحد وفي جبهات مختلفة".
أوردت وكالة الأنباء الفرنسية أنباء عن 19 محاولة على الأقل من قِبل جماعة بوكو حرام لاجتياح القواعد العسكرية منذ تموز (يوليو) الماضي. التصعيد يتجاوز الأهداف العسكرية.
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، قال الجيش إنه اعتقل مُهاجمة انتحارية شابة تُخطط لمهاجمة ميدوجوري. قبل شهرين، قتل المتطرفون اثنين من عمال الصليب الأحمر النيجيريين. كما هاجم المسلحون أيضاً قرى ومخيمات نازحين، حول عاصمة الولاية في الأشهر الأخيرة.
في اعتراف نادر بالتحديات التي تواجه الجنود النيجيريين، قال بخاري الأسبوع الماضي إنه يعمل لضمان تجهيز القوات بالكامل، وأن تتلقى أجراً أفضل، واعترف بالحاجة لاستعادة الروح المعنوية.
يقول نواونو إن الجنود العاديين يتلقون أجورا متدنية، ويعانون نقص التغذية ونقص المعدات، ويعملون فوق طاقتهم.
أما أحد كبار مسؤولي الشؤون الإنسانية فيرى أن: "الجنود يطلبون منا الطعام، والفرشات، ويطلبون منا بناء أبراج مراقبة لهم. الروح المعنوية منخفضة جداً – في بعض الأماكن يرفضون مغادرة ثكناتهم" خلال الهجوم.
في آب (أغسطس) الماضي، هدد العشرات من جنود القوات الخاصة بإطلاق النار على رؤسائهم، ورفضوا الصعود إلى طائرة في مطار ميدوجوري، من شأن ركوبها زيادة عدد أيام مهماتهم الميدانية الطويلة.
وقال الجيش إنه يأخذ حقوق الإنسان على محمل الجد، لكنه وقوة المهام المشتركة المدنية المكونة من 26 ألف عضو، التي تساعده تم اتهامهم بالتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء والاغتصاب الذين قللوا من شأنه أو نفوه – ما دفع بعض المحللين إلى الخوف من أنهم يخاطرون بفقدان الدعم المحلي.
محمد، وهو عضو في ميليشيا مدنية، تباشر بدوريات في قرى بالقرب من ميدوجوري يقول: "نحن نرى ما يحدث هناك ولا أعرف ما فائدة الجيش. ليست هناك رغبة في قتال بوكو حرام ضمن المواطنين، وإذا لم يتغير أي شيء لا أعتقد أن بإمكانهم الفوز".
تم نشر مقطع فيديو يُزعم أنه تم تصويره من قِبل جندي بعد هجوم أخير على القوات على وسائل الإعلام الاجتماعي في الأسبوع الماضي. يقول رجل مجهول في الفيديو، أثناء استكشاف هياكل الدبابات والشاحنات المتفحمة، "تخيّل، إنهم يقتلوننا كل يوم. نحن نقاتل للدفاع عن بلدنا – إن الجنرالات يخدعوننا".
في الأسبوع الماضي، أعلن مجلس النواب تحقيقا في طلب بخاري مليار دولار لمحاربة بوكو حرام، من حساب إيرادات النفط المخصص للولايات، التي لم تصل بعد إلى الجيش.
كانت نيجيريا قد أنفقت 1.62 مليار دولار عام 2013، في ذروة الأزمة وقبل حالة الركود الناجمة عن انهيار أسعار النفط، على الدفاع.
أعلنت الولايات المتحدة طلبا بقيمة 329 مليون دولار لشراء 12 طائرة مروحية للقوات الجوية النيجيرية.
وتمت السخرية على وسائل الإعلام الاجتماعي من تاريخ تسليم الصفقة، الذي سيقع عام 2024، بالنظر إلى احتياجات الجيش الملحة لمزيد من المعدات الملحة مثل نظارات الرؤية الليلية، والخوذات وأجهزة الراديو.
ماثيو بيج، الزميل المشارك في المؤسسة الفكرية تشاتام هاوس القائمة في لندن، يقول إن الفشل في إلحاق الهزيمة بجماعة بوكو حرام هو "ليس نتاج استراتيجية فاشلة فحسب، بل أيضاً لقطاع أمن يفتقر إلى الإصلاح ولديه مصلحة – مالية وسياسية – في استمرار هذا التمرد منخفض المستوى".
ساتومي أحمد، الرئيس السابق لوكالة إدارة الحالات الطارئة في ولاية بورنو، يقول إن الوضع الأمني تحسن بشكل كبير منذ عام 2014، عندما سيطرت جماعة بوكو حرام على منطقة بحجم بلجيكا، وقصفت العاصمة أبوجا، وأرهبت شمالي نيجيريا الشاسع.
يقول أحمد، وهو عضو في حزب الرئيس، يتوقع أن يتم انتخابه لمجلس النواب في شباط (فبراير) المقبل: "إلى حد ما، نيجيريا تفوز بالحرب".
ويضيف: إن الحكومة يجب أن تذهب أبعد من ذلك. "بناء السلام، والحوار.. يجب أن ننظر إلى الأزمة أبعد من الحرب".
أما مصطفى، الذي ساعد على التفاوض لإطلاق سراح أكثر من 100 تلميذة من أصل 276 من تلميذات المدارس في شيبوك، اللواتي اختطفتهن جماعة بوكو حرام عام 2014، يتفق مع ذلك. يقول: "ربحنا الحرب، لكننا لم نربح السلام. ليس لدينا برنامج أو خطة تنفيذ؛ حيث يُمكن أن تكون هناك عملية لبناء السلام. بدلاً من ذلك، إنه عمل أشبه بإطفاء الحرائق".
ويضيف أن الحكومة لا تتفاوض إلا عندما تشن بوكو حرام عمليات اختطاف بارزة مثل اختطاف فتيات شيبوك: "أمن السكان، والوصول إلى المساعدات الإنسانية، والوصول إلى مصادر الرزق – هذا يجب أن يكون جزءا من المحادثات" مع جماعة بوكو حرام. ويضيف: "من الأسهل كثيرا بالنسبة إليهم العثور على رهائن هنا وهناك – لكن بعد ذلك تجد نفسك عالقا في هذه الدورة اللانهائية، وهذا هو المكان الذي نحن فيه الآن"، ولا بد من العمل الحثيث لكسر ذلك الطوق، للخروج من الدائرة الخبيثة المفرّغة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES