Author

إيران «تغسل» الأموال المنهوبة من شعبها

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"لا يمكننا أن نوافق على اتفاقيات أو معاهدات غسل الأموال ومكافحة الجريمة هكذا" من توصيات علي خامنئي لحكومته مهما حاول نظام علي خامنئي في إيران التستر وراء تحركات ومواقف محلية، وتصريحات نارية فارغة بشأن عمليات غسل الأموال التي تتم بمستويات كبيرة في إيران وخارجها لمصلحة هذا النظام، ومهما كان مستوى هذا التستر وأدواته، فإيران لا يمكنها أن تعيش وفق استراتيجية خامنئي، إلا بالأموال القذرة، ولا تستطيع الاستمرار دون عمليات غسل الأموال التي تجري بعشرات الطرق وعبر عشرات الجهات والأفراد. ومن هنا، لا غرابة عندما يتم الإعلان في الولايات المتحدة أو في بعض البلدان الغربية الأخرى عن اعتقال أفراد وضبط جهات بين الحين والآخر تعمل كـ "مصابغ" مالية للنظام الإيراني. علما بأن ملاحقة هذه "المصابغ" تجري بصورة كبيرة على الساحة الأمريكية، مقارنة بمثيلاتها الأوروبية، ولا سيما مع تفعيل واشنطن الحصارين المالي والاقتصادي على نظام طهران. وفي أعقاب إطلاق الموجة الثانية من العقوبات الأمريكية القاصمة على إيران، زاد اعتماد خامنئي وأعوانه على الأموال القذرة، فهو يعرف أنه لا يوجد مصدر مالي شرعي مقبول للاعتماد عليه، الأمر الذي أسهم في رفع مستوى الفساد والنهب ضمن المؤسسة الإيرانية نفسها. فالأموال القذرة التي عادت إلى البلاد "نظيفة" قابلة أكثر من غيرها للسرقة والنهب، بينما لا تدخل عمليا في حساب الإنفاق المحلي. ولهذا، تتراجع الخدمات الأساسية على الساحة الإيرانية كل يوم، بما في ذلك الصحية منها، ناهيك عن الخدمات التي تتعلق بالحياة اليومية الطبيعية. فكل الأموال التي ينجح النظام في غسلها لها طريق واحدة فقط، وهي تمويل استراتيجية الإرهاب التي أطلقها بمختلف الأشكال، والإنفاق على الحروب التي يشنها هنا وهناك، لتحقيق أهداف الطائفية الفاضحة. تبقى مسألة غسل الأموال حاضرة على الساحة الإيرانية؛ لأن المؤسسة الحاكمة فعلا - وليس مؤسسة الرئاسة - تعترض على كثير من الاتفاقيات العالمية بهذا الخصوص، ناهيك عن الاتفاقيات الثنائية التي تتم عادة بين دولة وأخرى. ويرى الرافضون - وهم الأغلبية - لأي تعاون مع الجهات الدولية المختصة بهذا الشأن، على أنه "خيانة". وبدا هذا واضحا مثلا عندما اتهم علي لاريجاني رئيس البرلمان قبل ثلاثة أشهر بأنه لا يلتزم "بمصالح" إيران، حين قدم مشروع قانون معاهدة "باليرمو" لمكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال الدولية، إلى البرلمان للمصادقة عليه. والحق أن لاريجاني - وهو من أعنف المسؤولين في طهران - قام بهذه الخطوة تحت ضغط وزارة الخارجية، التي تعرضت بدورها لضغوط عالمية كبيرة، خصوصا من جانب أصدقاء إيران الأوروبيين، كي تنضم إلى هذه المعاهدة. ومع ذلك أقرت تعديلات على هذا المشروع؛ لأن النظام الحاكم لا يستطيع بالفعل أن يكون جزءا طبيعيا من السياسة الدولية. اللافت هنا أيضا، أن خامنئي وبقية أتباعه يواجهون مصائب جمة في الانضمام إلى أي اتفاقية تتعلق بغسل الأموال والجرائم وغير ذلك، ليس لأنهم يريدون الأموال فقط لتمويل الإرهاب الذي صنعوه، والتدخل في شؤون بلدان أخرى، ونشر الخراب فيها؛ بل لأن السيطرة القانونية على الأموال الإيرانية ستكشف فضائح محلية جمة في مقدمتها النهب المنظم الذي يجري على الساحة من قبل مسؤولي النظام نفسه. فهذه الأموال تحتاج بدورها إلى دورة "غسل" لتنظيفها. وبالفعل تخرج عشرات المليارات من الدولارات من إيران إلى "مصابغ" في الشرق والغرب، لتعود بأدوات مختلفة إلى حسابات مصرفية تعود إلى هؤلاء المسؤولين الناهبين، ممن؟ من الشعب الإيراني نفسه. ولعل مفيدا عرضُ ما ذكره سعيد بيدغلي الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي الإيراني. ماذا قال؟ "إن أوضاع إيران أسوأ من البلاد التي تعرضت للحروب في ظل الأزمات الاقتصادية، مثل التضخم وانهيار العملة". والحق، أن هذا لا يعود إلى العقوبات المتصاعدة على هذا النظام، ولا سيما الأمريكية؛ لأن الوضع الاقتصادي المتردي كان كذلك حتى قبل أن تفرض العقوبات المذكورة. ومن هنا، تتداخل الأموال المنهوبة من الشعب الإيراني، والأموال المستحقة له، لتصير في "مصابغ" مختلفة هنا وهناك، ولتعود مجددا على شكل تمويل للعمليات الإرهابية والحروب، وإلى الحسابات الخاصة بمسؤولين كبار يتبعون مباشرة علي خامنئي. ويتحدث بعض الشجعان من الإيرانيين المختصين بشكل شبه علني عن "نهب حكومي منظم" في عهد حسن روحاني، وهم بذلك يحاولون تلطيف الأمر؛ لكيلا يشيروا إلى خامنئي نفسه. فالجميع يعلم، خصوصا الإيرانيين، أن روحاني لا قيمة حكومية له، ولا يجرؤ لا هو ولا وزراؤه على التجاوز في أي شيء، فكيف الحال بمنافسة الناهبين الكبار التابعين لمؤسسة المرشد؟! عمليات غسل الأموال لن تتوقف في إيران أو عبرها، ولا شك أن التحرك الأمريكي فاقم الأزمة المالية لنظام الإرهاب في إيران، غير أن المطلوب أيضا تحركات مشابهة على الساحة الأوروبية، التي لا تزال تنظر للنظام على أنه قابل ليصير طبيعيا.
إنشرها