FINANCIAL TIMES

«جنرال موتورز» .. شركات التكنولوجيا تعبث تحت غطاء المحرك

«جنرال موتورز» .. شركات التكنولوجيا تعبث تحت غطاء المحرك

التكنولوجيا تغير كل نماذج الأعمال. هذا هو الدرس الذي يجب أن يتعلمه المستثمرون من "جنرال موتورز"، التي تتعرض لهجوم من دونالد ترمب ومسؤولي النقابات بسبب استغنائها عن 14300 من العاملين وإغلاق خمسة من مصانعها في الولايات المتحدة وكندا.
يركز كل من الرئيس الأمريكي والنقابات على حجج تتعلق بإرسال تلك الوظائف إلى الصين والمكسيك. لكن التحدي الأكبر الذي تواجهه "جنرال موتورز" لا يتعلق بتكاليف العمالة، أو الاستعانة بمصادر خارجية، أو الرسوم الجمركية على الصلب. بل يتعلق بمسألة ما إذا كانت الشركة قادرة على امتلاك حصة كبيرة من القيمة الاقتصادية لصناعة السيارات في عصر أصبحت فيه السيارة جهازا ذكيا.
دراسة الحالة حول ما لا ينبغي فعله لا تأتي من شركة تصنيع سيارات أخرى، بل من "نوكيا". هل تتذكرون مصنعة الهواتف الجوالة الفنلندية التي كانت مهيمنة في السابق؟ استخدمتُ أحد هواتفها الشبيه بالطوب لكتابة بعض رسائلي النصية الأولى في التسعينيات. ثم جاء "آيفون" من "أبل" ونظام تشغيل "أندرويد" من "جوجل".
لم توفر كلتا الشركتين منتجات أنيقة فحسب، بل وفرتا أيضا أنظمة تشغيل ناجحة للمطورين. نمت النظم البيئية للتطبيقات في أنظمة التشغيل تلك. وعندما نقارنها بنظام التشغيل "سيمبيان" من "نوكيا"، نجد أنه نظام عتيق إلى درجة ميؤوس منها.
بحلول عام 2011 كانت "نوكيا" في حالة سقوط حر، ولم تقم لها قائمة بعد ذلك أبدا. الرئيس المسؤول عن نظام سيمبيان، جو هارلو، قال لـ "فاينانشيال تايمز" في ذلك الوقت، "إن الشركة لم تكن سريعة بما فيه الكفاية لتتحول من كونها شركة "تقودها الأجهزة إلى شركة تقودها البرمجيات".
كان محقا في ذلك. لكن، بشكل أعمق، فشلت الشركة في أن ترى أن الغالبية العظمى من القيمة لن تنتقل من الأجهزة إلى البرمجيات فحسب، لكنها ستنتقل بالأخص إلى أنظمة التشغيل التي ستعمل عليها تلك البرمجيات.
هذا هو التغير الذي يواجه صناع السيارات والشركات الصناعية الأخرى اليوم. حاليا، نحو 90 في المائة من قيمة السيارات توجد في الأجهزة. لكن في الوقت الذي تصبح فيه القيادة الذاتية والتطبيقات الرقمية ذات أهمية أكبر، من المتوقع أن تتغير هذه النسبة بشكل كبير.
بالنسبة إلى المركبات الذاتية القيادة، يتوقع "مورجان ستانلي" أن تأتي 40 في المائة من قيمة السيارة من الأجهزة، و40 في المائة من البرمجيات، و20 في المائة من المحتوى الذي يتدفق في السيارة. وذلك يتضمن أمورا مثل الألعاب، والإعلانات، التي تصبح ممكنة بفضل تلك البرامج.
هذا التحول مدفوع جزئيا – وأقصد ذلك بالمعنى الحرفي وليس من باب التورية – بحقيقة أن أفراد جيل الألفية مهتمون جدا بالتطبيقات التكنولوجية. لكنه يعكس أيضا فكرة أخرى: عندما تكون في مركبة ذاتية، تختفي هوية العلامة التجارية.
نيك جونسون، مدير شركة أبليكو الاستشارية، التي قدمت المشورة لمصنعي السيارات الكبار في هذا التحول، يقول "عندما تزيل "عنصر" التحكم في عجلة القيادة، من غير المرجح أن يهتم المستهلكون بنوع السيارة التي يوجدون داخلها".
في ذلك العالم، لن تعود السيارة شيئا تلمسه، أو تشعر به، أو "ترتديه" مثل ثوب فخم، بل شيء تستخدمه، مثل الهاتف. وإذا كان الأمر كذلك، فإن البرامج والتطبيقات التي تتطور على نظام التشغيل هي ما يهم حقا وليس الغلاف المعدني والبلاستيكي الذي تعيش فيه، يمكن أن يشهد صناع الهواتف الجوالة، مثل "نوكيا" أو "بلاكبيري"، على صحة ذلك.
كشفت دراسة حديثة أجرتها مصنعة السيارات "بي. إم. دبليو" أن 73 في المائة ممن شملتهم الدراسة قالوا "إنهم لا يمانعون في تغيير العلامة التجارية لسيارتهم، إذا تمكنوا من إحضار حياتهم الرقمية إلى السيارة الجديدة".
تحدي "جنرال موتورز" يكمن في كيفية المحافظة على أهميتها في ذلك العالم. الشركات التي لديها أفضل تكنولوجيا في برامج وتطبيقات المركبات هي، بشكل غير مفاجئ، شركات التكنولوجيا مثل "جوجل"، و"أبل"، و"بايدو" الصينية، وجميعها تضخ الأموال في تكنولوجيا المركبات الذاتية وأنظمة التشغيل التي تدعمها.
في الوقت الحالي يمكن لسائقي السيارات بث الموسيقى والوصول إلى أنظمة تحديد المواقع وإلى بيانات أخرى يستطيعون الوصول إليها من خلال ربط هواتفهم بهذه الأنظمة. لكن بمجرد أن يتم تثبيت أنظمة التشغيل بشكل أعمق في السيارات، سيتمكن العملاء من الوصول إلى كل شيء، ابتداء من مستويات السوائل ودرجات حرارة المحرك وصولا إلى معلومات السلامة.
سيحدث كل هذا في مجال صناعة السيارات. تحويل جميع هذه البيانات إلى قيمة نقدية من خلال إيجاد منتجات وخدمات جديدة هو أكبر جائزة.
لكن صناع السيارات لا يقفون مكتوفي الأيدي. ماري بارا، الرئيسة التنفيذية لـ "جنرال موتورز" قالت "إن أحد أسباب تقليص الوظائف هو تحويل الأموال إلى تطوير السيارات الكهربائية والسيارات الذاتية القيادة".
هناك بعض الشراكات الصناعية الناشئة، مثل اتحاد "ربط الأجهزة الذكية" smart device link في "فورد". لكن لم تظهر أي شركة كبيرة لصناعة السيارات قدرتها أو رغبتها في إنشاء أنظمة التشغيل التي تنشئها شركات التكنولوجيا الكبرى.
هذه مشكلة، لأن ميزة نظام التشغيل تظهر فعلا عندما تسيطر الشركة على 30 أو 40 في المائة من سوق معينة. هذا هو الوقت الذي يتدفق فيه المطورون حقا إلى نظام معين من أنظمة التشغيل. ستحتاج شركات السيارات الكبرى في العالم إلى التعاون من أجل تحقيق مثل هذه النسبة.
فكرة أن تنظر شركة ما إلى منافسيها الأكثر عدوانية باعتبارهم متعاونين سيكون تحولا كبيرا بالطبع. ومع ذلك هذه ليست خطوة جديدة. مثال جيد على ذلك هو ما فعلته المصارف قبل عقود مع نظام تحويل الأموال "سويفت".
تطوير نظام بيئي وامتلاك البرمجيات والبيانات داخله سيكون مفتاح النجاح، ليس فقط في قطاع السيارات، لكن في كثير من الصناعات.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES