FINANCIAL TIMES

القيصر يشدد الخناق على أوكرانيا إجمالا وتفصيلا

القيصر يشدد الخناق على أوكرانيا إجمالا وتفصيلا

إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبحث عن وسيلة لزيادة الضغط الاقتصادي على أوكرانيا المجاورة، فإن الاستيلاء على ثلاث من سفنها الحربية، أثناء محاولتها اجتياز نقطة تفتيش بحرية حرجة يشترك فيها البلَدان، قد أرسل رسالة واضحة.
تفاصيل الاشتباك البحري يوم الأحد قبل الماضي، الذي شهد السُفن الروسية وهي تُطلق النار على السفن الأوكرانية قبل احتجازها بطواقمها البالغ عددهم 24، هي مسألة خلاف والدافع الدقيق غير واضح.
على أن هذه الحادثة أثارت المخاوف في الغرب من تفاقم الصراع بين كييف وموسكو، الذي أشعل الحرب شرقي أوكرانيا.
بترو بوروشينكو، رئيس أوكرانيا، حذر من أن الاشتباك البحري قد يكون ذريعة لهجوم عسكري من القوات الروسية، وقد فرض الأحكام العرفية على المناطق الحدودية، رداً على ذلك.
في حين أن كثيرا من المحللين يتساءلون عما إذا كان بوتين سيتخذ مثل هذه الخطوة الجذرية، إلا أن معظمهم يتفق على أن حادثة يوم الأحد جزء من استراتيجية تسعى إلى زعزعة استقرار أوكرانيا وتوسيع قبضة موسكو على الجانب الشرقي من البلاد.
الاستيلاء على السفن يُصعّد محاولات روسيا لفرض نفسها كقوة بارزة في بحر آزوف، وهو خليج ضحل يمنح الأقسام الشرقية من أوكرانيا منافذها البحرية الوحيدة، لصناعاتها الموجهة للتصدير.
قال رسلان بوخوف، مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات، لصحيفة فاينانشيال تايمز: "الوضع في بحر آزوف سيبقى هشاً، لكنه لن يؤدي إلى صراع خطير. روسيا لا تحتاج إلى نزاع هناك. من ناحية أخرى، يمكن أن تخسر أوكرانيا كثيرا إذا زادت موسكو الضغط على الملاحة نحو موانئ أوكرانيا".
وقال بوتين يوم الأربعاء قبل الماضي، إن "الحادثة الصغيرة" أثارتها أوكرانيا، وصممها بوروشينكو للمساعدة على ترشيح نفسه لإعادة الانتخاب في آذار (مارس) المقبل: "دخلوا مياهنا الإقليمية التي كانت لنا، حتى قبل أن تنضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد السوفييتي. ماذا كان من المفترض أن يفعل حرس الحدود؟ سفن بحرية تدخل المياه الإقليمية الروسية ... لو أن (الحرس) تصرّف بطريقة مختلفة، لكنا حاكمناهم". وقعت الحادثة بالقرب من مضيق كيرتش، الذي يربط بحر آزوف بالبحر الأسود. يقع الممر الضيق بين البر الروسي وشبه جزيرة القرم، شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها موسكو عام 2014.
منذ ذلك الضم، غير المعترف به دولياً، حاولت روسيا ببطء السيطرة على المضيق وبحر آزوف، على الرغم من أن معاهدة عام 2003 التي تمنح كلا البلدين السلطة القضائية على البحيرة شبه الداخلية.
تم بناء جسر بطول 12 ميلا عام 2016، يربط شبه جزيرة القرم بروسيا مع قسم واسع بما فيه الكفاية للسفن، ما يُقيّد إلى حد كبير إمكانية الملاحة. ارتفاعه البالغ 33 مترا في الواقع حظر السفن الأوكرانية الأكبر من المرور.
ثم بعد الانتهاء من الجسر في أيار (مايو) الماضي، زادت موسكو أسطولها البحري في المياه، وبررت ذلك بوجود مخاطر أمنية. الأسطول كثّف عمليات التفتيش والاحتجاز للسفن التجارية الأوكرانية والأجنبية، ما أدى إلى تأخير الشحنات.
تبريراً لأفعالها يوم الأحد قبل الماضي، قالت روسيا إن السفن الأوكرانية الثلاث دخلت بشكل غير قانوني مياهها الإقليمية – وهو تصعيد لجهودها للسيطرة على الممر البحري.
قال بوخوف: "يعتمد وضع مضيق كيرتش على التفسير. بعد ضم شبه جزيرة القرم، أصبح المضيق بمنزلة المياه الداخلية لروسيا. وتفترض روسيا أن هذا قد غيّر بشكل حتمي تفسير اتفاقية عام 2003".
قال بوروشينكو هذا الأسبوع إن روسيا تهدف إلى "احتلال البحر" الذي من شأنه تقليل إيرادات أوكرانيا الحاسمة من العملة الصعبة من الصادرات، بما في ذلك الحبوب والصُلب.
يعتقد المحللون أن الإجراءات التي اتّخذتها روسيا منذ أيار (مايو) الماضي، جعلت الشركات الأوكرانية المحلية تخسر عشرات الملايين من الدولارات.
قال مسؤول تنفيذي في إحدى الشركات له علاقات مع كبار السياسيين في أوكرانيا، إن "ضغط" روسيا الجديد يهدف إلى إلحاق الضرر "بالاقتصاد كله، وتصوّر الناخبين الأوكرانيين لرئيسهم".
قبل ستة أيام من الاشتباك، حذرت وزارة الخارجية البريطانية من أن "عمليات التوقيف والتفتيش" الروسية في بحر أزوف "تتسبب في حدوث تأخير، وزيادات كبيرة في تكاليف الشحن، وانخفاض الدخل الوارد إلى موانئ أوكرانيا".
وقالت في بيان يُطالب روسيا بالسماح بحرية المرور: "حتى الآن، تأثرت أكثر من 200 سفينة من سياسة تُلحق الضرر باقتصاد أوكرانيا وتقوّض سيادتها".
مع ذلك، ذهب بوروشينكو إلى أبعد من ذلك، مستخدماً سلسلة من المقابلات هذا الأسبوع للتحذير من احتمال شن هجوم روسي على بلاده.
وقال، وهو يوزع صور الأقمار الاصطناعية على طاولة مستديرة متلفزة مع الصحافيين: "كما ترون، فإن عدد الدبابات في القواعد (الروسية) الواقعة على طول حدودنا زاد ثلاثة أضعاف. كما زاد عدد الوحدات التي أعيدَ نشرها على طول حدودنا بشكل كبير".
وأضاف: "البلاد تحت تهديد حرب شاملة مع الاتحاد الروسي".
الحكومات الغربية أدانت موسكو إلى حد كبير، ودعت كلا الجانبين إلى تخفيف التوترات، لكنها مترددة في الاستجابة إلى دعوة كييف لمعاقبة روسيا بعقوبات أعمق.
يقول بعض المحللين إن حادثة يوم الأحد تتبع نمط الإجراءات الروسية، والاستجابة الغربية على حد سواء.
كتب جون سايفر، عميل وكالة الاستخبارات المركزية المتقاعد الذي كان مقره في روسيا، على منصة "تويتر": "تقدّم بضع خطوات؛ ثم انتظر رد الفعل. إذا لم يكُن هناك أي رد فعل، فتقدم أكثر. وإذا كان هناك رد فعل، فانتظر حتى تهدأ المشاعر – ومن ثم تقدم أكثر" تلك هي استراتيجية روسيا بوتين، باختصار.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES