Author

تفاعل الاقتصاد السعودي مع المتغيرات

|

لم تعد السعودية اليوم كما كانت قبل ثلاث أو أربع سنوات، لم تعد تلك الدولة التي تتأثر بأسعار النفط بطريقة دراماتيكية، تربك خطط التنمية في مقابل أبسط تغيير في الأسعار، لم نعد أؤلئك الناس الذين تقلقهم الأسعار وتقلبات السياسة، بل أصبحت المملكة والاقتصاد السعودي اليوم أقوى وأصلب، وهذا كله بشهادة المؤسسات الدولية. فقبل شهر تقريبا، أكدت مؤسسة التصنيف الدولية موديز تنبؤات ممتازة ومتفائلة بشأن النمو الاقتصادي، واليوم يأتي تقرير "كابيتال إيكونوميكس" الدولي، ليؤكد أن الاقتصاد السعودي قوي، وبإمكانه مقاومة انخفاض أسعار النفط من دون الشعور بتداعيات كبيرة، حتى إن هبطت أسعار خام برنت إلى مستوى 50 دولارا للبرميل، مشيرا إلى قدرة السعودية على تمويل أي عجز تجاري من احتياطياتها من العملات الأجنبية لمدة عشر سنوات على الأقل. هذا هو الاقتصاد السعودي اليوم، وبالتأكيد فإن هذا الإنجاز يأتي بفضل الله أولا ثم بفضل خطط الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وأشرف على تنفيذها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهذا يزيد الجميع ثقة بالأمير والنهضة الشاملة التي يسعى إليها.
عندما انهارت أسعار النفط قبل سنوات قليلة، وكانت الأسواق تعيش فوضى عارمة، بذلت المملكة جهودا عظيمة داخلية وخارجية: داخلية لإصلاح الاقتصاد، فلا يتم الاعتماد على النفط لتمويل المالية العامة، وقد نتجت عن ذلك إصلاحات مست الشفافية للمالية العامة، وتحسين قدرتها على إصدار سندات، وتم إصدار سندات وصكوك لاقت نجاحا كبيرا، وأصبحت اليوم أداة للتمويل في سنوات انخفاض النفط، وفي الجهة المقابلة، تم إصلاح نظام الضريبة، وتم إقرار ضريبة القيمة المضافة مع إصلاح الدعم؛ حيث يتم سحب الدعم من السلع ومنحه المواطن المستحق له مباشرة، وهذا خفض من فاتورة الدعم، وأيضا وصل الدعم إلى المواطن المستحق له، كما تم ضبط المالية العامة، وإصلاح كفاءة الإنفاق، وتعزيز الاستثمار في البنى التحتية، التي تحقق تراكما رأسماليا، مثل خطوط السكك الحديدية، إضافة إلى إنشاء صندوق الاستثمارات العامة الواعد جدا. وفي الجانب الخارجي، تم إصلاح سوق النفط من خلال علاقات جديدة بين منظمة أوبك والدول خارجها، وهذا شهد به حتى الرئيس الروسي بوتين، الذي أشاد بدور الأمير محمد بن سلمان في ذلك؛ حيث تم الالتزام بنسبة 100 في المائة في حجم حصص الإنتاج، وهذا ما سيتم استثماره دائما لإصلاح السوق لتحقيق توازن وتدخل صحيح في الوقت المناسب. وفي هذا، يشير التقرير الدولي اليوم إلى أن المملكة لن تتأثر بتقلبات الأسعار؛ نظرا لكل هذه الإصلاحات، التي جعلت الاقتصاد السعودي قويا جدا ومتينا بشكل يجعله يمتص مثل هذه التقلبات، وهو هدف طالما سعى إليه، وها نحن نقترب من تحقيقه بشكل كامل.
إن الأمور اليوم - بالنسبة إلى الاقتصاد السعودي - أكثر وضوحا من ذي قبل، ومتانة الاقتصاد اليوم أفضل بكثير من السابق، ومع الأيام المقبلة ستكون الأمور أفضل - بإذن الله - كلما مضت الأعمال قدما بشأن تطبيق برامج "رؤية المملكة 2030"، ومع بدء كثير من المشاريع، التي تعمل اليوم، في إنتاج الدخل، ومع ذلك تبقى التقلبات في السوق النفطية مثار جدل كبير، فالتقلبات لم تزل حادة، وهي تربك خطط الدول بلا شك، رغم أن هناك اليوم كثيرا من الاحتياطيات التي لدى الاقتصاد السعودي، والتي تمكنه من امتصاص تقلبات النفط، والثبات على خطط التنمية بلا تعديل حتى عشر سنوات مقبلة، لكن لا بد للمنتجين من مراقبة أفضل للسوق، وهنا يشير التقرير الدولي السابق إلى أن هناك آلية جديدة للمراقبة المكثفة للسوق، والرد السريع على المتغيرات بما يحول دون تفاقم الأزمات الطارئة الخاصة بعلاقة العرض والطلب، وبما يدعم توازن واستقرار السوق. وننتظر من الدول المنتجة تحركا مناسبا في الأيام المقبلة.

إنشرها