FINANCIAL TIMES

«الاحتياطي الفيدرالي» يتهيأ لعلاقة أكثر ضبابية مع المستثمرين

«الاحتياطي الفيدرالي» يتهيأ لعلاقة أكثر ضبابية مع المستثمرين

على الرغم من احتجاجات دونالد ترمب، إلا أن "الاحتياطي الفيدرالي" يستعد لرفع أسعار الفائدة أكثر. السؤال أمام رئيس المجلس، جاي باول، وزملائه بمجرد أن يتجاوزا زيادة محتملة في 19 كانون الأول (ديسمبر)، هو ما المدى الذي سيحتاجون إلى الذهاب إليه، بالنظر إلى التضخم الفاتر ومجموعة واسعة من المخاطر في الأفق؟
محضر آخر اجتماع لـ "الاحتياطي الفيدرالي" لتحديد أسعار الفائدة يُشير إلى أن عام 2019 سيكون بالنسبة إلى السياسة النقدية فترة أكثر ضبابية مما اعتادت عليه الأسواق. يُمكن أن يتخلص "الاحتياطي الفيدرالي"، حالما يعقد اجتماعه المقبل، من التوجيهات التي أصبحت مألوفة الآن التي تُخبر المتداولين بأن مزيدا من الزيادات "التدريجية" في أسعار الفائدة في انتظارهم.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن دورة رفع أسعار الفائدة على وشك الانتهاء، لكنه يعني بالتأكيد أن التوجيهات ستفسح المجال لنهج أكثر ارتجالا.
ستظل الأسواق قادرة على التركيز على توقعات صناع السياسة بشأن أسعار الفائدة التي تُنشر في "الرسم البياني" الربعي لـ "الاحتياطي الفيدرالي". لكن مع دخول السياسة ما يسمى النطاق المحايد حيث لا تعمل على تعزيز الاقتصاد ولا إعاقته، يريد باول حرية أكثر في الوقت الذي يراقب فيه البيانات ويقيس كيف كانت زيادات أسعار الفائدة السابقة تؤثر في النمو والتضخم.
اعتبارا من كانون الثاني (يناير)، سيجد "الاحتياطي الفيدرالي" أيضا أن من الأسهل تغيير السياسة في أي اجتماع، لأن باول سيعقد مؤتمرات صحافية بعد كل اجتماع، ما يمكّنه من شرح قرارات اللجنة التي تحدد سعر الفائدة. في الوقت الحالي يقدم رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" إحاطات موجزة للصحافة أربع مرات سنويا، وفي السنوات الأخيرة ربط البنك المركزي تغييرات أسعار الفائدة بتلك الاجتماعات.
تحرك "الاحتياطي الفيدرالي" بعيدا عن التوجيهات الواضحة نحو نهج "يعتمد أكثر على البيانات" كان قيد الإعداد منذ فترة طويلة. فمنذ فترة تخلى "الاحتياطي الفيدرالي" عن التأكيدات بأن السياسة ستبقى "مُعينة". في أيار (مايو) جادل باول بأن التوجيهات المستقبلية ستلعب دورا أصغر بكثير مما كانت عليه خلال الأزمة المالية.
ما كان ملحوظا في أقوال "الاحتياطي الفيدرالي" خلال الأسبوع الماضي هو أن هناك إشارة أقل حماسا تسللت إلى مناقشات البنك المركزي. باول جعل الأسهم ترتفع بشكل كبير مع خطاب ألقاه يوم الأربعاء أشار فيه إلى أن "الاحتياطي الفيدرالي" لن يضطر إلى رفع أسعار الفائدة إلى حد بعيد للوصول بها إلى النطاق المحايد الذي لا يعمل على تحفيز الاقتصاد ولا إعاقته.
ومع أن محضر اجتماع "الاحتياطي" الأخير لتحديد أسعار الفائدة، في السابع والثامن من تشرين الثاني (نوفمبر)، كان بشكل عام متفائلا بشأن الاقتصاد الأمريكي، إذ كان مسؤولو البنك المركزي "جميعهم تقريبا" يتوقعون مزيدا من زيادات أسعار الفائدة، إلا أنه كانت هناك أيضا إشارات متقطعة تدل على قلق بشأن الآفاق.
بالنسبة إلى بعض المتداولين، الإشارات ذات الطابع الحمائمي تُشير إلى بنك مركزي تم ترهيبه من قِبل ترمب كي يخفف زيادات أسعار الفائدة. كان الرئيس لعدة أشهر يُهاجم باول لتشديده السياسة النقدية. في مقابلة مع "واشنطن بوست" نُشرت قبل كلمة باول في نيويورك، قال ترمب "حتى الآن لست سعيدا ولو قليلا باختياري جاي".
مع ذلك، مراقبو "الاحتياطي الفيدرالي"، مثل ديان سوونك، كبيرة الاقتصاديين في "جرانت ثورنتون"، يشكّون بقوة في أن الرئيس قادر على إملاء السياسة. قالت سوونك "الاحتياطي الفيدرالي لن يغير السياسة لأن الرئيس يقول ينبغي تغييرها".
بدلا من ذلك تجادل بأن "الاحتياطي الفيدرالي" مضطر الآن إلى أن يأخذ في الحسبان بشكل أكبر مجموعة من المخاطر العالمية، بما في ذلك خطر تصعيد التوترات التجارية مع الصين. وقالت "إنهم يُريدون المرونة. هناك عواصف تتجمع في الأفق، وهم لا يعرفون إلى أي مدى ستكون العاصفة سيئة".
وضع صناع السياسة في اجتماع تشرين الثاني (نوفمبر) مجموعة واسعة بشكل ملحوظ من المخاطر "السلبية" التي تواجه التوسع، من بينها ديون الشركات المرتفعة بشكل غير صحي، وإمكانية التعزيز الضئيل من سياسة المالية العامة، وظروف مالية أكثر تشددا، وتباطؤ النمو في الخارج، ومزيد من قوة الدولار، والمناوشات حول التجارة.
في اجتماعهم في أيلول (سبتمبر)، انخرط صناع السياسة في نقاش حول ما إذا كان عليهم دفع أسعار الفائدة إلى مستويات "تقييدية"، لكن في تشرين الثاني (نوفمبر) بدا أن هناك مشاعر لبس أكبر تحيط بموعد ومقدار الزيادة. قال بعض المشاركين في الاجتماع إنهم يتوقعون مزيدا من زيادات أسعار الفائدة، إلا أنهم لم يكونوا متأكدين متى ينبغي أن تأتي التحركات.
التغيير في اللهجة عن التصريحات التي قدمها باول في مقابلة في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) كان بارزا بشكل خاص. في ذلك الحين أكد رئيس مجلس "الاحتياطي الفيدرالي" أن هناك شوطا طويلا يجب أن يُقطع قبل أن يرفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة إلى مستويات محايدة، في الوقت نفسه الذي تحدث فيه عن مجموعة "إيجابية بشكل ملحوظ" من الظروف الاقتصادية. لكن هذا الأسبوع أكد باول أن أسعار الفائدة الآن أقل بقليل من الحد الأدنى لتقديرات "الاحتياطي الفيدرالي" للحياد – التي تراوح بين 2.5 في المائة و3.5 في المائة – ولا يوجد مسار محدد مسبقا للسياسة. وأضاف "نعرف أيضا أن الآثار الاقتصادية لزياداتنا التدريجية في أسعار الفائدة غير مؤكدة وقد تستغرق عاما أو أكثر لتتحقق بالكامل".
هذا الموقف يعني أن على "الاحتياطي الفيدرالي" أن يتوخى الحذر بشكل خاص في الوقت الذي يقيس فيه كيفية استجابة الاقتصاد لموكب طويل من زيادات أسعار الفائدة الربعية – خاصة بالنظر إلى الإشارات الدالة على أن سوق الإسكان الحساسة جدا لأسعار الفائدة فقدت الزخم. مع انخفاض مقياس "الاحتياطي الفيدرالي" المفضل للتضخم إلى 1.8 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر)، يبدو أنه لا حاجة إلى اتخاذ إجراء قوي لمنع تسارع الاقتصاد.
قال تيم دوي، الأستاذ في جامعة أوريجون "أعتقد بشكل واقعي أنهم استبقوا البيانات قبل بضعة أشهر، وأخذوا يتحدثون عن الذهاب فوق المستوى المحايد. هم يشعرون بالتوتر بعض الشيء لأن السوق تعثرت قليلا، ولأنه يبدو أن النشاط الاقتصادي تباطأ".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES