الحلوى والعقلية العربية

في واحدة من أشهر التجارب في علم النفس الاجتماعي تمت تجربة ما يسمى بتجربة الحلوى (Marshmallow Test) في جامعه ستانفورد حيث تم اختبار قوة إرادة 90 طفلا في عمر ثلاث سنوات من خلال وضع قطعة حلوى أمام الطفل ووعده بأخرى إذا استطاع أن ينتظر لمدة 15 دقيقة، تمت التجربة في بداية الستينيات واستخلصت أن من استطاع الانتظار حقق نجاحا أعلى في اختبارات التأهيل الأكاديمي واستمر التفوق وظيفيا وماليا. تعتبر هذه من التجارب الرائدة التي ظهرت نتائجها في التسعينيات، الجديد أن هناك تجربة حديثة تدحض نتائج هذه التجربة. تمت التجربة الأولى في جامعة رائدة في وسط متعلم ومرتاح ماليا في أغلبه بينما التجربة الجديدة كانت في جنوب كاليفورنيا مادتها 900 طفل من طبقات اجتماعية وعرقية ومالية متنوعة في محاولة تعكس الحالة المجتمعية السائدة. التجربة الأخيرة توصلت إلى نتيجة مختلفة، فهي مؤيدة من ناحية ولكن وجدت أن صبر الطفل له علاقة إيجابية مع المستوى الاجتماعي والمالي لأسرته من ناحية وقدرته على الصبر من ناحية أخرى. فالطفل الذي يأتي من عائلة أعلى في السلم الاجتماعي والمالي أكثر طمأنينة على الحصول على ما يريد بينما الطفل الذي من عائلة أقل حظا يعتقد أن الفرصة ربما لا تأتي مرة أخرى. التجربة الجديدة أثبتت أن الظروف الاجتماعية ومستوى الدخل أهم في تشكيل تفكير الطفل من رغباته وأحيانا من قدراته الذاتية. قد يكون من المبكر الحكم على أداء هؤلاء الأطفال لأن نجاح الأطفال مرتبط بالطبقية التي بدورها تسهل الوصول للجامعات النخبوية خاصة في الدول ذات التجربة الطويلة. في العقود القليلة الماضية أثبتت عدة دراسات أن عدم العدالة في توزيع الدخل يزداد خاصة مع ظاهرة الاقتصاد غير الملموس حيث التركيز أقوى في سلم التعليم والمهنية والأعمال. فقطعة حلوى ثانية غير مهمة حين يعتقد الطفل لا تتوافر اعتياديا بينما الطفل المعتاد على الوفرة يعتقد أنه في حال عدم توافرها فإنه بالإمكان الحصول على آيسكريم في وقت قريب. قراءة مراجعة هذه التجارب من قبل د. جاسكا كلاركومن جامعة إنديانا جعلني أحاول الربط بين خصائص العقلية التجارية عند العربي في حرصها على الكسب السريع وفيما إذا مصدرها ممارسات تربوية نشأت على مدى أجيال من بيئة عامة يغلب عليها القلة وعدم مركزية التعليم والتمايز الاجتماعي دون مرجعية علمية في أغلبه. الطابع التجاري عند العرب ملفت وتصرف منطقي في أغلب نزعاته وخدم العرب كثيرا ولكن يصعب أن نطالب هذه المنظومة فكريا وعلميا واقتصاديا أن تتعامل مع مقتضيات العصر الصناعي والعلمي الذي يعتمد على العمل الجماعي المنظم والقادر على التراكم المعرفي. التكهن واختزال مضامين تجربة علم نفس لأطفال في أمريكا لفهم العقلية التجارية عند العرب وإرهاصاتها على الأداء المجتمعي صعب على أقل ما يمكن أن يقال عنه وحتى محفوف بالمخاطر في الحكم على توجهات مجتمعية في نواحي الحياة المختلفة والمتغيرة. ولكن أيضا العقلية التجارية عن العرب وعدم الصبر والمراهنة على الكسب السريع معروفة. ولكن ممكن أن نتفق أن هناك حاجة لدراسة المجتمع ومنظومة تصرفاته ولعلها تبدأ من أقسام علم النفس في الجامعات السعودية بدراسة الأطفال قدوة بهذه التجارب الرائدة وأقسام علم الاجتماع للعقلية التجارية.