Author

البكاء عشقا على الهواء

|
كنت أتابع برنامجا تلفزيونيا على فضائية خليجية حين اتصل أحد الأزواج وهو يبكي بمرارة وبصورة تقطع نياط القلب ظننت في البداية أنه فقد أحد والديه أو أبنائه ولكن حين بدأ في طرح مشكلته انصدمت حين كان يبكي عشقا على زوجته الثانية التي هجرته بعد خلاف بينهما وكان يتوسل للمذيع أن يكون واسطة خير بينها وبينه كان يتحدث بصعوبة وصوته يتحشرج بشهقات متتالية ولن أبالغ إن أخبرتكم أنه كان يبكي كالطفل الصغير. بعد هذا البرنامج أدركت أننا نعيش أزمة حقيقية في تقدير مشاعر من حولنا وكم نصبح أنانيين حين يتعلق الأمر بما نرغب في حدوثه بغض النظر إن كان مؤلما للآخرين، هذا الزوج العاشق لو تخيل مشاعر زوجته الأولى وأم أولاده وهي تشاهد البرنامج واحتراق مشاعرها وهي تستمع إليه يبكي بمرارة لهجران الزوجة الثانية له لفكر 100 مرة قبل أن يتخذ هذه الخطوة. الرجولة الحقيقة ألا تجرح كبرياء امرأة وتطعنها في أنوثتها وتشعرها بعدم قيمتها في حياتك والرجولة الحقيقية أن تجعل المرأة تشعر بأنها ملكة بوجودك لا أسيرة ذليلة تقبع في عالم العدم، ولنفترض جدلا أنه فعلا يهيم عشقا بالزوجة الثانية فقد كان من المفترض به أن يراعي مشاعر أم أولاده، لا شيء في هذا العالم يبرر للزوجة الأولى دموع زوجها وهو يبكي لوعة وشوقا لضرتها، ثم نأتي للطامة الكبرى وهي طريقة تعاطي المذيع مع هذا الموقف الذي كان من المفترض أن ينظر له بكل أبعاده الإنسانية وتفاصيله التي أجزم أنه لا يعرف عنها شيئا فقد انضم إلى "جوقة" الزوج الباكي في رفع صوت التوسلات للزوجة الثانية كي تغفر وتسامح زوجها بعد أن "مسحت به البلاط" كما يقولون أمام الناس ودفعته للبكاء كطفل سقطت منه الحلوى على التراب. تساءلت وأنا أشاهد هذه المهزلة ماذا لو أن المذيع تخيل أن ابنته هي الزوجة الأولى لهذا العاشق الباكي؟ فهل يرضى أن يجرح زوجها مشاعرها أمام المشاهدين بهذا الشكل المزري على طريقة "اللي ما يشتري يتفرج"؟ وهل سيسمح لها بالبقاء مع زوج يرى حياته لا معنى لها دون ضرتها؟ أما خاتمة هذه المسرحية الهزلية فقد كان اتصالا من الزوجة تضع فيه شرطها حتى تعود للزوج الباكي وموافقته الفورية على ذلك. لا أحد سيحاسبك على ميل قلبك لكن كبرياء تلك الزوجة الأولى سيحاسبك يوما أنك جرحته أمام الملأ.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها