FINANCIAL TIMES

اقتصاد الوظائف المرنة يغير وجه الخدمات الاستشارية

اقتصاد الوظائف المرنة يغير وجه الخدمات الاستشارية

أندرو إيدجكليف – جونسون من لندن

عندما بدأ روب بيديرمان وبات بتيتي في كلية هارفارد للأعمال في عام 2013، تم منح كل طالب خمسة آلاف دولار لإطلاق شركة مصغرة. يتذكر بتيتي: "كان هناك كثير من شركات القمصان والبرمجيات". لكن كان لدى الثنائي فكرة أكبر: اقتصاد الوظائف المرنة يمكنه النجاح أيضا بالنسبة لموظفي المكاتب المهرة، والسائقين، وسعاة البريد.
عمل بتيتي الذي يبلغ من العمر الآن 35 عاما، في مجال الاستشارات واعتقد أن الصناعة كانت "تفتقر إلى الكفاءة بشكل لا يصدق". غالبا ما كان والد بيديرمان يطلب من مستثمر الأسهم الخاصة السابق مساعدة شركته الصغيرة. لذا قرر الثنائي إنشاء سوق على الإنترنت من أجل ربط الاستشاريين المستقلين بالشركات التي ربما لم تكن قادرة على توظيف حملة ماجستير إدارة الأعمال في السابق. وأطلقا عليها اسم "أورلي نيرد" Hourly Nerd.
يتذكر بيديرمان ـ يبلغ من العمر 32 عاما، "ذهبنا إلى محال التنظيف الجاف والمغاسل ومحال البيع بالتجزئة حول ساحة هارفارد". وظفهم مطعم بوريتو للعمل على كيفية زيادة حركة البيع وقت الغداء، وأرادت الحصول على بيانات أفضل من سجلها الجديد.
تلك المشاريع الأولية البسيطة تناقض الافتراض الأولي الطموح الذي يدفع الشركة التي غير بيديرمان وصديقه اسمها منذ ذلك الحين إلى "كاتلانت" Catalant: مستقبل العمل الأكثر مرونة سيعيد تعريف معنى الموظف.
يقول بيديرمان: "الناس يسيطرون على وظائفهم، وكثير من الاتجاهات في اقتصاد الوظائف المرنة يبدأ الظهور في الشركات الأكبر".
خوارزميات "كاتلانت" تجري تقييما للمشاريع التي تحتاج الشركات إلى موظفين للعمل فيها، ثم تبحث عن السير الذاتية والتغذية الراجعة من الوظائف السابقة، للعثور على أفضل تطابق بين 55 ألف شخص على منصتها.
سجلت الشركة التي يقع مقرها في بوسطن آلاف الشركات، بما في ذلك أكثر من 30 شركة من قائمة "فورتشن 100" وأسماء أخرى مثل "جنرال إلكتريك" و"هيس" و"رويال دتش شل" و"ستابلز". ومن خلال تحصيل رسم نسبته 20 في المائة، صعدت إيراداتها من 50 مليون دولار في عام 2017 إلى معدل سنوي يبلغ 100 مليون دولار حاليا.
وهناك كثير من أسواق العمل لحساب الشخص الخاص: يمكنك العثور على شخص لتجميع خزانة كتبك على موقع هاندي، أو تطوير موقع الويب الخاص بك على "جيجستر"، ويمكنك نقل ضيوف حدث تنظمه شركتك بواسطة "أوبر". ومقابل مبلغ زهيد، يستطيع موقع ميكانيكال ترك Mechanical Turk من أمازون تعيين المهام البسيطة التي لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر أداءها بشكل جيد.
في المقابل، المجالات التي تشهد أكبر طلب من عملاء "كاتلانت" هي قطاع المهندسين المهرة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، وقواعد البيانات المتسلسلة، والأمن السيبراني. يقول بيديرمان: "هذا يشبه اقتصاد الوظائف المرنة بالنسبة لذوي الياقات البيضاء".
لا تحتاج كل مشكلة إلى موظفين جدد، أو إلى قوة استشارية كاملة من أجل حلهاز ويلاحظ بيديرمان إن الوظيفة الأنموذجية لـ "كاتلانت" تستمر من أربعة إلى ستة أسابيع.
مارك نونليلي، عضو مجلس إدارة في شركة كاتلانت ومستثمر سابق في الأسهم الخاصة أصبح الآن أعلى مسؤول تكنولوجيا في ماساتشوستس، يقول "هناك الكثير من النفقات العامة في الشركات الكبيرة من أجل توظيف استشاري أو شخص جديد عندما تكون المشكلة [غالبا] كبيرة لكن قصيرة الأجل".
كاتلانت تقدم طريقة لاستقطاب "المواهب المبتكرة والمرنة الأصغر التي لا ترغب في الانضمام إلى شركة أكبر"، كما تقول سو سيجل، كبيرة مسؤولي الابتكار في "جنرال إلكتريك"، التي كان لها دور أساسي في استثمار "جنرال إلكتريك فنتشرز" في "كاتلانت" في وقت لم يكن لدى مؤسسيها سوى القليل، إضافة إلى خطة العمل. (ومنذ ذلك الحين، جمعت كاتلانت 73 مليون دولار من مستثمرين من بينهم رجل الأعمال، مارك كوبيان، وجنرال كاتاليست، وجري لوك بارتنرز، وهايلاند كابيتال بارتنرز).
تقول سيجل: "من الصعب جدا التعيين في سوق الذكاء الاصطناعي. كنا نقول في جنرال إلكتريك، أنت دائما ما تحاول ترقية الموظفين من الداخل. سوف نستمر في ذلك لكننا سنضيف أيضا موهبة خارجية محددة عندما تكون هناك معرفة محددة بالمجال وحاجة إلى السرعة".
من المرجح أن تنمو تلك الحاجة في الوقت الذي تتحرك فيه التكنولوجيا بشكل أسرع مما تستطيعه معظم الشركات، كما يقول جو فولر، عضو مراقب في مجلس إدارة كاتلانت الذي يقود مبادرة كلية هارفارد للأعمال حول إدارة مستقبل العمل. يقول: "ما يمكنك رؤيته في الشركات ذات الأحجام المختلفة هو تزايد في اختلال التوازن بين العرض من أشخاص ذوي مهارات محددة – مثل التسويق الرقمي أو الاستراتيجية الرقمية – وبين الطلب عليهم. لن يتم سد تلك الفجوة بسرعة".
ويرى سيجل وفولر أن كاتلانت تستفيد من تغير الأجيال. تقول سيجل: "بعض من جيل الألفية لا يريدون العمل في وظيفة بدوام كامل". ويضيف فولر: "لن يتحملوا العمل في وظيفة حيث يجدون أنفسهم بدون تقدم، ويمضون الوقت في انتظار الترقية. يتجلى ذلك في مشكلة دوران عميقة بين الأشخاص الذين ترغب الشركات في الاحتفاظ بهم أكثر من غيرهم". هذه ليست ظاهرة خاصة بجيل الألفية: متوسط عدد العالمين لحسابهم الخاص في كاتلانت 42 شحصا، والشركات تستخدم المنصة لإعادة التواصل مع الموظفين المتقاعدين.
ومع أن 80 في المائة من أعمال كاتلانت هي ربط الشركات بالعاملين لحسابهم الخاص، إلا أن هناك أقلية متنامية من الإيرادات تأتي من مساعدة الشركات على فهم – وحشد – المواهب الداخلية.
أطلقت شركة شل مشروعا تجريبيا بين أكثر من 500 موظف في كانون الثاني (يناير) مع هذا الهدف. يقول هيوبيرت فيجيفينو، الذي يشرف على عمليات زيوت التشحيم والطيران في شل: "يمنحك ذلك فعلا الكثير من الشفافية حول الفرص التي قد يرغب الأشخاص في الحصول عليها. يمكننا الآن تحسين مواردنا داخليا بدلا من البحث في الخارج". ربما بدأ مؤسسو كاتلانت بوجهة نظر تقول إن الاستشارات تفتقر إلى الكفاءة لكنهما قلقان من التنبؤ بأنهما سيعطلان أعمال الشركات التي من قبيل "باين" و"ماكينزي". ولأن هناك 3500 شركة استشارية صغيرة تتسابق عبر المنصة، يقول بيديرمان "نحن أحد مصادر الطلب على الشركات الاستشارية".
شركات أخرى، مثل كوماتش في ألمانيا، وركسوم في الدنمارك، وأوتسايزد التي تركز على المجال المالي، عثرت على فرصة مماثلة لتحسين كيفية عثور الشركات على المستشارين. يقول نونيلي: "إذا نظرنا إلى ما ينفقه الناس على الاستشارات الإدارية التقليدية واستشارات تكنولوجيا المعلومات، فهذه مشكلة كبيرة جدا تستدعي إنفاق المليارات من الدولارات".
يرى بيديرمان أن كاتلانت ستحل مشكلة أكبر: "الطريقة غير المثلى من الناحية الاجتماعية" التي يتم بها تخصيص العمل تتعرض الآن للتفكك. "من الناحية التاريخية، كنا نوائم حياتنا مع ظروف العمل. أعتقد أن الناس على منصتنا استطاعوا التخلص من هذه العقلية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES