FINANCIAL TIMES

ديون الشركات .. عواقب سلبية تنتظر المفرطين في الاقتراض

ديون الشركات .. عواقب سلبية تنتظر المفرطين في الاقتراض

عندما يبدو الائتمان محفوفا بالمخاطر وعدم الوضوح، سرعان ما يولي المستثمرون انتباههم، ولأسباب وجيهة.
المشاكل التي تعانيها أسواق الائتمان الأوروبية والأمريكية الآن تذكرنا بفترات مزعجة حدثت في الماضي.
بعضهم وصف المشاكل في "جنرال إلكتريك" بأنها نذير تصفية حساب كبيرة، تماما مثلما أدى تخفيض التصنيف الائتماني لشركتي صناعة السيارات الأمريكية "فورد" و"جنرال موتورز" في عام 2005 إلى حدوث تشنج ائتماني في ذلك العام.
الذكرى الائتمانية الأخرى التي تقشعر لها الأبدان تظهر من انفجار فقاعة التكنولوجيا في مطلع القرن، وهي تصفية حساب كانت أخف مما شهدناه في عام 2008. مع ذلك، هذه الفترة تتميز بخروج المستثمرين من الائتمان فجأة وعلى عجل، فقط ليجدوا أنفسهم أمام باب ضيق بصحبة كثير من المستثمرين الآخرين.
مع اقتراب عام 2018 من نهايته، تراجعت مؤشرات السندات من الدرجة الاستثمارية والسندات ذات العوائد المرتفعة، الأمريكية والأوروبية، من حيث إجمالي العوائد خلال العام. ينبغي أن تعود إلى عام 2008، إلى الوقت الذي كان فيه الائتمان المؤسسي يعيش مثل هذا الذعر.
عندما بدأت الأسهم انخفاضها في أوائل تشرين الأول (أكتوبر)، كان الائتمان قادرا على الصمود في البداية. هذا دعم فكرة أن الأسهم كانت تشهد تصحيحًا مرحبًا به. لكن في الأسابيع الأخيرة ارتفعت علاوات المخاطر للسندات الأمريكية والأوروبية، كما تقاس بالفروق في عائدات السندات الحكومية، إلى مستويات شهدناها سابقا خلال الصيف وأواخر عام 2016.
بناءً على حجم التوقعات المتشائمة لعام 2019، هناك مخاوف كبيرة فيما يتعلق بالائتمان في الحي المالي في لندن وفي وول ستريت. أي أننا في طريقنا إلى مرحلة متأخرة من دورة أنموذجية نواجه فيها العواقب السلبية غير المتوقعة لتجاوزات اقتراض الشركات، وهي النتيجة التي عادة ما تفاجئ عديدا من المستثمرين الذين اعتادوا على أوقات الرخاء.
يمكن للمرء أن يجادل بأن الأداء المروع الذي شهده الائتمان هذا العام دلالة على انسحاب البنوك المركزية من عصر المال السهل، وبالتالي تم تسعير كثير من الألم في السوق.
مثلا، اتسعت هوامش أرباح السندات من الدرجة الاستثمارية باليورو، حيث سينهي البنك المركزي الأوروبي قريبا مشترياته لسندات الشركات، بعد أن اشترى ما قيمته 175 مليار يورو من هذه السندات منذ حزيران (يونيو) 2016. في المقابل، تضررت سندات اليورو ذات العائد المرتفع بشكل أكبر.
ومع زيادة سرعة التشديد الكمي، لم تغب صدوع الائتمان عن بال بعض المستثمرين. قال أندرو ميليجان، رئيس الاستراتيجية العالمية لدى "أبردين ستاندرد إنفستمنتس"، إنه كان ينظر إلى الانخفاض في السندات الأوروبية ذات العوائد المرتفعة وسندات الأسواق الناشئة، عندما كانت هناك درجة من البيع القسري توجد الفرص.
لكنه ظل حذرا من السندات الأمريكية والأوروبية من الدرجة الاستثمارية بسبب مستويات الرفع المالي العالية. أما بالنسبة للسندات الأمريكية ذات العوائد المرتفعة، فهو يرى أن التداعيات الناجمة عن التراجع في أسعار النفط تلقي بظلالها الطويلة، نظرا للأهمية الكبيرة لقطاع الطاقة.
بالنسبة للمستثمرين في السندات طويلة الأجل، تتلخص القصة فيما إذا كانوا سيستردون أموالهم مع مرور الوقت من الشركات أم لا. الاقتصاد المعتدل الذي لا يزال يسمح للشركات بتوليد نمو الأرباح يعني أن الضعف الائتماني الذي حدث أخيرا يمكن السيطرة عليه.
بالطبع، الجوانب الفريدة لهذه الدورة الائتمانية، مثل التوسع القياسي في الحجم، وآجال الاستحقاقات الطويلة، وانخفاض أوجه حماية المستثمر، وضعف نوعية التصنيف، تصاحبها أيضًا تغييرات عميقة أخرى.
محاولة بيع سندات الشركات لم تكن سهلة أبدا، والأنظمة الأكثر صرامة المطبقة على المصارف خففت من دورها في تسهيل توجه المستثمرين نحو الخروج.
علاوة على ذلك، هناك كثير من مراكز السندات التي على شكل مجموعات، مثل الصناديق المتداولة في البورصة. وكما رأينا من قبل، هذا يمكن أن يفاقم ضغوط البيع عبر سوق الائتمان واسعة النطاق.
مقابل تلك الديناميكية، فإن ما يقلق الكثيرين في السوق هو توسع السندات ذات التصنيف الائتماني BBB، التي يبلغ حجمها الآن 2.5 تريليون دولار، ارتفاعًا من 670 مليار دولار في عام 2008.
النمو الهائل في السندات من الدرجة الاستثمارية ذات التصنيف المنخفض - كانت تمثل ثلث السوق الأمريكية في عام 2008 والآن تمثل نصف الشركات الاستثمارية العالمية في كل من أوروبا وأمريكا – يبين إفراط الشركات في الاقتراض على خلفية انخفاض أسعار الفائدة الذي شجع المستثمرين على تأمين عائدات ذات معدل ثابت عن طريق سندات الشركات.
مع مشترين راغبين، استفادت شركات الأسهم الخاصة وصناع الصفقات فائدة كاملة من التمويل السهل وطفرة عمليات الدمج والاستحواذ القياسية.
لكن كما أوضحت شركة فيديليتي، النمو في الرفع المالي في سوق السندات ذات المرتبة الائتمانية BBB في الولايات المتحدة مقابل أوروبا بالكاد يمثل صورة مريحة. تباطؤ نمو أرباح الشركات سيزيد من حساسية السوق تجاه حالات الإجهاد في الميزانيات العمومية.
ربما يواجه كثير من الشركات أوقاتا عصيبة لتحسين ميزانياتها العمومية في الوقت الذي سيتباطأ فيه الاقتصاد في العام المقبل، إذ إن هناك خطرا في أن تصبح عملية تخفيض التكلفة بمنزلة رياح معاكسة للنشاط الواسع، وبالتالي تستنزف مشاعر المستثمرين في سوق الائتمان.
التحدي بالنسبة لمستثمري السندات هو محاولة قياس مقدار السندات ذات التصنيف الائتماني BBB التي ستصبح في النهاية سندات خطرة، وهي عملية لإعادة التسعير قد تضعنا بين حالتي انهيار الائتمان السابقتين من حيث الخسائر والتقلبات.
أمر آخر ينبغي مراقبته هو ما إذا كانت صناديق الأسهم الخاصة التي أصبحت لاعبا أكبر بكثير في الائتمان، ستلتزم بالنظرة طويلة الأمد ولا تنضم إلى موجة التدافع نحو باب الخروج.
مصرف مورجان ستانلي يذكرنا بأن "التحول في دورة الائتمان لا يحدث في فترة زمنية محددة، بل على مراحل، وخلال عدة سنوات، تبدأ عندما يكون النمو قويا".
وكما يمكن أن يشهد كثيرون ممن لديهم ذكريات عن أوائل القرن الحالي وعن 2007، انهيار الائتمان سيتسلل إليك بالتأكيد، أو لإعادة صياغة عبارة إيرنست همنجواي، هناك مرحلتان في الإفلاس: "تدريجيا، ثم فجأة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES