Author

قمة الأرجنتين .. التحديات العالمية بحاجة إلى حلول حاسمة

|
لا أحد يمكنه إخفاء التوتر التجاري بين بعض البلدان الكبرى، بينما تنعقد قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين، التي انطلقت أمس في العاصمة بوينس آيرس، كما لا يمكن تجاهل التوترات السياسية التي يشهدها العالم في مختلف المناطق، خاصة الأخيرة بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب المواجهة البحرية الأخيرة بين موسكو وأوكرانيا، يضاف إلى ذلك ملفات عديدة بعضها متفق عليه، وبعضها الآخر لا يمكن أن يحل في قمة أو حتى أكثر، لأنه يتطلب مزيدا من الوقت والاتصالات والمرونة بين جميع الأطراف. قمة مجموعة العشرين تنعقد و"المواجهة" التجارية تجري بين الولايات المتحدة والصين، وحتى مع الاتحاد الأوروبي، بسبب موقف إدارة دونالد ترمب، التي تعتقد أن قوانين التجارة العالمية تظلم بلادها، ما أدى إلى مطالبتها بإصلاح منظمة التجارة العالمية نفسها. وهذا ما ذهب إليه رئيس الأرجنتين، الدولة المستضيفة لهذه القمة التاسعة، في كلمته الافتتاحية، أن التحديات العالمية بحاجة إلى حلول عالمية، مطالبا بتجاوز الخلافات على أسس مبنية على الحوار، "حيث بالحوار نستطيع بناء مستقبل مشرق نقضي فيه على الفقر، كما أن هنالك فرصا للتقدم رغم التحديات على مختلف المستويات، من أجل تحقيق بناء البنية التحتية، وحسم الصراعات التجارية وأيضا التنمية المستدامة". والحق أن المواجهات التجارية تنطلق مع إجراء من طرف، ورد مباشر من الطرف الآخر، ولا تترك مجالا للتفاهم. ومن هنا فإن المحادثات في قمة العشرين لا شك تضمنت بمساحات كبيرة مشكلة التجارة العالمية ككل، ناهيك عن اللقاءات الثنائية التي تتعاطى مع هذه المسألة على وجه التحديد، علما بأن العالم نفسه يحتفل بانتهاء آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت العالم في 2008، بينما يعتقد قادة مجموعة العشرين "وغيرهم" أن هذا العالم لا يتحمل نشوب أزمة أخرى، بصرف النظر عن شكلها أو من يقف وراءها. ولكي يكون هناك إنجاز ما، فضّل الرئيس ترمب أن يعلن من الأرجنتين الاتفاق التجاري بين بلاده والمكسيك وكندا، الذي سيحل مكان اتفاقية "نافتا" الشهيرة. هناك قضايا كثيرة تناقشها قمة مجموعة العشرين، بما في ذلك التغير المناخي الذي يصطدم في الواقع بموقف أمريكي صارم. والمشكلة هنا أن هذه القضية محورية لأن المجموعة تسيطر في الواقع على أكثر من 85 في المائة من الناتج المحلي العالمي، أي أنها مسؤولة بمستويات مختلفة عن التغير المناخي، علما بأن هناك دولا "وفي مقدمتها المملكة" تعمل منذ سنوات على الحد المقبول من هذا التغير الخطير، وتبنت سياسات واستراتيجيات ومبادرات من أجل تحقيق ذلك. هناك كثير المسائل ستطرح، دون أن ننسى تبعات اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو الاتفاق الوحيد المتاح من قبل كل الأطراف المعنية. مع أهمية الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي نفسه أعلن صراحة أن الاتفاق يصب في مصلحة الاتحاد الأوروبي وليس مصلحة المملكة المتحدة. المهم أن القضايا السياسية تتصدر أيضا المشهد العام لقمة مجموعة العشرين، مع وجود أزمات متفاعلة وأخرى تتطلب مواقف عملية من أهم مجموعة عالمية، لكن تبقى الأمور التجارية والاقتصادية بشكل عام الرئيسة في هذا المجال. بالطبع لا أحد يتوقع أن تكون هناك اتفاقات حاسمة حول قضايا مختلف عليها، لكن انعقاد القمة يوفر ساحة ضرورية لقادة المجموعة من أجل الوصول إلى قواسم مشتركة، ربما في الأيام المقبلة. فالجميع يعلم أنه لا يمكن حل القضايا عبر المواقف الجامدة غير القابلة للتغير أو التعديل. ومن هنا المرونة مطلوبة في كل شيء، وأهمها اليوم مواضيع التجارة العالمية، ولا سيما في أعقاب نشوب ما يمكن تسميته بمعارك الرسوم والرسوم المضادة. وهذه المعارك يمكن ببساطة أن تتحول إلى حرب، لا يتحملها العالم الآن، ولا حتى في المستقبل.
إنشرها