Author

التربية والاعتداء

|
تدل كل حقائق الكون على قدسية العلاقة التي تربط الأسرة، والاهتمام الذي لا يمكن إغفاله من قبل الآباء والأمهات بمصالح الأبناء، حتى أن كل واحد منا لا يتمنى أن يفوقه في المنصب أو العلم والإنجاز سوى ابنه، بل ويفرح بذلك، ومنها ما يتخذ مثلا يمدح الأبناء أمام الآباء بقول: "لعلك تغدو خيرا من أبيك" فيسعد كل أب لأن الحب الجارف هو ما يحكم العلاقة الكبرى في أفراد الأسرة. الواقع أن كل أب وأم يسعدان بالأمر، وهما المستفيد الأول من جزئية مهمة وهي بر الأبناء والبنات، ويمكن من هذه الناحية أن يتمنى الواحد أن يكون ابنه أبر منه، وهو أمر يندر حدوثه؛ لأن عقوبات العقوق تشاهد في الحياة الدنيا غالبا. بدءا من هنا، لا بد أن تسيطر هذه الفكرة والمنهجية على كل حكم نصدره بحق الآباء والأمهات خصوصا عندما يكون الحديث عن التجاوزات التي يشاهدها الواحد تربويا. إن محاولات أولياء الأمور التي ترمي لتحقيق معادلة إنشاء جيل أفضل منهم، تبدأ وتنتهي من نقاط أساس في فكر وقناعات أصحابها. هناك من يرى أن العيوب ستنتهي باستخدام العقاب الجسدي، وهو ما كان يؤمن به كثير من أسلافنا. وثبت لهم نجاحه بالدليل القاطع فاستخدموه كوسيلة للتربية وضمان حسن الأداء في مستقبل الأبناء. القسوة التي تهدف لتحقيق التمسك بالقيم المحددة، كانت هي الفاصل في حياة الكثيرين تعاني اليوم من ارتباطها بحقوق الإنسان ومنع السيطرة الكاملة على حياة الصغار من قبل من يكبرونهم. صحيح أن هناك شواهد لمناسبة القسوة في فترة معينة، لكنها في النهاية لم تكن لتحقق أي إنجاز ملموس يمكن أن نجعله مبررا يقنع من يعارضون المبدأ لأنه يعتمد على رؤية الشخص وقدرته على التأثير في حياة من يحتاجون إليه أو يقعون ضمن محيط تأثيره الشخصي. حققت القسوة القليل من الإنجازات وعندما كانت تتجاوز حدودها تحولت في حالات كثيرة لكراهية دائمة يكنها الأبناء للآباء مهما بدوا محبين أمام الناس. في تلك الحالة يمكن القول إن القسوة لم تولد في النهاية سوى نماذج مشوهة للآباء على شكل آباء قساة جدد. وهو ما يجعل البحث في الدلال الذي يعيشه أبناء اليوم ضربا من الكشف غير المنضبط لفساد المنطق والانقلاب عليه.
إنشرها