Author

«مجموعة العشرين» والمبادرة بتعزيز النمو

|
بينما يلتقي قادة مجموعة العشرين في الأرجنتين اليوم وغدا، يواجه الاقتصاد العالمي منعطفا حرجا. فقد مررنا بفترة جيدة من النمو المرتفع بالمعايير التاريخية، لكننا الآن نواجه فترة بدأت تتحقق فيها مخاطر كبيرة وبدأت تلوح في الأفق غيوم أكثر قتامة. ولما كانت البيانات الاقتصادية مخيبة للآمال في الآونة الأخيرة، يجب ألا نسمح لأنفسنا بالاستسلام للعقبات. بل يجب أن نتحلى بالطموح، بما في ذلك تنفيذ مجموعة إصلاحات متعددة المستويات، ما يمكن أن يعطي دفعة إضافية بواقع 4 في المائة لإجمالي الناتج المحلي في بلدان مجموعة العشرين. ويتوقف النجاح في هذا الصدد على سرعة تحركنا - وتضافر جهودنا لتحقيقه. ويتنبأ الصندوق في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في أكتوبر الماضي بأن يبلغ النمو العالمي 3.7 في المائة في عامي 2018 و2019. وتقل هذه التقديرات بمقدار 0.2 نقطة مئوية عن تقديراتنا السابقة في شهر يوليو – وهو ما يرجع في الأساس إلى تزايد الضغوط الخارجية والمالية على الأسواق الصاعدة وارتفاع التوترات التجارية بشكل ملموس. وتشير البيانات الأخيرة إلى أن هذه العوامل المعاكسة ربما تكون قد أبطأت الزخم حتى بأكثر مما توقعنا في السابق. فعلى سبيل المثال، كان النمو في الربع الثالث من العام منخفضا بصورة غير متوقعة في اقتصادات الأسواق الصاعدة مثل الصين، وفي منطقة اليورو. ويمكن أن تتأثر الثقة بدرجة أكبر إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول ترتيبات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وعلى المدى المتوسط، ولا سيما في الاقتصادات المتقدمة، نتوقع تراجُع النمو بسبب العوامل الديمغرافية المعاكسة وبطء الإنتاجية. وينطبق هذا على الولايات المتحدة، بمجرد انتهاء دفعة التنشيط المالي التي بدأت أخيرا. وإضافة إلى ذلك، يؤدي عدم المساواة المفرط في عدد ضخم من البلدان إلى الإضرار بكثير من الأفراد – كما يهدد بإضعاف التأييد الشعبي للإصلاحات التي من شأنها رفع الإنتاجية. فما الذي يمكن القيام به لمعالجة هذه التحديات؟ أود تسليط الضوء على ثلاث أولويات. يستطيع صناع السياسات البدء في توسيع حيز المناورة من خلال المالية العامة، حتى تتوافر لهم الموارد اللازمة لتقديم دعم أكبر للاقتصاد إذا ما طرأ ضعف كبير على النمو. ويعني هذا إجراء عملية ضبط مالي فعالة في الوقت الراهن، خاصة في البلدان عالية المديونية مثل إيطاليا وعدة اقتصادات صاعدة. ومن حيث السياسة النقدية، ينبغي مواصلة العملية الجارية لاستعادة أسعار الفائدة إلى مستوياتها العادية في كثير من الاقتصادات المتقدمة، باتباع مسار تدريجي يقوم على الإفصاح الجيد ويعتمد على البيانات. وليس هذا في مصلحتنا فقط، بل إنه يساعد أيضا على تجنب تعريض الآخرين لاضطرابات لا داعي لها. والخبر السار في هذا الصدد هو أن عودة السياسة النقدية العادية تشير إلى نمو قوي نسبيا في الاقتصادات المتقدمة. غير أن تشديد السياسة النقدية في الشهور الأخيرة، - الذي اقترن بتصاعد التوترات التجارية - قد كثف الضغوط الخارجية بالنسبة إلى بعض الأسواق الصاعدة. فكيف يمكن أن تتصرف إزاء هذا الموقف؟ على البلدان التي تتسم أهدافها التضخمية بدرجة جيدة من الثبات أن تعتمد على مرونة سعر الصرف لتخفيف الضغوط الخارجية. وإذا كانت هذه الضغوط تهدد بإحداث اضطرابات، يمكن أن تسهم إجراءات إدارة التدفقات الرأسمالية بدور في هذا الخصوص، باعتبارها جزءا من حزمة سياسات أوسع نطاقا. ونعلم أن تصاعد الحواجز التجارية يؤدي بكل الأطراف المشاركة إلى إلحاق الهزيمة بأنفسهم في نهاية المطاف. ومن ثم، يتعين على كل البلدان أن تبتعد عن أي حواجز تجارية جديدة، مع التراجع عن التعريفات الجمركية التي تقررت أخيرا. والواقع أن أمامنا فرصة فريدة لتحسين النظام التجاري العالمي. وتشير أبحاث الصندوق إلى أن تحرير التجارة في الخدمات يمكن أن يضيف نحو 0.5 في المائة، أو 350 مليار دولار أمريكي، إلى إجمالي الناتج المحلي في مجموعة العشرين على المدى الطويل. وفي الوقت نفسه أيضا، يمكن أن يؤدي تضافر جهود البلدان المنفردة إلى تعزيز اقتصاداتها، وتقليص الاختلالات العالمية، وتعزيز الاقتصاد العالمي. ومن أمثلة ذلك أن ألمانيا يمكنها استخدام ما لديها من حيز مالي لدعم نموها الممكن، وذلك بزيادة الاستثمار وتحفيز العمالة على المشاركة في سوق العمل؛ بينما يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في هذا الصدد بتخفيض عجز ماليتها العامة؛ كما يمكن للصين أن تسهم أيضا بالمضي في جهودها الجارية لاستعادة توازنها الاقتصادي. وبعد عقد من الأوضاع الاقتصادية الميسرة نسبيا، يحتاج كثير من البلدان أيضا إلى معالجة مستويات الدين القياسية – التي تبلغ مجتمعة 182 تريليون على مستوى العالم حسب تقديرات الصندوق. وإضافة إلى ذلك، من الضروري زيادة الشفافية فيما يتعلق بحجم الاقتراض وشروطه، خاصة في البلدان منخفضة الدخل. وبصورة أعم، تتطلب مخاطر القطاع المالي اتخاذ إجراءات لمواجهتها، منها تجنب التراجع عن الإنجازات التي تحققت في تنظيم القطاع المالي بعد الأزمة المالية. وقد تبنت الأرجنتين كرئيس لمجموعة العشرين موضوعا يمثل أولوية حاسمة – وهو بناء توافق في الآراء لتحقيق تنمية عادلة ومستدامة. لكن التقدم بطيء للغاية في الوقت الراهن. فكيف يمكن تعجيله؟ يمكن لمعظم الاقتصادات المتقدمة الأعضاء في مجموعة العشرين أن تستفيد من تخفيف القيود في أسواق المنتجات لتحفيز الابتكار وتخفيض الأسعار. ففي اليابان وكثير من بلدان منطقة اليورو، على سبيل المثال، تعلق أهمية كبيرة على تيسير الحصول على الخدمات المهنية. وفي كندا وألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها، من الضروري تقديم دعم أكبر للجهود البحثية.
إنشرها