Author

من إدارة الهم إلى إدارة الإنجاز

|
قد نشعر بالعجز والحيرة أثناء القيام بمهامنا اليومية تفاعلا مع أفراد الأسرة أو زملاء العمل وبقية الأصدقاء. في كثير من المواقف يكون الوضع في جوهره مشكلة إدارة بحتة، يتم فيها التعامل مع أفراد ومهام في سياق معين يخضع لتصورات محددة مسبقا، وأحيانا تجارب جديدة لا نملك خبرة التعامل معها. ولسبب ما، يشعر أحدهم بالورطة أو قلة الحيلة، ويضطر إلى تفسير حالة النشاز المزعجة - والتفاعل معها بناء على تفسيره الشخصي - إما بالتجاهل والهرب من "ناقصي العقل"، أو باتهامهم بالتقصير في الفهم أو الأداء، وربما بالاستغراب والتعجب. في معظم الحالات ينتهي من يشعر بالعجز إلى أحد أمرين: أن الآخرين يخطئون التقدير والتعامل، أو أنه غير كفء، مشككا في قدراته الذاتية، في معظم الحالات كذلك، استنتاجه خاطئ. المشكلة الحقيقية أننا نخسر كثيرا من مواردنا المهمة بسبب هذا النوع من المشكلات. سأبدأ من النهاية، ما الموارد الفردية المهمة التي نخسرها بسبب هذه المشاعر والتجارب غير اللطيفة؟ وأقول عنها غير لطيفة لأنها حالات من النشاز تخلو من الإنجاز، يكتسيها الهم والغم، ونلقي فيها اللوم على الغير، على الرغم من أن مصائر الأفراد في العادة تكون نتائج لأفعالهم وليست نتائج لأفعال الآخرين. من أول الموارد الحساسة التي تتأثر بالهدر والخسارة هي المشاعر، فليس هناك أثمن من الحالة العاطفية لرجل أو امرأة، وليس هناك أقسى من تأثر يحصل بدون سبب وجيه. من المزعج فعلا أن تسوء الحالة المزاجية أو يتعكر صفاء أحدهم بسبب غير موجود، أو مجرد سوء فهم، أو لغياب دور تنسيقي بسيط. يغتم أحدهم ويشعر بثقل الدنيا على كاهليه وينحصر وينحشر في زوايا ضيقة بلا خيارات خاسرا أول وأحيى موارده، أي مشاعره، وهو في الحقيقة مجرد سوء فهم، أو سوء ظن. هناك مورد مهم آخر ينبثق عن المشاعر، وأحيانا يرافقها بشكل مستمر يؤثر فيها ويتأثر بها، وهو العلاقات. أسوأ ما يريد أن يفقد أي إنسان علاقاته الجيدة مع من حوله، فالعلاقات مورد ثمين جدا لممارسة الإنسانية ومتطلبات الحياة الإنسانية. وأسوأ ما يكون سببا لتأثر هذه الموارد هو مشكلة إدارية تنسيقية تخرب أو تهدم من حجم وجودة شبكة العلاقات الشخصية لكل فرد. ما يزيد الطين بلة، أن معظم من يواجه هذا النوع من التعرضات يكون أساسا ضعيفا في إدارة علاقاته، فهو يدمر ويسيء لكيان هش وضعيف ولا يحتمل أي ضغوط. ناهيك عن أن الخسارة هنا متعدية، وتنتقل في معظم الحالات إلى التأثير سلبا في مشاعر الآخرين، فالخسارة ليست خسارة علاقات فقط، إنما ضرر واضطراب لمورد ثمين عند الغير كذلك. المورد الثاني الذي يهدر بشكل دائم هو الوقت، فالتجربة الفاشلة المبنية على سوء الفهم هي تضييع للوقت وتشويه مباشر للإنتاجية الفردية، في البيت والعمل وفي أي مكان آخر. كل الساعات ثمينة، لكن معظمها يُهدر بثمن بخس عندما لا تتم الاستفادة منه. وعدم الاستفادة من الساعات لأننا قررنا ذلك – بالكسل مثلا – أهون من عدم الاستفادة من الساعات لأننا اندمجنا في زخم سلبي لا أساس له ولا مبرر، الأخير خسارة مضاعفة. الوقت لن يعود من جديد، وما نعتاد القيام به أو التفكير فيه، سيظل للأسف معول هدم في بناية الوقت الذي نملك استثماره بشتى الطرق والأساليب. المورد الثالث الذي نخسره يشمل كل الموارد المادية الأخرى التي يتم هدرها وتشويهها أو تحميلها فوق طاقتها بسبب هذه المشكلة الإدارية البسيطة، وهذا يشمل صحة الجسد والقدرة المالية وربما مجموعة كبيرة أخرى من الأدوات والممتلكات. فكما أن تأثر المشاعر ينعكس على صحة أعضاء الجسد، والضغط والسكر أمثلة واضحة ومجربة للأسف من كثيرين، يخسر بعضهم المال ولا يستفيد من وجوده. وربما تؤثر هذه المشكلات الإدارية في حالة الممتلكات كالسيارة فلا يعتني صاحبها بها، ولا يجدد المنزل ولا يستمتع بأداة يملكها كما يجب. كيف إذن يمكن تفادي هذه الخسائر العظيمة الناتجة عن - كما وصفتها – مشكلات إدارية بسيطة؟ نصائح حل المشكلات بطرق مبسطة ومباشرة كثيرة، وليست سرا يصعب الاطلاع عليه. وأساليب تحسين الفاعلية في إدارة الشؤون اليومية يمكن تحقيقها بعدة طرق تتنوع حسب رغبة وأسلوب الشخص القائم عليها. يعرف معظمنا ونسمع بشكل مستمر عن أهمية المبادرة والانفتاحية والتواصل الجيد والشفافية والاعتراف بالمشكلة والصبر على النتائج وصنع العادات والترتيب وكثير من القيم المهمة الأخرى. العائق الأول في نظري أننا لا نربط بين بساطة المدخلات السلبية التي نقوم بها، وبين حجم النتائج والتأثيرات التي نخرج بها. ربط النتائج بالأسباب الحقيقية حافز جيد لتنفيذ الحلول التي نتكاسل دائما عن تنفيذها. العائق الثاني أننا نتساهل في صناعة حسن النية تجاه الآخرين جوهرا ومظهرا، فالتشكيك ليس قولا أو فعلا إنما إيمان واعتقاد قبل ذلك، ولن يتمكن أحدهم من بيع مبادرته الجيدة إن لم يفترض أن الآخرين يملكون ما يماثل ذلك، وهذا من أهم ما ينقل الفرد من الانشغال في إدارة الهم والغم إلى الاندماج في إدارة الإنجاز والسعادة.
إنشرها