default Author

موت اللغات

|
قد تستغربون: هل تموت اللغة؟ وتتساءلون: ما أهمية أن تموت أو أن تحيا، فدائما هناك بديل؟ لغة الشعوب هي حياتها، تراثها، تاريخها، ماضيها، حضارتها، وثقافتها ومستقبلها، نعم مستقبلها. ومع امتلاكنا واحدة من أعظم لغات العالم، إلا أننا بدأنا نقتلها، وأحيانا ندفعها لتقتل نفسها، لم تعد روح لغتنا تتحمل كل هذا الجفاء والقسوة. دفعني إلى الكتابة عن هذا الموضوع مرة أخرى ما نطق به لسان سيدة عجوز تدعى باتريشيا، قضت أكثر من 30 عاما تدرس اللغة الإنجليزية في الخليج، لغتها هي، ومع ذلك تعلق الجرس لتخبرنا بالخطر المقبل. تقول: أريد أن أتحدث لكم عن ضياع اللغة وعولمة اللغة الإنجليزية. أريد أن أخبركم عن صديقتي التي كانت تدرس اللغة الإنجليزية للبالغين في دبي، وذات يوم قررت أن تأخذهم إلى الحديقة لتعليمهم الذخيرة اللغوية المتعلقة بالطبيعة، لكن انتهى بها الحال لتتعلم كل الكلمات العربية للنباتات المحلية، وكذلك استخدامات تلك النباتات طبيا وفي التجميل والطبخ. اندهشت المعلمة وتساءلت: من أين جاء هؤلاء الطلاب بتلك المعارف؟ بالطبع، من أجدادهم، حتى من أسلافهم القدامى بقدرتهم على التواصل عبر مختلف الأجيال. لكن اللغات اليوم - بكل أسف - تموت بمعدل لم يسبق له مثيل "كل 14 يوما تموت لغة من اللغات". أصبحت اللغة الإنجليزية هي المهيمنة عالميا، هل هناك أي علاقة بالأمر؟ أنا لا أعلم، لكن ما أعلمه هو أنني شهدت كثيرا من التغيرات. وأكبر تغيير شهدته باتريشيا أن تعليم "الإنجليزية" قد تحول من كونه ممارسة متبادلة المنفعة، ليصبح من الأعمال التجارية الضخمة عالميا، ولم يعد مجرد منهج لغة أجنبية في المدارس، بل أصبح حياة، وعذرهم أن أفضل تعليم يوجد في جامعاتهم وأغلب الأبحاث منشورة بلغتهم. لذا، من الطبيعي أن يرغب الجميع في الحصول على تعليم باللغة الإنجليزية. عمالقة المثقفين والصفوة على المشهد العالمي لم يعرفوا اللغة الإنجليزية، ولم يجب عليهم اجتياز امتحان لغة إنجليزية مثل آينشتاين. لقد تم اعتباره مريضا في المدرسة؛ لأنه في الواقع عانى صعوبة التعلم، لكن لحسن حظ العالم لم يجب عليه اجتياز امتحان "التوفل"؛ لأنهم لم يبدأوا تطبيقه إلا عام 1964. يمضي مبتعثونا السنين الطوال في تعلم اللغة، ويعود كثير منهم دون تحصيل علمي رغم إمكاناته، لكن تقف اللغة حجر عثرة بينه وبين مستقبله. كثيرون لم يستطيعوا تجاوز الامتحان، وهذا لا يعني أنهم ليسوا أذكياء أو مبدعين حينما يستخدمون لغتهم. تقول باتريشيا: دعونا نحتفِ بالتنوع، واهتموا بلغتكم، استخدموها لنشر الأفكار العظيمة. المصيبة أن إجادة اللغة أصبحت مطلبا أساسيا هنا في عقر دارنا.
إنشرها