Author

حرب عملات أم صراعات تجارية؟

|
ليس هناك تفسير واقعي حول ما يحدث على الساحة: حرب عملات أم لا؟ جهات عالمية كبرى لا تعترف بوجود هذه الحرب أصلا، وجهات أخرى بحجمها تقدم المبررات على وجودها بالفعل. دون أن ننسى، أن أول الاتهامات التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لعدد من البلدان الرئيسة في العالم، أنها تتلاعب بالعملات. وخص أسماء محددة مثل الصين وألمانيا حتى فرنسا. أي أنه جمع الحلفاء مع الباقين في هذا الاتهام. ولا شك أن حربا ما تجري على الساحة الدولية على صعيد العملات، ولنقل معارك هنا وهناك. وكلها بالطبع تستهدف الوصول إلى أفضل صورة لهذه العملة أو تلك بما ينعكس إيجابا على صادراتها. وهذه النقطة الأخيرة مهمة جدا، لماذا؟ لأن معارك الرسوم "كي لا نقول حرب الرسوم" تجري بالفعل على الساحة العالمية وبشكل علني، ما سرع إمكانية نشوب حرب تجارية شاملة. الأوروبيون، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يؤكدون دائما أن لا حرب عملات تجري على الساحة. فالرجل أكد مرارا أنه لا يرغب في أن تكون هناك مواجهة بين الدولار واليورو، وأن بلدان اليورو نفسها ليست مستعدة للاشتراك في مثل هذه الحرب، لأنها تريد التركيز على تنمية علاقات تجارية - اقتصادية متوازنة مع بقية دول العالم، خصوصا البلدان الكبرى المؤثرة في صنع القرار الاقتصادي. وكثيرا ما نفت المستشارة الألمانية في السابق الاتهامات بشأن التلاعب باليورو، من أجل ضمان صادرات أكثر وأقوى. واستنادا إلى هذه التأكيدات، فلا توجد حرب عملات، بل ليست هناك نية لإطلاق مثل هذه الحرب بأي شكل من الأشكال. ولا بد من الإشارة هنا أيضا، إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية صمتت منذ فترة عن هذا الأمر، وإن واصلت الحديث عن "الحرب" التجارية التي تتعرض لها بلادها. وإذا ما أخذنا كلام كبار المسؤولين الأوروبيين بأن لا حرب عملات موجودة، ولا نية لشنها، فكيف ننظر مثلا إلى الحراك الأوروبي القديم - الجديد، من أجل إيجاد بدائل عن الدولار الأمريكي في الساحة العالمية؟ وهل هذه البدائل بالطبع تتضمن اليورو؟ من حق منطقة اليورو أن تعمل على هذا الجانب، وهو أمر يصب في مصلحة الاتحاد الأوروبي ككل. ولذلك تقوم فرنسا "ومعها ألمانيا" بكل ما تملك من نفوذ من أجل تحسين الهياكل التنظيمية المالية في منطقة اليورو، على طريق الوصول إلى الهدف الرئيس، وهو ألا يكون الدولار العملة الرئيسة الواحدة عالميا، خصوصا مع وجود عملات جيدة القيمة والمستوى والثقة، وتستند إلى اقتصادات قوية. لا شك في أن الأوروبيين يرغبون في أن يحلوا في المقام الأول بعملتهم في هذا الخصوص، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من العمل والإصلاحات. المهم الآن أن أي حرب عملات قد تنشب، ستؤدي حتما إلى تقويض استقرار النظام المالي العالمي، دون أن ننسى، أن هذا النظام خرج للتو من براثن الأزمة الاقتصادية العالمية المدمرة التي انفجرت عام 2008، ولا يتحمل العالم حقا أي أزمة جديدة مهما كان مستواها بسيطا. من هنا تتحرك المؤسسات الدولية من أجل منع حرب عملات ستضرب الجميع، في حين تعمل على وقف المعارك الجانبية في هذا المجال، كي لا تتحول إلى حرب حقيقية. إن الاقتصاد العالمي يتطلب الآن تفاهما عالميا بعيدا عن حروب العملات والرسوم، وبعيدا جدا عن الحمائية.
إنشرها