Author

وعيك المالي سيحميك منهم

|
لن تتوقف هجمات المجرمين على أموال الأفراد، سواء كانت بالسرقة المباشرة أو باستغلال ثغرة هنا أو هناك. سيبحثون عمن يقترض منهم بربح مضاعف، سيدعونك للاستثمار معهم، ويستمتعون بغواية الباحثين عن الثراء والمستهلكين السذج. هناك اعتقادان خاطئان عن هذه الفئات الباغية على أموال الآخرين، الأول، أن التنظيمات الجيدة تنهي وجودهم، والثاني، أن هناك فرقا كبيرا وواضحا بين المجرم وبين من يقدم خدماته للمساعدة الصادقة. لن تمنع التنظيمات وجود المجرمين، فالشرطة (والقانون قبل كذلك) لم يتمكنا بعد من القضاء بالكامل على "الحرامية". نعم، هناك وسائل تنظيمية كثيرة للتقليل من مخاطر الجرائم المالية، خصوصا تلك المؤثرة على الأفراد كالاختلاسات والاستثمارات غير المصرح لها والتمويل الاستغلالي، إلا أن دورها يقوم على الحصر والتقليل لا أكثر. هناك دائما طرق جديدة ومداخل مبتكرة لهؤلاء المجرمين وهي بكل تأكيد أسرع من صدور تنظيم جديد أو قانون فعال. وإلى أن يتم القضاء إجرائيا وقانونيا على ظاهرة استغلالية جديدة، يقع كثير من الضحايا. لن يحمي مثل هؤلاء إلا قدراتهم الذاتية على حماية أنفسهم. يعتقد بعضهم بأن الفرق واضح بين المجرم المختلس وبين الذي يقدم خدماته للمساعدة مجهزا من وقت لآخر الفرص والعروض التي لا تعوض. والحقيقة هناك ممارسات جلية تتضح فيها السرقة والخداع، ولكن هناك ممارسات أخرى تقع في خانة ضبابية رمادية لا يسهل كشفها، بل إنها مصممة لتبقى رمادية بشكل دائم، فهي تحيا وتزدهر بهذه الطريقة، إذ تضطرب رؤية من يتعامل معها وتجذبه قوة سحرية لزاوية سبق رسمها بدقة. عند هذه المناطق الرمادية، يخيل للشخص بأن هناك فرصة لن تتكرر، ولضعف تعريفه للقيمة ولقلة معرفته بالخيارات السليمة وضبابية الرؤية، يتخذ القرار الخاطئ! مرة أخرى، لا يوجد طرق جيدة لحماية أنفسنا من هذه المناطق الرمادية باستثناء قدراتنا الذاتية على الاحتماء. مَن هؤلاء المجرمون "الماليون" الذين يهاجمون الأفراد كل يوم وفي كل مكان؟ القائمة طويلة لا تنتهي، بل تبنى نفسها وتتجدد باستمرار، ولكن سأذكر أخطر ست فئات موجودة لدينا ولا نحتاج إلى أدلة لإثبات وجودهم. يحاربهم النظام ولكن - كما أشرت- النظام لا يكفي، بل لا بد من تعاون الفرد لحماية نفسه وغيره منهم. أول القائمة هم قروش الإقراض Loan Sharks مصاصو الدماء الذين يقتاتون من العمولات الظالمة؛ غالب عملائهم هم الجهلة "ماليا" والمضطرون المعسرون الذين لم يصنعوا بعد لأنفسهم أي حماية. ابحث عن الملصقات الموجودة على أجهزة الصراف لأبي نايف وأبي ناصر ولا تنس إعلان "تمويل شرعي بدون كفيل عن طريق الأجهزة الكهربائية"، تتعدد العروض والهدف واحد، استغلال ظروف الآخرين ماليا وممارسة نشاط غير مصرح له. الفئة الثانية من قائمة المجرمين الماليين هم رواد "الفوريكس" والوسطاء غير الشرعيين. هؤلاء يقومون في العادة بعرض فرصة الاستثمار معهم في منصة إلكترونية للعملات أو السلع، ويعدون بعوائد خيالية ثم يقومون بتحقيق بعض هذه العوائد حتى تضخ لهم مزيدا من السيولة، ثم ينتهي الأمر! إما أن يختفي الوسيط أو يستمر في الوجود، ولكن يصعب فعليا استعادة رأس المال. بعضهم نصاب حقيقي، وآخرون ربما وسطاء، ولكن غير مصرحين في البلد الذي يوجد به الفرد، فتصعب أو تستحيل ملاحقتهم قضائيا. المضاربة في العملات والسلع نشاط ذو مخاطر عالية، فكيف تصبح المخاطرة إذا كانت بالتعامل مع شخص خطير غير معروف وغير مصرح له! الفئة الثالثة تشمل الذي يهجمون برسائل مخادعة على البريد الإلكتروني ويدخلون على خط التواصل بينك وبين جهة أخرى تقوم بعملية مالية معها. بعد مراقبة رسائلك، يتحين المجرم الفرصة ليدخل على التواصل القائم برسالة يذكر فيها رقم حسابه أو نموذجا للدفع منتظرا منك إكمال اللازم ليستقبل التحويل بدلا من الجهة التي تتعامل معها. الفئة الرابعة يدخل فيها المجرم من باب الاستعطاف أو إشعال الحماس المبالغ فيه فيوهمك بثروة طائلة قد تستفيد منها أو يداعب مشاعرك برسالة "لقد فزت بجائزة"، وهناك للأسف من يكمل الحديث ويشتري القصة. الفئة الخامسة، من يتاجر بمعاناة الآخرين، ويعد الباحث عن العمل بوظيفة والمريض بعلاج والتعيس بنشاط يسعده ويغير حياته، وهؤلاء كثر. الفئة السادسة تشمل كل من يحاول إيهامك بوجود قيمة غير موجودة فيما يعرضه لك، سواء كان منتجا يبيعه أو خدمة يقدمها. وهنا لن يحميك إلا وعيك الاستهلاكي. مثل هذا حتى إن قدم شيئا حقيقيا، إلا أن مبالغته فيها من الدجل والخداع ما يجعله يحصل على جزء من نقودك بطريقة غير سليمة، لن تقبلها لو عرفت الحقيقة كاملة قبل أن تتعامل معه. سيجد المجرمون آلاف الطرق للإيقاع بك، حتى إن تطورت الأنظمة وحاربتهم. الوحيد الذي لا يدخل قائمة الضحايا المحتملين هو الفرد الواعي ماليا، الذي يدير شؤونه وفق خطة مصممة مسبقا ويصنع دخله ويستثمر وفق آلية مدروسة، يعرف خياراته والتزاماته وحقوقه ويربط كل ريال يدفعه بقيمة محددة يتوقعها.
إنشرها