FINANCIAL TIMES

ماليزيا .. مخاطر الشعبوية على المالية العامة

ماليزيا .. مخاطر الشعبوية على المالية العامة

ماليزيا .. مخاطر الشعبوية على المالية العامة

ماليزيا .. مخاطر الشعبوية على المالية العامة

مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي، اضطر إلى الاعترف أخيراً، بأن حزبه قد أسرف في تقديم "كل أنواع الوعود" في الحملة الانتخابية؛ لأنه لم يتوقع الفوز في الانتخابات العامة التي جرت في أيار (مايو) الماضي.
وهكذا، فإن الحزب قد بات الآن مضطرا إلى الوفاء بهذه الوعود، وهذا ما يخاطر بزيادة سوء المالية العامة في ماليزيا.
تشعر وكالات التصنيف الائتماني بالقلق بعد أن توقعت الحكومة عجزاً في الموازنة هذا العامة عند أعلى مستوى لها منذ خمسة أعوام بـ 3.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بتقديرات الحكومة السابقة البالغة 2.8 في المائة، قبل أن تنكمش إلى 3.4 في المائة في العام المقبل، وإلى 3 في المائة عام 2020.
تدافع حكومة مهاتير عن هذه الزيادة بأنها دلالة على صورة أصدق لمركز المالية العامة في البلاد، من الصورة التي قدمتها الإدارة السابقة. في المقابل، يتم طرح تدابير شعبوية كافية على الأقل، لإثارة أسئلة حول التزام الحكومة الجديدة بالانضباط في المالية العامة.
وكالات التصنيف الائتماني لديها ما يدعو إلى القلق. على خلفية تباطؤ الاقتصاد الصيني والحرب التجارية المكثفة بين الولايات المتحدة والصين، فإن التبذير في الموازنة يُهدد بتعريض التوقعات الاقتصادية في ماليزيا للخطر، وكذلك تعهد الحكومة بالدفع نحو الإصلاح.

أُسر سعيدة
يشعر المستهلكون في ماليزيا بالتفاؤل في الوقت الحالي. استطلاع المستهلكين الذي أجريناه للربع الثالث في أيلول (سبتمبر) الماضي، أظهر أنهم لا يزالون متفائلين بشأن إنفاقهم واقتراضهم، حتى بعد استحداث ضريبة المبيعات والخدمات في أيلول (سبتمبر) الماضي. ارتفع مؤشرنا للاقتراض الاستهلاكي بمقدار 0.6 نقطة إلى 63.1، بينما ارتفع مؤشرنا للإنفاق الاختياري بمقدار 1.9 نقطة إلى 73. على الرغم من أن مؤشر إف تي سي آر لدخل الأُسر لماليزيا انخفض بمقدار 3.4 نقطة إلى 66.3، إلا أنه يبقى في منطقة متفائلة بشكل مريح.
أوفى ماهاتير بواحد من تعهداته في الحملة في حزيران (يونيو) الماضي، فاستبدل بضريبة السلع والخدمات "القيمة المضافة" – وهي ضريبة واسعة النطاق تفرض ضريبة على كل مرحلة من مراحل عملية الإنتاج – ضريبة المبيعات والخدمات الأضيق في أيلول (سبتمبر) الماضي. فيما بينهما، تمتع المستهلكون في ماليزيا من الناحية العملية بإعفاء ضريبي لمدة ثلاثة أشهر. ستزيد الحكومة أيضاً الحد الأدنى الشهري للأجور في كل أنحاء البلاد اعتباراً من كانون الثاني (يناير) المقبل، وتعيد 37 مليار رنجيت (8.8 مليار دولار) إلى الشركات والأفراد العام المقبل، من الدفعات الإضافية لضريبة الدخل وضريبة السلع والخدمات.
ارتفاع ثقة المستهلكين ظهر في زيادة الإنفاق الأسري 8 في المائة بالمعدل السنوي في الربع الثاني – وهي أكبر زيادة منذ ثلاثة أعوام – على الرغم من أنها أقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع.
يشكل الاستهلاك الخاص نحو 55 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الماليزي، وسيظل دافعا مهما للنمو في العام المقبل؛ لأن الحكومة تقوم بتأجيل المشاريع الاستثمارية الكبرى، أو إلغائها بشكل تام. يتوقع المسؤولون زيادة الاستهلاك الخاص بـ 6.8 في المائة عام 2019، متراجعاً من 7.2 في المائة هذا العام.
نعتقد أن الهدف يُمكن تحقيقه، بدعم من سياسات مثل خفض الضرائب الاستهلاكية وارتفاع الدخل المُتاح للصرف للعاملين بأجر منخفض.
ينبغي أن يكون نمو الاستهلاك الخاص مدعوماً أيضا من التضخم المعتدل وسوق عمل صحية نسبياً. يبلغ معدل البطالة 3.4 في المائة فقط، بينما ارتفع مؤشر الأسعار الاستهلاكية في ماليزيا 0.3 في المائة فقط بالمعدل السنوي في أيلول (سبتمبر) الماضي، على الرغم من إعادة إدخال ضريبة المبيعات والخدمات في ذلك الشهر. لربما يصبح بإمكان البنك المركزي التمسك بموقفه بشأن أسعار الفائدة المعيارية.
تتوقع الحكومة أن يتراوح معدل التضخم بين 1.5 و2.5 في المائة عام 2018 وبين 2.5 إلى 3.5 في المائة عام 2019، في الوقت الذي تنطلق فيه ضريبة المبيعات والخدمات.
مع ذلك، فإن النطاق المحدود نسبياً للضريبة، يعني أنه من غير المرجح أن يكون هناك تكرار للتباطؤ الحاد في الاستهلاك، الذي تبع إدخال ضريبة السلع والخدمات عام 2015.

مخاطر الشعبويّة على المالية العامة
التدابير الشعبوية، مثل إزالة ضريبة السلع والخدمات وإعادة دعم الوقود تفي بوعود الحملة، لكنها تترك الحكومة تُعلّق آمالها على الاستهلاك الخاص لدفع النمو الاقتصادي. على أن القيام بذلك يُهدد بتقويض مركزها من حيث المالية العامة.
على الرغم من أن الحكومة تمكنت من جمع 30 مليار رنجيت من أرباح الأسهم الخاصة هذا العام من شركة النفط المملوكة للدولة بتروناس، إلا أنها لا تستطيع الاعتماد على ما قد يكون مكاسب لمرة واحدة، بالنظر إلى تقلب أسعار النفط.
على الرغم من أحدث الجهود في شأن الموازنة لتطوير مصادر جديدة للإيرادات الضريبية – بما في ذلك توسيع نطاق ضريبة أرباح رأس المال وفرض رسوم دمغة أعلى – إلا أن توقعات الإيرادات طموحة فوق الحد بالنظر إلى البيئة الاقتصادية الضعيفة.
في حالة رسوم الدمغة الأعلى، قد يتم ردع المشترين بسبب ضعف سوق الإسكان في البلاد.
ربما يكون الناس قد شعروا بالاستياء من ضريبة السلع والخدمات، لكنها على الأقل كانت مصدرا موثوقا للإيرادات الضريبية، حيث أسهمت بمبلغ 44 مليار رنجيت، أو 20 في المائة، من إيرادات الحكومة الفيدرالية عام 2017.
في المقابل، من المتوقع أن تجلب ضريبة المبيعات والخدمات أقل من نصف ذلك المبلغ في العام المقبل.
تأمل الحكومة في أن يزيد قطاع النفط مساهمته في الإيرادات إلى 30.9 في المائة عام 2019 من 21.7 في المائة هذا العام، على الرغم من أن هذا يعني الاعتماد على سوق سلعة بالغة التقلب.
في الوقت نفسه، من المتوقع أن يرتفع الإنفاق الحكومي 8.3 في المائة في العام المقبل، حيث سيذهب 82 في المائة منه إلى الإنفاق التشغيلي، بينما سيبقى الإنفاق الإنمائي اللازم لدفع النمو الاقتصادي ثابتاً خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
تتمثل هذه التحديات المالية العامة مقابل صورة اقتصادية خارجية متدهورة. تتوقع الحكومة أن يتباطأ نمو الصادرات إلى 3.9 في المائة في العام المقبل من 4.4 في المائة هذا العام. ومن المتوقع رسمياً أن ينمو اقتصاد ماليزيا 4.8 في المائة في عام 2018، أي أقل من هدف الإدارة السابقة المراوح بين 5-6 في المائة.
نال مهاتير دعم الناخبين الماليزيين من خلال تعهدات أثناء الحملة بالسيطرة على الفساد وإعادة مزيد من المال إلى الأُسر. وهو يحقق تقدماً في تنظيف الحكومة، من خلال اتخاذ إجراءات من شأنها توفير الشفافية والاستقرار الضروريين، لممارسة الأعمال في ماليزيا.
على أن تنفيذ وعده بإعادة مزيد من المال إلى الأُسر هو خطوة نحو عدم المسؤولية تجاه حساسية المالية العامة، ما يضع سحابة غير ضرورية في أفق التوقعات الاقتصادية طويلة الأجل في البلاد.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES