FINANCIAL TIMES

باكستان .. التكنولوجيا تعد بمعالجة مشكلات الاقتصاد المستعصية

باكستان .. التكنولوجيا تعد بمعالجة مشكلات الاقتصاد المستعصية

إذا أرادت باكستان العثور على حلول لكثير من المشكلات التي يعانيها اقتصادها والبدء في إيجاد وظائف ومصدر دخل للشباب البالغ عددهم مليوني شخص ينضمون إلى القوة العاملة في كل عام، فإن أكبر مصدر على الأرجح لتلك الحلول هو قطاع التكنولوجيا الوليد في البلاد.
تشير الصفقات التي أبرمتها أخيرا مجموعة التجارة الإلكترونية الصينية "علي بابا" للاستثمار في باكستان، إضافة إلى وعود قدمتها شركات محلية ناشئة، إلى احتمال أن تعمل باكستان على تسخير الابتكار من أجل التصدي للتحديات المتجذرة التي تواجهها. والمجالات التي يمكن للاستثمار التكنولوجي والابتكار إحداث تغييرات حقيقية فيها تراوح بين الفساد والتفاوت في الدخل إلى الإدماج المالي وإمكانية الحصول على الماء.
تعاني مصادر التمويل في باكستان مشكلات أليمة. العجز في الحساب الجاري توسع بشكل حاد، واحتياطيات البلاد من العملات الأجنبية الآخذة في التضاؤل غير كافية لتغطية حتى تكلفة الواردات وتسديد الديون الخارجية لبقية هذا العام. حكومة عمران خان، نجم الكريكت السابق الذي تم انتخابه رئيسا للوزراء في تموز (يوليو)، التي تعاني الضائقة المالية، لجأت إلى صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة الإنقاذ رقم 13 خلال 28 عاما. يأتي هذا على خلفية تصاعد مخاوف حول ما إذا كانت باكستان أصلا قادرة على سداد ديون حصلت عليها من الصين بلغت 62 مليار دولار على مدى خمس سنوات، في إطار صفقة تتعلق بممر اقتصادي بين الصين وباكستان.
وعلى الرغم من أن حوادث الإرهاب والعنف تراجعت عن الذروة التي وصلت إليها قبل بضع سنوات، إلا أن كثيرا من البلدان لا تزال تنصح مواطنيها بعدم السفر إلى باكستان. علاوة على ذلك، أقل من 15 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 210 ملايين نسمة لديهم حسابات مصرفية. وهناك فقط 60 ألفا من القروض العقارية السكنية الصادرة، وفقا لأرقام واردة من البنك الدولي.
في الأسبوع الماضي أرسلت باكستان وفدا كبيرا إلى معرض الاستيراد مترامي الأطراف في شنغهاي. لكن في وقت يتردد فيه معظم الأجانب حتى في السفر إلى باكستان، يمكن لسوق افتراضية أن تكون أكثر فاعلية بكثير من مثل هذه المبادرات التي تنظمها الحكومة، كما يتضح من خلال الصفقتين اللتين أبرمتهما "علي بابا" أخيرا. في أيار (مايو)، اشترت "علي بابا" شركة داراز، أكبر منصة محلية للتجارة الإلكترونية في باكستان، من شركة الإنترنت الألمانية "روكيت" مقابل نحو 200 مليون دولار. من خلال الانضمام للمنصة، تستطيع شركات التصنيع الأصغر حجما الوصول إلى عملاء جدد في الصين. ولدى الموقع بالفعل ستة ملايين مشتر مسجلين وآلاف البائعين.
قبل ذلك بشهرين دفعت "آنت فاينانشيال" التابعة لشركة علي بابا، 185 مليون دولار مقابل الحصول على حصة نسبتها 45 في المائة في مصرف تيلينور للتمويل الأصغر - وهي صفقة تبشر بتحسين الإدماج المالي ودعم الشركات الصغيرة في باكستان.
التنفيذيون العاملون في أكبر المصارف في باكستان، مثل "حبيب بانك"، يعترفون بصراحة أنهم لا يشعرون بالارتياح للتعامل مع الشركات الصغيرة وإقراض المستهلكين. لكن باستخدام جهة الإقراض الإلكترونية "ماي بانك"، التابعة لشركة آنت المالية ونظام التصنيف الائتماني لشركة علي بابا، لن يعاني تيلينور مثل هذه الهواجس. يقول شهيد مصطفى، الرئيس التنفيذي لـ "تيلينور"، "خلال خمس سنوات سنصبح أكبر شركة تكنولوجيا في باكستان". المصرف الذي يقول إن لديه 75 ألف عميل و176 فرعا منتشرة في كل أنحاء البلاد، وظف منذ الآن آلافا من مهندسي البرمجيات.
إضافة إلى ذلك هناك شائعات متكررة حول أي شركة باكستانية ستكون أول من يستفيد من الاستثمارات التي تقدمها شركة تنسنت الصينية. لكن شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة ليست الوحيدة التي تستطيع المساعدة على تحويل باكستان. حتى الشركات الناشئة الصغيرة تنجز ما كانت وكالات الإغاثة الأجنبية والوزارات الحكومية غير قادرة على إنجازه منذ عقود.
في حاضنة تقع على مشارف مدينة كراتشي، تتولى شركات جديدة معالجة حتى مشكلات أكثر صعوبة. مثلا، قبل 20 عاما كانت المنطقة الموجودة خارج كراتشي أراضي خصبة، بفضل الإمدادات الكافية من المياه. لكن اليوم نتيجة لمزيج من التغير المناخي والضغوط الديموغرافية، انخفض منسوب المياه بشكل عجيب. الآن أشجار الفاكهة تذوي وتموت. وزراعة المحاصيل التقليدية، مثل السكر، أو الأرز، أو القطن، التي تحتاج إلى كميات كبيرة من الماء، لم تعد لها جدوى اقتصادية تذكر.
استجابة لذلك، أنشأ محمد خورام شركة أكوا أجرو، المختصة بنظام الري الذكي. يقدر خورام "إن المزارعين الذين يستخدمون أجهزته الذكية يحتاجون إلى نصف كمية المياه اللازمة، ومع ذلك يزيدون إنتاجهم، مثل الليمون، بنسبة 30 في المائة. وهو يستخدم أيضا أسلوب التمويل الجماعي لجمع المال".
عضو آخر في الحاضنة نفسها، فاطمة أنيشا، ابتكرت آلية لمعالجة النفايات العضوية وتحويلها إلى أسمدة تعمل على تحسين الغلال دون استخدام مواد كيماوية ضارة. الأطنان الهائلة من النفايات التي تولدها كراتشي يوميا وتدفنها في مكبات نفايات سامة، تعد مثالا للمشكل التي تعانيها باكستان، وهي مشكلات تحتاج إلى همة عالية. ومع أن الجهود التي تبذلها الشركات الناشئة في البلاد تبقى جهودا متواضعة في كثير من الحالات، إلا أنها تقدم رؤية توضح كيف يمكن لهذا البلد - غالبا بمساعدة من شركات التكنولوجيا الصينية الكبيرة - البدء في البحث عن حلول.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES