Author

نفط العراق «1»

|
مستشار اقتصادي
من فترة لأخرى أقوم بمراجعة مواضيع اقتصادية عن الدول المهمة في المنطقة؛ نظرا لأهميتها للمملكة. في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 كتبت عن نفط العراق، على أثر أول تقرير موسع نشرته وكالة الطاقة الدولية عن الموضوع. تغير الكثير في حال العراق السياسية والأمنية والاقتصادية ولكن الصناعة النفطية تتعافى ببطء وتواجه تحديات كبيرة ولكن التوجه إيجابي. على أثر مراجعتي للموضوع تم نشر بحث جيد عن الموضوع من قبل معهد أكسفورد لدراسات الطاقة لمؤلفه أحمد مهدي، لذلك وجدته مرجعا جيدا لهذا العمود. دراسة الوكالة أخذت بعدد من السيناريوهات، المركزي منها توقع أن يصل إنتاج العراق 6.1 مليون برميل يوميا في 2020 و8.3 مليون برميل يوميا في 2035. لن نلوم الوكالة على التفاؤل الكبير في ظل ما جرى من تطورات أمنية سياسية وفساد. الذروة الأولى لإنتاج العراق حدثت في 1979 حين وصل إنتاج العراق إلى نحو 3.5 مليون برميل يوميا، بعد ذلك تسببت تطورات الحرب الإيرانية - العراقية وحرب الخليج والحصار الاقتصادي لتدخل صناعة النفط العراقية في عقود من الإهمال ونقص الاستثمارات والفساد حتى التخريب، إذ لم يصل ذروة 1979 حتى تقريبا أيلول (سبتمبر) 2014، أي بعد نحو 35 عاما. خطر السياسة على إدارة الموارد وسبل المعيشة يصبح واضحا من هذه التجربة المريرة. سألت خبيرا سعوديا في 2004 أو 2005 عن أثر التوقعات الكبيرة حول إنتاج العراق، وذكر أنه لا يتوقع أن يصل إنتاج العراق إلى خمسة ملايين برميل يوميا حتى بعد عشر سنوات. للحق كان أدق من توقعات الوكالة الدولية. حدث الكثير وازداد إنتاج العراق تدريجيا ليصل إلى نحو 4.5 في النصف الأول من 2018، أكبر زيادة حدثت بين 2011 و2016 حين ارتفع الإنتاج بمقدار 1.75 مليون برميل تقريبا. تتوقع وزارة النفط العراقية أن يصل الإنتاج إلى 6.5 مليون برميل في 2022، ولكن ورقة البحث تتوقع أن يصل الإنتاج إلى نحو خمسة ملايين برميل العام المقبل ويصعب تحقيق هذا الهدف الطموح لأسباب فنية ومالية حتى مؤسساتية. البعض ينسى أن الحاجة إلى زيادة الإنتاج بعضها لمجرد تعويض التهالك الطبيعي في الإنتاج، ولذلك هناك نحو 700 ألف برميل إهلاك تم تعويضها بإنتاج جديد على العقد والنصف الماضي، خاصة أن هذه الظاهرة تستمر وتزيد مع الوقت ويصاحبها ارتفاع في تكاليف الإنتاج وتباعا الحاجة إلى استثمار موارد مالية أكثر. يواجه العراق حتى في ظل درجة أعلى من الاستقرار السياسي والأمني عدة تحديات ليس في رفع الإنتاج فقط ولكن في الصناعة ككل من الكهرباء، إلى الماء، إلى جذب الاستثمارات، إلى تحجيم الدعم، إلى تعظيم القدرات المؤسساتية، إلى إدارة الاستهلاك الداخلي بما في ذلك المصافي. دخل النفط هو المورد الرئيس لتمويل الميزانية ولذلك لابد من رفع الإنتاج، ولكن رفع الإنتاج يتطلب حلولا ولو جزئية لعديد من هذه المسائل ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة، خاصة في ظل ضغوط مالية متواصلة ودرجة من الفساد المالي والإداري. الخيارات المالية والاستثمارية تصبح أكثر وضوحا كلما حققت أسعار النفط نزولا مؤثرا مثل ما حدث في فترة 2014 ــ 2017، خاصة أنه سبق للحكومة العراقية أن زادت من موظفي القطاع العام من نحو مليون في 2004 إلى ثلاثة ملايين في 2013، ما يرفع التكاليف المجتمعية ويقلل المتوافر للاستثمار ويزيد البيروقراطية حتى الفساد. محاولة حظر النفط الإيراني في ظل تطلع العراق لزيادة الإنتاج محور مهم آخر للعراق والمنطقة. في الجزء الثاني والأخير نناقش أبرز التحديات وآفاق المستقبل.
إنشرها