FINANCIAL TIMES

الصين .. طموحات الذكاء الاصطناعي تصطدم بصخرة الحوسبة

الصين .. طموحات الذكاء الاصطناعي تصطدم بصخرة الحوسبة

قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين الذي كان في يوم من الأيام متوهجا يدخل الآن في حالة من الفزع: رفضه المستثمرون بازدراء، وفشل في تقديم التكنولوجيا الحديثة التي وعد بها، ويعاني في سبيل تحقيق عوائد.
هو الآن بعيد كل البعد عما كان عليه في العام الماضي، عندما أصدرت بكين خططا لقيادة العالم في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، وكان المستثمرون أصحاب رأس المال المغامر يرفعون التقييمات، وشركات التكنولوجيا العملاقة في الصين تدغدغ أسماع المحللين خلال مكالمات الأرباح بالحديث عن طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
الشعور بخيبة الأمل من تطور الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الصين فقط. في الولايات المتحدة، استغنت "آي. بي. إم" عن مهندسيها في برنامجها الرائد "آي. بي. إم واتسون للذكاء الاصطناعي" في فصل الصيف. وفي وقت سابق، أعرب جايري ماركوس، أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك، الذي كانت تساوره شكوك منذ فترة طويلة، عن أسفه لأنه "بعد ستة عقود من تاريخ الذكاء الاصطناعي، روبوتاتنا لا تفعل إلا قليلا مما يتجاوز تشغيل الموسيقى وكنس الأرضيات".
لكن الصين، حيث ازداد الصخب الإعلامي – والتمويل – بسرعة كبيرة في العام الماضي، أثر فيها انقلاب الحال بشكل أعمق. وفقا لـ "إيه. بي. آي ريسيرش"، تفوقت الصين في العام الماضي على الولايات المتحدة فيما يتعلق باستثمارات القطاع الخاص، إذ بلغت خمسة مليارات دولار، لكن الـ 1.6 مليار دولار التي استثمرت في الأشهر الستة الأولى من هذا العام كانت أقل من ثلث مستوى الاستثمار في الولايات المتحدة.
لي جيي سو، كبير محللين في "إيه.بي.آي ريسيرش"، قال "نحن في مرحلة تم فيها التعامل مع حالات الاستخدام العامة". وأضاف "بناء برامج دردشة ذات هدف عام أسهل بكثير من بناء الخوارزميات المحددة للصناعات، مثل الأعمال المصرفية، أو البناء، أو التعدين، لأنها تتطلب معرفة بالصناعة ومشاركة من الصناعة".
نقطة الانقلاب هذه تضافرت مع نقص في قدرات الحوسبة لتشغيل الخوارزميات والتعلم الآلي. ما تبقى هو أرضية مألوفة للمستثمرين في مجال التكنولوجيا: تقييمات مضخمة، ومحاولات مروّجة بشكل مبالغ فيه، ونماذج تسييل واهية.
نيزا ليونج، شريكة في "كيومينج فينتشر بارتنرز"، وهي مستثمرة كبيرة في التكنولوجيا الصينية، قالت "نشعر أن الاستثمار فيها تم بشكل زائد قليلا". وأضافت "كثير من الشركات لا تستطيع زيادة قدرتها على تحقيق فائدة مالية من التكنولوجيا، أو أنها تبالغ في قدرتها على تحقيق النجاح".
وتراجعت شهية رأس المال المغامر في الوقت الذي حلقت فيه التقييمات إلى الأعالي، وهو اتجاه تضخم بسبب انخفاض تمويل الرنمينبي.
قال كاي فو لي، الذي ترأس قسم "جوجل" في الصين ويدير الآن شركة رأس المال المغامر "سينوفيشن فينتشرز"، "لو بدأ خمسة مهندسين من "بايدو" أو جوجل "شركة" من لا شيء – فإن تلك الشركة اليوم قد تكون بقيمة تراوح بين 60 مليون دولار و80 مليونا. قبل تسعة أشهر كان من الممكن أن تكون قيمتها 110 ملايين دولار".
وهو يتوقع مزيدا من الانخفاضات، "ربما ينبغي أن تكون أقل من 50 مليون دولار".
بالنسبة إلى شركة الاستثمار في المراحل المبكرة "زهن فند" ZhenFund كانت أهم فترة في استثمارات تعلم الآلة وغيرها من الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي هي الفترة 2012-2015. قالت آنا فانج، الرئيسة التنفيذية للشريكة "لا أرى كثيرا من الشركات الناشئة الجديدة المبتكرة في مجال الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي".
في حين إن كثيرين يرون التطبيقات في صناعات محددة هي القفزة الكبيرة التالية، لا تزال هناك فرص فيما يصفها واي تشو، الذي قاد الاستثمارات في شركات التكنولوجيا الصينية في شركة كلاينر بيركنز كوفيلد بايرز قبل أن يؤسس شركة تشاينا كرييشن فينتشرز، بأنها تكنولوجيا "جيدة بما فيه الكفاية".
قال "دائما ما يرغب المستثمرون الأمريكيون في الاستثمار في التكنولوجيا المتطورة للغاية. لذلك بالنسبة إليهم دائما ما يفكرون في الذكاء الاصطناعي المتقدم. لكن بالنسبة إلينا، نحن نبحث عن هذه الأنواع من الذكاء الاصطناعي (الجيدة بما فيه الكافية) لتحقيق إنجازات مهمة".
مثلا، أشار إلى استثمار حديث في إحدى شركات تعلم اللغة الإنجليزية على الإنترنت التي لا تفي لأن تكون محادثات فردية مع الطلاب، لكنها تخصص سيناريوهات كافية تعتمد على استجابة الطالب – إجابة خاطئة، إجابة صحيحة – لجعل المستخدمين يشعرون بأن لديهم معلما حقيقيا. وقال "هذا ليس سحرا"، لكنه يُخفّض تكلفة التعليم إلى أقل من دولار واحد.
التطبيقات التي من هذا القبيل تتمتع بميزة معالجة المشكلات الخاصة بالصين، مثل ندرة مدرسي اللغة الإنجليزية، بدون الحاجة إلى استخدام تكنولوجيا متطورة أو قدرة حاسوبية كبيرة.
ربما تكون القدرة الحاسوبية هي أكبر فجوة في ترسانة الذكاء الاصطناعي في الصين، وهي تفسر انتقال شركات التكنولوجيا الصينية الكبيرة هذا العام إلى الأجهزة. "بايدو" و"هواوي" و"علي بابا" من بين الشركات التي تعمل على بناء رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، والأخيرة تقود أيضا حملة في الحوسبة الكمية.
تريد "علي بابا" إدخال رقائق الذكاء الاصطناعي الأولى الخاصة بها إلى السوق في العام المقبل، على الرغم من أن هناك بعض الشكوك حول قدرة الشركات الصينية على تسريع التقدم في هذا المجال".
بالنسبة إلى الوقت الحالي، الرقائق التي تقود كثيرا من الذكاء الاصطناعي في الصين هي من شركات صناعة الرقائق الأمريكية، مثل كوالكوم أو نفيديا، والبرامج أيضا إلى حد كبير تأتي من الخارج.
كتب محللو "يو بي إس" في تقرير حديث "الحقيقة البسيطة هي أن معظم الشركات الكبيرة في الصين تستخدم المنصات وأدوات البرامج الأمريكية مثل TensorFlow، حيث التطبيقات الصينية الشائعة تتغلب على أنظمة التشغيل من "أبل" و"جوجل".
تم إشعار الصين بهذا الضعف بشكل صارخ. الحظر الأمريكي، الذي تم إلغاؤه الآن، على بيع قطع الغيار لشركة صناعة الأجهزة ZTE عقابا لها على تجاهل عقوبات سابقة فُرِضت على إيران، كان دعوة استيقاظ لكثير من شركات التكنولوجيا الصينية.
تصنيع الرقائق والقدرة الحاسوبية يناسبان كذلك أهداف بكين، التي وردت خطوطها العامة في السياسة الصناعية بعنوان "صنع في الصين 2025"، بهدف تعزيز الاكتفاء الذاتي.
لكن هناك عقبات كبيرة يتعين أن يتغلب عليها قطاع الذكاء الاصطناعي في الصين. تحتاج الصناعات إلى العمل مع شركات التكنولوجيا من أجل تطوير ذكاء اصطناعي متخصص، في حين إن شركات التكنولوجيا بحاجة إلى تعزيز قوة معالجة البيانات، وتحتاج الشركات الناشئة إلى أن تكون أكثر واقعية، كما قال سو.
وحتى في هذه الحالة "سيكون أبطأ. وستكون العوائد على الاستثمار أدنى. وسنحتاج إلى وقت أطول لتعويض الاستثمارات".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES