Author

النمو الصناعي .. ومصداقية «الرؤية»

|
عندما نتحدث عن الاقتصاد السعودي وإنجازاته المشهودة اليوم، فإنه لا بد لنا من ذكر واحد من أهم الإنجازات، وهو الشفافية العالية التي بدأ الاقتصاد السعودي ينتهجها، فاليوم هناك عديد من المؤشرات والمعلومات والإفصاحات التي تقدم معلومات ضخمة للمحللين ومتخذي القرار، ومن ذلك ما تشهده وزارة المالية من تقارير وإفصاحات ربعية وسنوية، لعل آخرها ما تم بشأن الإعلان المسبق للميزانية العامة بكل ما يحويه ذلك الإعلان من تحديات الالتزام الكبيرة. ومع ذلك، فإن المملكة في هذا العهد الزاهر تواصل التزامها بالمعايير العالية للمصداقية والشفافية، وهذا النهج ليس مقصورا على النواحي الاقتصادية، بل إننا نشهده بكل وضوح في الاتجاهات كافة، وهذا يعزز من مكانة المملكة، والثقة بها وبما تنتجه من معلومات للعالم بشأن أي قضية كانت. واليوم في هذه الكلمة، نشير إلى نوع جديد من الإفصاحات والشفافية، وهو مؤشر كميات الإنتاج الصناعي، وهو مؤشر حديث جدا، ويقصد به كميات المواد الخام "المدخلات" التي تم تحويلها إلى مواد استهلاكية في صورتها النهائية، أو في شكل سلع "مخرجات" لتحقيق عائد مادي للمنشأة التي تنتج هذه السلع. وقد بدأت الهيئة العامة للإحصاء العمل على هذا المؤشر ونشر نتائجه منذ عام 2015، وهو يمنح معلومات صادقة وشفافة عن حالة الإنتاج الصناعي في المملكة ومصادر هذا الإنتاج. وجنبا إلى جنب مع مؤشرات أخرى، مثل الصادرات السعودية، خاصة تلك المعلومات التي تتعلق بالفصل بين الصادرات السعودية وإعادة التصدير، فإننا نستطيع أن نكون رؤية "بانورامية" عن الحالة الصناعية في المملكة، واتجاهاتها بدقة كبيرة. ووفقا لتحليل وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، الذي استند إلى بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، فإن الإنتاج الصناعي السعودي في المملكة قد ارتفع 9.7 في المائة منذ عام 2015؛ حيث بلغ الرقم القياسي له حينها 125.6 في المائة، بينما بلغ الرقم القياسي للإنتاج الصناعي 137.9 نقطة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، وهذا المؤشر يعكس نموا في كميات الإنتاج الصناعي في المملكة بـ 5.84 في المائة على أساس سنوي، وهذا النمو يعطي انطباعا جيدا جدا بشأن كثير من القضايا، لعل أهمها اتجاهات النمو المحتملة في القطاع الصناعي في المملكة، فهذه المعلومات تحمل في طياتها فرصا واعدة للقطاع الخاص للدخول في هذه الصناعات التي تحقق نموا مطردا، ولعل نموه بنسبة تقترب من 10 في المائة خلال ثلاث سنوات يعد معلومة محفزة لأي مؤسسة اقتصادية أو رجل أعمال أو مؤسسات تمويلية، وإذا تتبعنا التحليل، نجد أن هذا المؤشر لكميات الإنتاج التي تم تحويلها إلى منتجات استهلاكية نهائية، قد تركز في ثلاثة قطاعات رئيسة، هي: "التعدين، واستغلال المحاجر"، "الإنتاج في الصناعات التحويلية"، "الإنتاج في إمدادات الكهرباء والغاز". وقد أكد التحليل أن أكثر هذه الأنشطة نموا هو الإنتاج في الصناعات التحويلية، ولعل هذا النمو يعكس بجلاء نجاح العمل في "رؤية المملكة 2030"، التي تركز بشكل جلي على هذا التحول نحو الصناعات التحويلية، وقد جاء ذكر هذا في كثير من اللقاءات المهمة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كما أن هذا الاتجاه مدعوم بالشركات الكبرى، مثل "أرامكو" و"سابك"، ولهذا نجد أصداء هذا التوجه في المؤشرات الاقتصادية المستقلة، كما نقرأ أيضا أن نشاط التعدين والأنشطة الاستخراجية يجد وزنه بمعدل 74.33 في المائة في المؤشر، ويدل على أهمية هذا النشاط في التحولات الاقتصادية التي تشهدها المملكة حاليا؛ حيث تعمل المملكة بكل قوة على تقليل الاعتماد على النفط كمحرك اقتصادي وحيد، ولهذا فإن الصناعات التعدينية، تجد أهمية كبرى اليوم، انعكست على عدد وقيمة المنتجات في مؤشر كميات الإنتاج الصناعي، وهذا أيضا يأتي متوافقا مع "رؤية المملكة 2030"، التي وضعت أهمية خاصة لتنمية قطاع التعدين والمواد التي يتم تحويلها بسهولة إلى منتجات استهلاكية، كالألمنيوم والفوسفات والذهب والنحاس واليورانيوم، وغيرها. ومن الجدير بالذكر هنا، أن "الرؤية" وبرامجها التنفيذية تؤكد دائما أن هذه التوجهات الاقتصادية والتحولات العميقة، لا بد أن تتم جنبا إلى جنب لتعزيز المحتوى المحلي، من حيث إن هذه الصناعات يجب أن توفر فرص عمل للسعوديين، كما أن عليها أن تبذل جهدا أكبر في استخدام منتجات سعودية. وهكذا، فإن قراءة النمو في هذه الصناعات ومنتجاتها تدل على نمو مقارب في فرص العمل وفي نمو الصناعات الأخرى ذات العلاقة.
إنشرها