Author

تقلبات الاسترليني واستقرار اليورو

|
كان طبيعيا أن يتراجع الجنيه الاسترليني في أعقاب الإعلان عن مسودة الاتفاق حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فهذه المسودة أحدثت شرخا سياسيا جديدا في الساحة البريطانية، وصل إلى حد استقالة سبعة وزراء من حكومة تيريزا ماي في غضون ساعات قليلة، بينهم وزير شؤون الانفصال نفسه دومنيك راب! والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد تقدم المؤيدون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حزب المحافظين الحاكم، بطلب حجب الثقة عن ماي، في محاولة لعزلها عن زعامة الحزب، وبالتالي رئاسة الوزراء. مع التأكيد هنا على أن هذه الحكومة لا تتمتع بأغلبية، بل تستند في ذلك إلى دعم حزب إيرلندي صغير، يمكن أن يدمرها في أي لحظة. المهم أن الجنيه الاسترليني تعرض للتقلبات وسوف يتعرض في الأيام المقبلة لمثل هذه التقلبات، خصوصا إذا استفحلت معركة عزل تيريزا ماي، ويتقدم مزيد من نواب حزبها للإعلان عن الوقوف ضدها. والعملة البريطانية، حققت استقرارا جيدا في بداية العام الجاري، حتى في ظل المشكلات الكبيرة التي واجهت مفاوضات الخروج. وشهد الاقتصاد البريطاني تحسنا ملحوظا، بما في ذلك تراجع تاريخي في معدل البطالة، غير أن مسودة اتفاق الخروج جاءت لتضرب استقرار الجنيه، الذي من المتوقع أن يتعرض للتراجع الكبير إذا ما تم خروج بريطانيا بدون اتفاق. وهذا وارد خصوصا أن رئيسة الوزراء لم تعط أي خيار آخر سوى الموافقة على مسودة الاتفاق أو لا اتفاق. سيواصل الجنيه الاسترليني تقلباته في الأشهر القليلة المقبلة. ففي نهاية آذار (مارس) المقبل يجب على المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وعليها أن تكون قد ضمنت اتفاقا معقولا، خصوصا فيما يتعلق بالحدود الإيرلندية، ومستقبل التجارة بين الجانبين. وإذا ما سقط الاتفاق في مجلس العموم البريطاني، فإن الأمور ستصل إلى أسوأ حالاتها بكل تأكيد، مع إمكانية الدعوة إلى انتخابات عامة، أو حتى استفتاء جديد حول البقاء أو الخروج من الاتحاد. أي أن استقرار العملة البريطانية سيظل مربوطا بالاستقرار السياسي الغائب عن الساحة في الوقت الراهن، ولا سيما في ظل مواجهة حقيقية داخل حزب المحافظين الحاكم. لا أحد يتوقع أن يتحسن الجنيه الاسترليني ويعود إلى مستوياته التي سبقت استفتاء الخروج في عام 2016. حتى ولو خرجت لندن باتفاق واضح. وتحتاج العملة البريطانية إلى مزيد من الوقت لاستعادة الثقة بها، ولا سيما أنها تراجعت بصورة كبيرة في أعقاب الاستفتاء المذكور، ما دعم موجة غلاء شديدة على الساحة المحلية، ورفع من تكاليف الاستيراد. بينما سيشهد اليورو مزيدا من الاستقرار لأسباب سياسية بحتة. فالخلافات الأوروبية سياسيا لم تعد حاضرة "كما كانت" على الساحة. بينما الأمر ليس كذلك بالنسبة لبريطانيا. والمشكلة الأكبر بالنسبة للجنيه الاسترليني والاقتصاد البريطاني عموما الآن، هي أن الاتحاد الأوروبي ليس مستعدا للتفاوض حول مسودة الاتفاق الذي تقدمت به الحكومة للبرلمان. فبروكسل أعلنت رسميا أنها لن تتفاوض، وأن مسودة الاتفاق هي أفضل ما يمكن التوصل إليه، على الرغم من الثغرات الموجودة فيها. إنها مرحلة التقلبات السياسية والاقتصادية، والاسترليني يتصدرها الآن، في حين لا توجد ضمانات لأي شيء على الساحة البريطانية، بما في ذلك بقاء الحكومة أو الدعوة لانتخابات عامة جديدة، أو حتى لاستفتاء عام آخر.
إنشرها