Author

قمة التسامح

|
قضيت اليومين الماضيين في دبي مشاركا مع زملاء لي في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، في القمة العالمية للتسامح التي تنظمها حكومة الإمارات ممثلة في وزارة التسامح، وتستضيفها إمارة دبي. وعلى مدى يومين تناول المتحدث تلو الآخر أهمية "التسامح" كقيمة وكمرتكز للتعايش الإنساني. ومع صعود متحدث تلو الآخر للمنصة، تجده يتناول الأمر من زاوية، ليس بالضرورة مختلفة لكنها متمايزة، فهناك من يُصرّ، وإن كان بكلمات لطيفة، على تطبيق التسامح من منظوره هو وما يؤمن به ومن منطلقاته. وهنا يأتي الإشكال حقيقة؛ إصرار الواحد منا أن يُطبق "التسامح" ويلتزم به من منظوره هو، وليس من أي منظور آخر! وهنا يكمن الإشكال: إذا سيكون لدينا "مفاهيم" متعارضة للتسامح، وبذلك نختلف كيف نتسامح، فلا نتسامح! التسامح ليس غفرانا ولا تنازلا بل التصالح مع الذات أولا بأن بالأرض تتسع للناس جميعا، وبأن لكلِ فرد منهم حيزا. وما دام يحترم حقوق الآخرين، فعلى الآخرين احترام حقه. في قمة التسامح، كان ما سمعته من قصص من المشاركين يحمل معاني هائلة حول التسامح ومعانيه العميقة، قابلت شخصا من إحدى الدول الإفريقية الرئيسة، وحدثني كيف أن بلده عانت – على الرغم من ثرائها – نتيجة لانعدام التسامح بين أعراقها، ما أدخلها في حروب أهلية، وتنازع لا يهدأ، ما أضاع على ذلك البلد فرص التنمية والنمو، والغرق في أتون الفقر. والسبب وفقا لذلك المثقف الإفريقي، أن كل فريق يغذي أفراده بالتشدد ضد الفريق الآخر، متناسين ما يجمعهما. والنتيجة أن أحدا منهما لم ينتصر. وعلى النقيض قابلت سيدة من الهند متطوعة لمساعدة أصحاب الحاجة دون النظر لأي اعتبار، فكما قالت: نحن ننظر لما يجمعنا كبشر فقط، نساعد من هو بحاجة، وبالقليل من الإمكانات. كانت تتحدث بحماس يُبدي شغفها بما تقوم به، سألتها عن مصادر التمويل، فقالت إن جلّ أموالهم مصدرها تبرعات صغيرة من الأفراد، بما يُثبت مقولة "القليل في القليل كثيرُ". عودة على قمة التسامح، للتذكير بأن المملكة عقدت مبكرا قمة دولية تناولت التسامح كقيمة أساسية لضرب الإرهاب في المهد، كان ذلك في عام 2005، أعربت فيه الدول المشاركة إلى أهمية قيم التفاهم والتسامح والحوار والتعارف بين الشعوب والتقارب بين الثقافات ورفض منطق صراع الحضارات ومحاربة كل فكر يدعو إلى الكراهية ويحرص على العنف.
إنشرها