FINANCIAL TIMES

مأزق صناعة السيارات الألمانية يهدد إنهاء برنامج التحفيز الأوروبي

مأزق صناعة السيارات الألمانية يهدد إنهاء برنامج التحفيز الأوروبي

في موقف للسيارات بالقرب من مطار براندنبيرج غير المكتمل في برلين، تشهد عشرة آلاف سيارة غير مبيعة من "فولكسفاجن" على مشاكل اقتصاد منطقة اليورو الأكبر - ومعضلة ماريو دراجي والبنك المركزي الأوروبي.
تقلص الاقتصاد الألماني 0.2 في المائة في الأشهر الثلاثة حتى أيلول (سبتمبر)، وهي المرة الأولى التي يتراجع فيها على مدى ثلاثة أعوام، بعد أن صارت صناعة السيارات - التي عادة ما تكون محركا سلسا للنمو - ضعيفة للغاية.
قلصت شركات صناعة السيارات الألمانية وتيرة الإنتاج إلى أن تتخلص من تراكم مئات الآلاف من السيارات الجديدة بعدما تأخرت في إثبات استيفاء السيارات لمعايير جديدة للانبعاثات: في ذروة فصل الصيف كان لدى "فولكسفاجن"، أكبر شركات صناعة السيارات الألمانية، ربع مليون سيارة غير مبيعة في جميع أنحاء أوروبا.
ويظهر أسوأ رقم للناتج المحلي الإجمالي الألماني منذ أوائل 2015 التأثير الكبير للتأخير في الإنتاج الصناعي. ولأن صناعة السيارات مهمة جدا لألمانيا، التي تمثل نحو ثلث الناتج الاقتصادي لمنطقة اليورو، فإن هذا الاضطراب مثير للقلق أيضا بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، الذي يعتقد رئيسه، دراجي، أن الانتعاش الاقتصادي في منطقة اليورو يسمح بإلغاء تدريجي لبرنامج شراء السندات في حقبة الأزمة، على الرغم من التوترات حول التجارة العالمية.
سجل نمو منطقة اليورو في الربع الثالث مستوى سيئا عند 0.2 في المائة - وهو أسوأ رقم في أكثر من أربع سنوات.
وقال جريج فوسيزي، الخبير الاقتصادي المختص في منطقة اليورو في مصرف جيه بي مورجان: "ازدادت نسبة عدم اليقين في التوقعات، والبنك المركزي الأوروبي يراقب عن كثب ما إذا كانت مخاطر مثل الحروب التجارية والتوترات في إيطاليا تتسبب في ضرر دائم للنمو. في هذا المناخ سيبحث البنك المركزي الأوروبي عن تأكيد أن قطاع السيارات الألماني سيرتفع في الربع الرابع في أعقاب الاضطرابات الكبيرة خلال فصل الصيف".
وفي الوقت الذي تعافت فيه منطقة اليورو، أثبتت ألمانيا في الأغلب أنها هي العامل الحاسم، حين رفعت النمو الإقليمي في وقت كان فيه عديد من الاقتصادات الكبرى في منطقة اليورو يعاني. إلا أن ذلك كما يبدو الآن في الطريق نحو اتجاه معاكس. ففي وقت سابق من هذا الشهر خفض "مجلس الخبراء الاقتصاديين في برلين" توقعاته للنمو هذا العام إلى 1.6 في المائة، وهو أقل كثيرا من 2.2 في المائة المسجلة في عام 2017 ، بسبب مشاكل القطاع ومبيعات التصنيع الضعيفة، خاصة في الصين.
وبحسب نادية غربي، الخبيرة الاقتصادية في شركة بيكتيت لإدارة الثروات "تباطؤ الاقتصاد الألماني سيؤثر في منطقة اليورو ككل. ومن المحتمل أن يركز البنك المركزي الأوروبي على حقيقة أن النمو الإقليمي لا يزال أعلى من المتوسط التاريخي وأن التضخم سيظل على مساره. لكن مشاكل شركات صناعة السيارات الألمانية في الوفاء بمعايير الانبعاثات تمثل صداع اتصالات للبنك المركزي".
ويعود مأزق صناعة السيارات في ألمانيا إلى اضطرارها للوفاء بمعايير الانبعاثات المسماة "إجراءات اختبار المركبات الخفيفة المتوافقة عالميا" WLTP التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من أيلول (سبتمبر). وزادت شركات صناعة السيارات المبيعات قبل الموعد النهائي، وبالتالي قلصت الإنتاج في أيلول (سبتمبر)، لكن التأخير في ضمان الامتثال لـ WLTP يعود في جانب منه إلى طفرة ألمانيا الطويلة: معدل البطالة تراجع إلى مستوى منخفض في مرحلة ما بعد إعادة التوحيد، ما فاقم نقص المهارات خلال فترات العمل المزدحمة.
فضيحة سيارات الديزل "ديزلجيت"، التي تفجرت بسبب مستويات غير قانونية لانبعاثات السيارات الألمانية، لعبت دورا أيضا. ومع أن شركة فولكسفاجن لا تعاني نقصا فنيا بشكل عام، إلا أن فرق العاملين التي تختبر معايير WLTP تحاول بشكل محموم تحديث برنامج سيارة فولكسفاجن للحد من الانبعاثات.
نيك مولدن، الرئيس التنفيذي لـ "إميشين أناليتيكس"، وهي شركة مقرها لندن تختبر الاقتصاد في وقود السيارات، اعتبر أن ما يحدث "نتيجة فضيحة ديزلجيت". وقال إن شركات صناعة السيارات الألمانية فشلت في الاستعداد بشكل صحيح لمعيار الانبعاثات الجديد، لأنها كانت مشتتة بسبب تداعيات الفضيحة واحتمال فرض حظر على سيارات الديزل في مدن ألمانية معينة. وكانت بعض شركات صناعة السيارات، مثل شركة فولكسفاجن، دقيقة في تلبية المعايير الجديدة، واستغرقت في ذلك وقتا أطول من منافسيها. ويجب أن يتم اختبار 260 مجموعة مختلفة من صندوق تروس المحرك لسيارات "فولكسفاجن" بشكل منفصل، إلى جانب تغيرات أخرى تؤثر في الانبعاثات.
ومن المتوقع أن تكون باحات وقوف السيارات الخاصة في شركات صناعة السيارات خالية بمجرد استيفاء معايير الانبعاثات: تقول شركة فولكسفاجن إنها باعت بالفعل 80 في المائة من السيارات وهي في انتظار موافقة الجهات التنظيمية فقط. لكن أي ارتداد في إنتاج صناعة السيارات - وفي الناتج المحلي الإجمالي - قد يأتي متأخرا جدا بالنسبة للتصويت الحاسم للبنك المركزي الأوروبي في منتصف كانون الأول (ديسمبر)، عندما يتعين على البنك وضع استراتيجيته لعام 2019. فرانك فيتر، المدير المالي لشركة فولكسفاجن، قال في تشرين الأول (أكتوبر) إن حالات التأخير المتعلقة بمعايير WLTP ستظل تؤثر في أوقات انتظار العملاء وأداء الشركة في الربع الأول من العام المقبل.
وفي حين يتوقع من البنك المركزي الأوروبي أن يضغط على مكابح التوسع في التسهيل الكمي في نهاية كانون الأول (ديسمبر)، يعتقد بعض المحللين أن مشاكل شركات صناعة السيارات قد تتصادم مع عناصر أخرى من الخروج المخطَط للبنك من خطة التحفيز في حقبة الأزمة. قالت غربي إن أرقام تشرين الأول (أكتوبر) تشير إلى أن مبيعات السيارات لا تزال ضعيفة وإن مؤشرات الثقة الأوسع كانت أيضا مخيبة للآمال. "نعتقد أن أول ارتفاع لسعر الفائدة سيحدث في أيلول (سبتمبر) 2019، لكن هذه التوقعات معرضة للخطر. يمكننا أن نرى أسعار الفائدة وهي لا تزال عند أدنى مستوياتها التاريخية طوال العام المقبل".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES