FINANCIAL TIMES

متجاهلة اتجاهات السوق .. «بينج آن» تتحوط إزاء مخاطر المستقبل

متجاهلة اتجاهات السوق .. «بينج آن» تتحوط إزاء مخاطر المستقبل

متجاهلة اتجاهات السوق .. «بينج آن» تتحوط إزاء مخاطر المستقبل

هناك خاصية التعرف على التفاصيل المصغرة للوجوه، من أجل الحصول على القروض المصرفية والعيادات الصحية، التي تعمل باستخدام الذكاء الاصطناعي والخوارزميات، لتقييم تدفقات حركة المرور على شاطئ البحر.
بالنظر إلى بعض الأمور التي تفعلها الآن، سيكون من السهل أن نظن خطأ أن "بينج آن" هي شركة تكنولوجيا.
في حين أن مجموعات التكنولوجيا العالمية مثل "أمازون" و"فيسبوك"، وكذلك "تنسنت" و"علي بابا الصينية"، تنتقل من وسائل الإعلام الاجتماعية والتجارة الإلكترونية، إلى الدخول في مجال المصارف والتأمين، فإن "بينج آن" تتحرك في الاتجاه المعاكس.
على مدى الـ30 سنة الماضية، أنشأ الرئيس التنفيذي بيتر ما شركة بينج آن لتصبح أكبر شركة تأمين في العالم من حيث القيمة السوقية.
تبلغ قيمتها الآن نحو 170 مليار دولار، أي أكثر بكثير من المنافسين الأقدم مثل "أكسا"، و"أليانتز"، والمجموعة الدولية الأمريكية. وقد فعل ذلك بشكل كامل داخل حدود الصين، حيث تتمتع "بينج آن" بنطاق مثير للإعجاب - 1.4 مليون وكيل للتأمين، و179 مليون عميل ينمون بمعدل 25 في المائة سنويا، و486 مليون مستخدم لخدماتها على الإنترنت، وخطوط جانبية في كل شيء من التشخيص الطبي إلى إدارة الثروات.
وقد تم بناء هذا النطاق على أساس الاستثمار الضخم في التكنولوجيا. تنفق الشركة 1 في المائة من إيراداتها على الابتكار، أي ما يعادل 7.95 مليار رنمينبي "1.4 مليار دولار" في العام الماضي.
هذا يعطي شركة بينج آن نفوذا من النوع الذي يمكن لشركات التأمين الأخرى أن تحلم به قط.
تقول ليندا صن ماتيسون، المحللة في وكالة برنشتاين: "التكنولوجيا المالية هي عامل تمكين قوي للغاية في الصين"، والتي تقول إنها تمنح الشركة القدرة على الوصول إلى مزيد من العملاء: "التطبيق الناجح تماما في التكنولوجيا هو القدرة على توسيع النطاق... وسيضيف قيمة هائلة إلى بينج آن على المدى الطويل".
هذا المستوى من الاستثمار في التكنولوجيا – حيث يعمل لديها 23 ألف شخص في البحث والتطوير، ولديها أكثر من ثمانية آلاف طلب براءة اختراع - وضع الشركة في طليعة اتجاه عالمي لشركات التأمين للتفرع من نماذج الأعمال التقليدية، استنادا إلى بوالص التأمين والمطالبات.
يضع "ما" نصب عينيه على الأسواق خارج الصين للمرحلة المقبلة من توسعة شركة بينج آن، حيث إن هناك خططا لتوجيه أعمالها إلى جنوب شرق آسيا وما وراء ذلك. كجزء من ذلك، قام بإنشاء "ون كونيكت" OneConnect، وهي وحدة متخصصة في التكنولوجيا المالية، لبيع تكنولوجيا شركة بينج آن إلى مجموعات مالية أخرى.
وكما يقول: "نجحنا في الحصول على خبرة عملية في الصين. نرجو أن نتمكن من تطبيق تلك التكنولوجيا والخبرة في بلدان أخرى".
تم تشكيل شركة بينج آن، التي تعني "السلامة" في اللغة الصينية، في الأيام المثيرة للافتتاح الاقتصادي للصين، عندما كانت الإصلاحات تجري في النظام المالي بالكاد تواكب النمو.
وفقا لتاريخ الشركة الرسمي، أمضى "ما" عامين في الضغط على رؤسائه في مجموعة تشاينا ميرتشانت جروب China Merchants Group إضافة إلى عدد من المسؤولين والهيئات التنظيمية الأخرى، للحصول على إذن لفصل وحدة صغيرة تختص بتأمين تعويضات العمال من داخل شركة الشحن التابعة للدولة، في منطقة شنزن الاقتصادية الخاصة.
بعد الفوز بالموافقة، تم إطلاق شركة بينج آن في عام 1988 مدعومة بوحدة ائتمان في البنك الصناعي والتجاري الصيني، التي استحوذت على 51 في المائة من الأسهم.
واستحوذت المنطقة الاقتصادية الخاصة على ما تبقى. كانت أول مجموعة تأمين في الصين لديها أسهم تمتلكها كل من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
ومع توسعها قبلت استثمارات من المؤسسات الحكومية المحلية، وفي النهاية فإن كلا من "مورجان ستانلي" و"جولدمان ساكس" في أوائل التسعينيات، اشترتا حصصا بحدود 5 في المائة مقابل 25 مليون دولار. ستبلغ قيمة هذه الاستثمارات الآن نحو 8.5 مليار دولار لكل منها. كما أصبح بنك إتش إس بي سي HSBC مستثمرا كبيرا.
النمو في أوائل العقد الأول من القرن الحالي جاء من الاستفادة من ارتفاع الطلب على التأمين. بحلول عام 2011، أصبحت شركة مستثمرة في الدولة، حيث اشترت بنك التنمية في شنزن ودمجته مع أعمالها المصرفية الخاصة، وأسست صناديق ائتمان ودخلت في إدارة الأصول.
انعكاس الأدوار كان صارخا. واصلت الشركة شراء الأصول الحكومية، مثل بورصة الأصول المالية شنزن كيانهاي في عام 2015. وقد برزت كأكبر مساهم في شركة إتش إس بي سي القابضة، بحصة تبلغ أكثر من 7 في المائة، في أكبر مصرف في أوروبا.
صورتها البارزة جذبتها أيضا إلى فلك الناس المتنفذين وكفلت التدقيق الدقيق. في عام 2012، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن أعضاء من أسرة وين جياباو، رئيس الوزراء آنذاك، كانوا مستثمرين مبكرين في شركة بينج آن.
يتحدث المؤيدون عن "ما" بعبارات إنجيلية، لكن بعض الذين عملوا معه بشكل وثيق يقولون إنه يجد صعوبة في التركيز في بعض الأحيان. يقول أحد زملائه السابقين: "إنه يفكر في عدة خطوات إلى الأمام، لكنه غالبا ما يعترك من أجل اتخاذ الخطوة الأولى ويتعين عليه الاستعانة بشركات استشارية للقيام بذلك".
في الآونة الأخيرة بدأ الزخم في التوقف. في النصف الأول من هذا العام، بقيت قيمة الأعمال الجديدة في القسم الأساسي في شركة بينج آن، قسم التأمين على الحياة، ثابتة على ما كانت عليه العام السابق، حيث ألقى المحللون باللوم على حملة تنظيمية لتشديد القبضة على بعض المنتجات قصيرة الأجل.
كما تعثر سعر سهمها – الذي سجل أداء ممتازا في عام 2017 - حيث خسر خمس قيمته منذ أن وصل إلى الذروة عند 96.4 دولار هونج كونج في كانون الأول (يناير) الماضي.
ووفقا للسيدة صن ماتيسون، فإن هناك من يشكك في نموذج أعمال شركة التأمين: "كثير من المستثمرين يشككون في طموح تكتل بينج آن المالي الذي يريد أن تكون الشركة محطة لجميع الخدمات: في جميع أنحاء العالم، أنتجت مثل هذه المساعي في الغالب خسائر وليس مكافآت للمساهمين، على الأقل حتى الآن"، وذلك بحسب ما كتبت في مذكرة أخيرة.
على الرغم من هذا التشكك، حوَّل "ما" اهتمامه إلى الخارج من أجل التوظيف وفرص جديدة.
يقول جيمس بيرسون، رئيس مجموعة المؤسسات المالية في آسيا باستثناء اليابان في قسم الاستثمار المصرفي في بنك نومورا: "لقد أصبحوا أكثر تركيزا على الخارج من حيث إدارة أعمالهم. إنه فريق إداري دولي للغاية".
رئيس "لوفاكس"، وهي منصة شركة بينج آن لإدارة الثروات، هو أمريكي يدعى جريج جيب. وأحد نواب الرئيس التنفيذي للمجموعة، جيسيكا تان، هي من سنغافورة.
في حين أن جوناثان لارسن، وهو مصرفي سابق في بنك سيتي الأسترالي، هو رئيس الابتكار في الشركة ويدير أيضا صندوق جلوبال فوايجر Global Voyager الذي تبلغ قيمته مليار دولار. خريجو شركة ماكينزي بارزون بشكل خاص.
الخطوة التالية هي توسيع الأعمال نفسها خارج الصين. وفي الوقت الحالي، أدوات هذا التحول هي سلسلة من الشركات المستقلة التي أطلقتها شركة بينج آن لاستهداف أسواق محددة.
شركة جود دكتور Good Doctor، التي طرحت في هونج كونج في أيار (مايو) الماضي برسملة سوقية 58.5 مليار دولار هونج كونج "7.5 مليار دولار"، تقدم خدمات الرعاية الصحية عبر الإنترنت. وقد أقامت مشروعا مع "جراب"، وهي منصة طلب سيارة الأجرة عبر الإنترنت في سنغافورة، وتعمل أيضا في كمبوديا وإندونيسيا وماليزيا وميانمار والفلبين وتايلاند وفيتنام.
يقول أوليفر وونج، الرئيس التنفيذي لشركة جود دكتور Good Doctor: "مع منصة جراب، يمكننا أن نذهب إلى السوق بسرعة في ثمانية بلدان".
"لوفاكس" التي تدير أيضا الإقراض من النظير إلى النظير، تستخدم بيانات من مجموعة بينج آن وأماكن أخرى لقياس الرغبة في المخاطرة وتصميم عروضها للعملاء الأفراد. مثل جود دكتور Good Doctor، تستهدف "لوفاكس" في جنوب شرقي آسيا.
يقول جيب: "نهدف إلى خدمة الطبقة الوسطى في جنوب شرقي آسيا. إذا نظرت إلى توليد الثروات الجديدة في العقد التالي، فإن ثلثيها يأتي من آسيا ونصف هذين الثلثين يأتي من الطبقة الوسطى".
قد يساعد ذلك على التعويض عن سوق محلية أكثر تشددا، حيث يتوقع بعضهم في الصناعة أن تقوم الحكومة بتشديد القبضة، من أجل تقليص عدد شركات الإقراض من النظير إلى النظير، من أكثر من 1500 إلى عدد قليل بحدود 50 شركة في غضون الأشهر الـ 12 المقبلة.
تقدم "ون كونيكت" OneConnect طريقا ثالثا خارج الصين. لديها الآن 2700 عميل في جميع أنحاء الصين، وعلى أساس عملية لجمع الأموال في وقت سابق من هذا العام تم تقييمها بحدود 7.5 مليار دولار.
يقول مايكل فاي، كبير الإداريين الاستراتيجيين في الشركة، التي أنشأت مكاتب لها في هونج كونج وسنغافورة في وقت سابق من هذا العام: "التكنولوجيا المالية مكلفة من حيث تطويرها. ليس في مقدور جميع البنوك القيام بذلك". منذ فترة وافق البنك المركزي في هونج كونج و21 مؤسسة أخرى على نظام تمويل تجاري يعتمد على تكنولوجيا سلسلة التكتل في شركة بينج آن.
يقول فاي: "هناك إمكانات هائلة في السوق في أجزاء أخرى من العالم، لكننا كنا حذرين. يجب أن نفهم البيئة التنظيمية المحلية. اخترنا منطقة آسيان (بلدان جنوب شرقي آسيا) كخطوة أولى للقيام ببعض الاختبارات. إذا نجحت، فسنذهب إلى بلدان أخرى".
ما هو أقل وضوحا هو ما إذا كانت بينج آن ستحاول أن تأخذ أعمال التأمين والعمليات المصرفية الأساسية إلى الأسواق الخارجية. في آب (أغسطس) الماضي، قيل إن الشركة تتطلع إلى المزايدة على مشروع برودنشال آسيا الآسيوي، الذي يقدر قيمته المحللون في وكالة برنشتاين بأكثر من 37 مليار جنيه استرليني.
يقول أحد المنافسين إنه من المنطقي بالنسبة لشركة بينج آن تنويع أرباحها. ويعتقد أحد المصرفيين الذي يعرف الشركة جيدا أن ما يرغب في القيام بصفقة "تحويلية". تمنح شركة برودنشال آسيا الشركة إمكانية الوصول الفوري إلى 15 مليون عميل للتأمين على الحياة في 12 سوقا.
ومع ذلك، حتى وإن أرادت بينج آن عقد صفقة وإقناع شركة برودنشال آسيا بالتخلي عما يعده كثيرون أفضل أصولها، فإن هناك كثيرا من الشكوك حول ما إذا كانت الصفقة التي من هذا القبيل ممكنة أو مرغوبة.
الحاجز الأول هو التمويل. حتى بالنسبة لشركة بحجم بينج آن، فإن برودنشال آسيا ستكون صفقة ضخمة.
وتقول السيدة صن ماتيسون: "سيتعين عليهم جمع سندات من البلدان الأجنبية. هذا أمر ممكن، لكنه يشكل عقبة أخرى يجب عبورها".
ثمة عائق أكبر محتمل هو التنظيم. كانت السلطات الصينية حذرة بشأن السماح لشركات التأمين، بالاستثمار بشكل مكثف في الخارج، في أعقاب فشل الشركة المنافسة آنبانج في وقت سابق من هذا العام، بعد أن توسعت أعمالها في مختلف أنحاء أوروبا وآسيا والولايات المتحدة.
من غير المرجح أن تكون الجهات التنظيمية الصينية هي الجهات المعترضة الوحيدة. يتساءل أحد التنفيذيين من العاملين في شركة تأمين منافسة قائلا: "هل ستكون الحكومات الأجنبية سعيدة بحصول شركة بينج آن على حصة كبيرة في شركة تأمين على الحياة - ولا سيما مع قدراتها على جمع البيانات؟".
كما أن هناك تساؤلات أيضا حول ما إذا كانت شركة بينج آن قادرة على تنفيذ عملية استحواذ من هذا القبيل.
يقول مصرفي مختص بالتأمين: "التحدي المتعلق بالقيام بصفقة كبيرة جدا هو الافتقار إلى الخبرة.
تمتلك بينج آن القدرة المالية، لكن من الصعب تقييم ما إذا كانت ستكون قادرة على النجاح في عملية استحواذ على شركة تمارس أعمالها في مناطق اختصاص متعددة".
في عام 2007، اشترت حصة نسبتها 4 في المائة في "فورتيس"، مجموعة الخدمات المالية البلجيكية - الهولندية مقابل مبلغ 1.8 مليار يورو. كان يتعين إنقاذ "فورتيس" خلال الأزمة وانتهى الأمر بقيام شركة بينج آن بشطب كل استثمارها.
تقول السيدة صن ماتيسون: "كانت شركة فورتيس كارثة. لا أعتقد أن المساهمين يرغبون في تكرار ما حصل".
الأكثر أهمية من ذلك، بحسب ما يجادل بعض المحللين، ليست هنالك حاجة لأن تتطلع "بينج آن" للعمل في الخارج. حتى "ما" نفسه يقلل من فرص التوصل إلى اتفاق: "حتى الآن، ليست لدينا طموحات لتنفيذ عمليات استحواذ في الخارج. لدى السوق الصينية أفضل آفاق النمو".
تقدر وكالة برنشتاين أن الأرباح التي تحققها أعمال التأمين على الحياة في شركة بينج آن سترتفع من 66 مليار رنمينبي"9.5 مليار دولار" هذا العام إلى 120 مليار رنمينبي في غضون أربع سنوات.
وهذا يعني أكثر من مجرد تحقيق أرباح نقدية إضافية للمساهمين. تقول السيدة صن ماتيسون، إنه على الرغم من كل خطط التوسع والاستثمار في التكنولوجيا، إلا أن أعمال التأمين على الحياة هي "جوهرة التاج" بالنسبة لشركة بينج آن.
كما أن جيشها من وكلاء المبيعات يمنحها ميزة كبيرة، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الوقوف في وجه شركات التكنولوجيا التي ستصبح منافسة لها في المستقبل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES