FINANCIAL TIMES

ألمانيا .. شركات الصناعة تبادر بالتصدي لليمين المتطرف

ألمانيا .. شركات الصناعة تبادر بالتصدي لليمين المتطرف

ألمانيا .. شركات الصناعة تبادر بالتصدي لليمين المتطرف

شركة تصنيع ساعات فاخرة هي من بين مجموعة صغيرة من أصحاب العمل في منطقة ساكسونيا في ألمانيا، التي تتخذ إجراء مباشرا لمواجهة التأثير المتنامي للفكر اليميني المتطرف في مكان العمل، حيث تخشى الشركات من أن تلحق المشاعر المناهضة للهجرة الضرر بصورة الصناعة المحلية في الخارج.
أطلقت شركة نوموس، واحدة من أكبر الشركات المعروفة في جلاسهوته، سلسلة من ورشات العمل للموظفين هذا العام، في محاولة لكشف زيف حجج اليمين المتطرف وتحديها.
أووي أهرندت، الرئيس التنفيذي للشركة يقول لصحيفة فاينانشيال تايمز: "لدي رأي سياسي، بصفتي مواطنا وصاحب مشاريع، أعبّر عنه بشكل واضح".
يوضّح أن بعض معارفه القدامى يذهبون إلى الجانب الآخر من الشارع الآن لتجنبه، منذ أن بدأ الحملة ضد الحزب اليميني المتطرف في مسقط رأسه في ألمانيا الشرقية.
ساكسونيا هي أحد معاقل حزب البديل لألمانيا، الذي أصبح أول حزب يميني متطرف يدخل البرلمان الألماني منذ الستينيات، بعد الانتخابات الفيدرالية عام 2017. فاز الحزب بـ 12.6 في المائة من الأصوات على مستوى ألمانيا، بينما جاء في المرتبة الأولى بـ 27 في المائة في ساكسونيا.
شهدت الولاية ارتفاعاً في الاحتجاجات والعنف هذا العام. شيمنتز، ثالث أكبر مدينة في ساكسونيا، أصبحت رمزاً للعنف اليميني المتطرف والعنصرية في الصيف بعد سلسلة من الاحتجاجات ضد المهاجرين. شهدت المظاهرات شباباً في سترات هوديز سوداء يهتفون "ألمانيا للألمان" و"اخرجوا أيها الأجانب".
"نوموس" شركة متوسطة الحجم مملوكة للقطاع الخاص لديها 300 موظف، ويقع مقرها الرئيس فيما كان محطة السكك الحديدية في جلاسهوته. وقد أدانت العنصرية في رسائل مفتوحة، وتبرعت بمبلغ مليون يورو لمنظمة أطباء بلا حدود، وهي جمعية خيرية تُرسل العاملين الأطباء إلى البلدان المتضررة من الصراع، بما في ذلك سورية. قبل بضعة أعوام، طردت شركة نوموس اثنين من الموظفين بعد أن تركا أقراصا مدمجة تحتوي موسيقى نازية محظورة في سيارة تابعة للشركة.
على مدى أكثر من 170 عاماً، كانت جلاسهوته – بلدة نائية على بُعد 200 كم جنوب برلين – مركزاً لصناعة الساعات في ألمانيا. بدأت الصناعة عام 1845، عندما قام فرديناند أدولف لانجه بتأسيس شركة صناعة الساعات، "لانجه وأولاده"، هناك
يقول أهرندت، الذي والده وجده ووالد جده كانوا أيضاً من صناع الساعات: "جلاسهوته اليوم هي ما يُعادل الوادي السويسري للساعات في ألمانيا، كل ما في الأمر أنها أصغر بدرجات من حيث الحجم".
على الجانب المقابل من الشارع للمقر الرئيس لشركة نوموس يوجد مقر الشركتين المنافستين الكبيرتين: شركة "لانجه وأولاده"، المملوكة من قِبل المجموعة السويسرية الفاخرة ريشمون، وجلاسهوته أوريجينال، وهي شركة تابعة لمجموعة سواتش. وهناك ثماني شركات أخرى لصناعة الساعات موجودة في البلدة.
شركة نوموس هي وافد جديد نسبياً. الشركة، المعروفة بالساعات الأنيقة والبسيطة التي تتبع مبادئ تصميم باوهاوس غير المعقدة، تأسست عام 1990، عام إعادة توحيد ألمانيا. وتضع نفسها كعلامة تجارية فاخرة عند المستوى الأدنى من السعر، حيث لديها ساعات بتكلفة تتراوح بين 1100 يورو و4500 يورو.
لا تقوم الشركة بالإبلاغ عن الأرقام المالية. وتقول إنها أكبر شركة لصناعة الساعات في جلاسهوته، من حيث عدد الوحدات المبيعة وثالث أكبر شركة من حيث الإيرادات. على مدى العقد الماضي، زاد عدد موظفي شركة نوموس بأكثر من ثلاثة أضعاف.
ساعدت صناعة الساعات على ازدهار اقتصاد البلدة منذ إعادة التوحيد. يبلغ معدل البطالة أقل من 5 في المائة وصناعة الساعات فيها وهي واحدة من قطاعات ألمانيا الشرقية القليلة التي توظف الآن عدداً أكبر من الأشخاص مقارنة بحقبة الشيوعية.
كما هو الحال مع مدن أخرى في ساكسونيا، هناك دعم كبير لحزب البديل لألمانيا اليميني القومي المتعصب – وهو فقد في البرلمان المحلي واحدا من ثلاثة مقاعد فاز بها الحزب بشكل مُطلق في الانتخابات الفيدرالية عام 2017. درسدن، مسقط رأس حركة بيجيدا المناهضة للإسلام، تقع على بُعد 30 كم فقط إلى الشمال.
بداية مظاهرات حركة بيجيدا المناهضة للإسلام في درسدن عام 2015، بدأت الرسائل من زبائن شركة نوموس القلقين بالتراكم. تقول جوديث بوروفسكي، كبيرة الإداريين للعلامة التجارية في شركة نوموس: "يُريد الناس أن يعرفوا موقفنا من هذا الموضوع، وما إذا كانت ساعاتهم قد صنعها أحد النازيين".
اتخذت شركة نوموس عددا من الإجراءات، إزاء ذلك الحدث.
عندما أقام النازيون الجُدد في جلاسهوته مظاهرة ضد اللاجئين السوريين، وضعت شركة تصنيع الساعات لافتة خارج مقرها الرئيس: تقول "لدينا تعاملات على المستوى الدولي"، وتعهدت بدعم "الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدتنا".
بعد أن جذب حزب البديل لألمانيا 37.3 في المائة من الأصوات في جلاسهوته في الانتخابات الوطنية عام 2017، نشرت إدارة شركة نوموس رسالة مفتوحة للزبائن والأصدقاء، تنأى بنفسها عن العنصرية وتعد بدعم التسامح والتعددية.
منذ أوائل هذا العام، كانت نوموس تُقدم ورش عمل عن الشعبوية اليمينية لموظفيها. في ورش العمل التي صممتها كَريج، الجمعية الخيرية للتعليم الديموقراطي القائمة في درسدن، يناقش الموظفون مزاعم حزب البديل لألمانيا وكيفية مواجهتها.
يقول عامل في طابق تجميع الساعات: "أعتقد أن هذه مبادرة رائعة"، مُضيفاً أن مثل هذه الخطوات ليست "محاضرة سياسية"، لكنها تبادل مفتوح لوجهات النظر. "على سبيل المثال، كان لدينا نقاش طويل حول معنى التمييز". ويُجادل بأن النقاش ساعده على إدراك أن بعض الإعلانات التجارية تدعو إلى التمييز ضمنياً.
موظف في قسم البحث والتطوير يُرحب أيضاً بالمبادرة، لكنه يشعر بأن يوم العمل لا يترك مساحة كافية لمثل هذه الشواغل. "نحن نتعامل مع كثير من الأسئلة الهندسية المثيرة للاهتمام، ليس لدينا وقت لمناقشة السياسة".
يقول أهردنت إن ورش العمل، التي تتم خلال وقت العمل، يتم حجزها قبل عدة أشهر. ويُضيف أن "المشاركة طوعية تماماً".
يعتقد مارسيل فراتزشر، رئيس المؤسسة الفكرية الاقتصادية DIW القائمة في برلين، أن ألمانيا الشرقية عالقة في "حلقة مفرغة". يقول: "التطرف اليميني يُبعد الشباب المرنين المثقفين، الأمر الذي يجعل كثيرا من أجزاء ألمانيا الشرقية أقل جاذبية بالنسبة للشركات".
ويُحذّر جو كايزر، الرئيس التنفيذي لشركة سيمينز، من أن الخطاب القومي المتعصب من حزب البديل لألمانيا "يُلحق الضرر بسمعة ألمانيا في الخارج، حيث يقع المصدر الرئيس لازدهارنا".
السيدة بوروفسكي من شركة نوموس تتفق معه. وتصف الدعم المتنامي لوجهات النظر اليمينية بأنه "يُلحق الضرر (بالعلامة التجارية) ’صُنع في ألمانيا‘" بقدر "فضيحة الديزل" في شركة فولكس واجن، التي بدأت عام 2015.
شركة نوموس ليست الشركة الوحيدة في ساكسونيا التي تتوقع حدوث تداعيات اقتصادية. نحو 70 شركة شكّلت مجموعة عام 2016 أُطلق عليها اسم "الشركات من أجل ساكسونيا منفتحة الذهن".
إلى جانب شركة نوموس، بدأت خمس شركات بعقد ورشات عمل مماثلة مناهضة للشعبوية للموظفين، وذلك وفقاً لسيلفيا فيفيركورن، نائبة رئيس المجموعة. على عكس شركة نوموس، تقول إن الشركات الأخرى أقل حرصاً على ذكر أسمائها علناً.
من بين الشركات المنافسة لصناعة الساعات الفاخرة في جلاسهوته، يعترف فيلهيلم شميد، الرئيس التنفيذي في شركة لانجه وأولاده، أنه يغار إلى حد ما من شركة نوموس، التي كشركة يقودها المالك تتمتع بحرية تصرف أكبر من شركة تابعة لمجموعة دولية مُدرجة في البورصة.
يقول شميد: "على الصعيد العالمي، نوظف أشخاصاً من 30 بلدا وفي جلاسهوته وحدها لدينا موظفون من 11 بلدا مختلفا. الانفتاح، والتسامح والمشاركة الاجتماعية هي ما يُشكل عملنا اليومي في جلاسهوته وحول العالم".
فراوكه بيتري، الزعيمة المشاركة السابقة لحزب البديل لألمانيا التي فازت بمقعد جلاسهوته عام 2017، وفي وقت لاحق تركت الحزب (التي تواجه محاكمة في درسدن بسبب ادعاءات بأنها حنث باليمين وأدلت بشهادة زور)، لديها وجهة نظر مختلفة.
تقول: "عندما أسمع أن الشركات تنظم ندوات سياسية، يبدو الأمر وكأنه حدث من قبل"، مُشيرة إلى حقيقة أنه في ظل النظام الشيوعي السابق في جمهورية ألمانيا الديموقراطية، كان التحريض السياسي في المدارس والعمل شائعاً.
لا تزال السيدة بيتري مقتنعة بأن كثيرا من المخاوف التي أدت إلى دعم الأحزاب المناهضة للمهاجرين حقيقية.
وتجادل بقولها: "إذا كانت فكرة ورش العمل تلك هي أن عليك شرح الحقائق للناس بشكل صحيح – مدى قلة المشاكل التي يُفترض أن الهجرة تخلقها فعلا – فأعتقد أن هذا محاولة خداع الناخبين".
مع ذلك، تحظى علامة نوموس التجارية بشعبية عبر الطيف السياسي. السيدة بيتري، المتزوجة من ماركوس بريتزيل، السياسي السابق في حزب البديل لألمانيا – وهو عضو في البرلمان الأوروبي – تقول إن زوجها يملك ساعة نوموس. "وأنا أحب منتجاتهم فعلاً".
أهريندت غير منزعج من أن ساعاته تُعجب خصومه السياسيين. ويُشير إلى أن تصميمها يتبع تقاليد مدارس التصميم مثل فيركبوند وباوهاوس وأولم. "تلك المدارس لم تكُن تمثل تصميما يتبع أحدث التطورات ويتمتع بالجودة ومصنوع في ألمانيا فحسب، بل أيضاً الروح الحرة والانفتاح والتسامح".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES