الطاقة- المعادن

أسواق المعادن في نفق مظلم بفعل الحرب التجارية .. تراجعت 11.4 % خلال 9 أشهر

أسواق المعادن في نفق مظلم بفعل الحرب التجارية .. تراجعت 11.4 % خلال 9 أشهر

يعد أداء المعادن الأساسية مقياسا للنشاط الاقتصادي، ووسيلة للتعرف على معدلات النمو في المرحلتين الراهنة واللاحقة. فالمعادن الأساسية تعد المدخلات الفعلية المستخدمة في عملية التصنيع والبناء والإنتاج، ولا تستطيع الاقتصادات أو الشركات الخاصة تأسيس منشآتها أو توسعتها دون الاعتماد عليها. 
وعلى الجانب الآخر يتم تخزين المعادن النفيسة كالذهب مثلا كملاذ للقيم أو للاستثمار، وهو ما يعني أن سوق المعادن بصفة عامة إحدى أهم الأسواق في المنظومة الاقتصادية دوليا. 
ومع هذا، تظل هناك دائما فروق سعرية ضخمة بين المعادن الأساسية والنفيسة، فالمعادن الأساسية شائعة ويمكن العثور عليها عادة بكميات وفيرة بعكس المعادن النفيسة. 
فعلى سبيل المثال في عام 2010 بلغ سعر الذهب 1400 دولار للأونصة، بينما لم يتجاوز رطل النحاس أربعة دولارات.
وفي الواقع، فإن سوق المعادن الأساسية تواجه أوضاعا غير مريحة منذ النصف الثاني من العام الجاري وحتى الآن، ففي العام الماضي على سبيل المثال كان أداء سوق المعادن الأساسية من أفضل الأسواق أداء في العالم، بمعدل نمو بلغ 21.99 في المائة، وخلال الربع الثاني من هذا العام لم تتجاوز مكاسب هذا القطاع 0.11 في المائة، وتدهور الوضع أكثر خلال الربع الثالث بحيث بلغت الخسائر وفقا لبعض التقديرات 10.39 في المائة، بينما قدرت التراجعات في سوق المعادن الأساسية خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بنحو 11.40 في المائة. 
أوريل دين المحلل المالي في بورصة لندن، لا يبدو متفائلا بشأن الأوضاع في سوق المعادن الأساسية خلال الأشهر المتبقية من هذا العام أو العام المقبل.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "أسعار المعادن الأساسية في بورصة لندن تراجعت في الربع الثالث من هذا العام مقارنة بالربع الثاني، وفي الواقع نشهد تذبذبا ملحوظا يسير بقوة في اتجاه الانخفاض السعري في الربع الرابع والأخير من هذا العام، وأغلب المؤشرات في سوق المعادن تشير إلى أن الوضع سيستمر هكذا العام المقبل، وذلك كله يرجع إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين".
ويشير أوريل دين إلى أنه "ربما يزداد التراجع السعري في سوق المعادن الأساسية مع اتساع نطاق الحرب التجارية، وإذا بدأ الاقتصاد الدولي يشهد انعكاسات سلبية جراء تلك الحرب على معدلات النمو". 
إلا أن تلك التقلبات السعرية لا تعني انخفاض أسعار جميع المعادن الأساسية في آن واحد، إنما تكشف عن عدم استقرار واضح فيما يتعلق بالتوازن بين الطلب والعرض. 
وتشير بيانات بورصة لندن للمعادن إلى أن أسعار المعادن الأساسية كانت ضعيفة في التعاملات الصباحية أمس، حيث انخفض سعر النحاس تسليم ثلاثة أشهر 0.1 في المائة ليبلغ 6040 دولارا للطن، كما انخفضت أيضا أسعار النيكل والرصاص والزنك لمدة ثلاثة أشهر بنسبة 0.2 و0.3 و1 في المائة على التوالي.
بينما ارتفع سعر الألمونيوم والقصدير لمدة ثلاثة أشهر 0.2 و0.3 في المائة على التوالي، ولم يختلف هذا الوضع كثيرا في بورصة شنغهاي.
ديفيد هاريس المختص الاستثماري يرجع جزءا من الاضطراب في سوق المعادن إلى تراجع وضع الاقتصاد الصيني نتيجة الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
ويوضح هاريس لـ "الاقتصادية"، أن التعريفة الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على المنتجات الصينية، ورد الصين بفرض تعريفات مماثلة، شوه أساسيات العرض والطلب على جميع السلع، وفي مقدمتها المعادن الأساسية، خاصة أن ذلك تواكب مع ارتفاع في سعر صرف الدولار في مواجهة العملات الأخرى وفي مقدمتها اليوان، والنتيجة أن أداء قطاعات أساسية في الاقتصاد الصيني مثل قطاع البناء والتشييد تراجع، ويعد هذا القطاع مستهلكا رئيسيا لمجموعة المعادن الأساسية، كما أن التحسن في بعض الاقتصادات الناشئة مثل الهند لم يستطع تعويض نقص الطلب الصيني". 
ويبدو ذلك واضحا في واحد من أبرز المعادن التي تستخدم بكثافة في عمليات البناء والتشييد، فالنحاس خسر نحو 7.01 في المائة من قيمته خلال الربع الثالث من هذا العام، بينما قدر إجمالي خسائره في بورصة لندن بنحو 14.08 في المائة منذ بداية العام حتى الآن. 
ويبدو المشهد ضبابيا بعد الشيء فيما يتعلق بمستقبل أسواق النحاس، إذ يتخوف بعض كبار المضاربين من تدهور أوضاع السوق، نتيجة تعرض إنتاج النحاس في شيلي أكبر منتج للمعدن الأحمر للتراجع بعد تأجيل عدد من المشاريع التوسعية نتيجة انخفاض الطلب الدولي على النحاس. 
ويتوقع أن يبلغ العجز في إنتاج النحاس هذا العام نحو 90 ألف طن متري أي ضعف التوقعات التي سادت في شهر نيسان (أبريل) الماضي. 
ويبدو أن المشهد النهائي سيتوقف على العلاقة بين تراجع الإنتاج الذي قد يرفع الأسعار، وتدهور الطلب الذي قد يسهم في انخفاض الأسعار. 
كما أن الوضع في سوق الألمونيوم يبدو غير مشجع أيضا، إذ خسر نحو 9.68 في المائة من قيمته خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، ومن الواضح أن فرض الإدارة الأمريكية تعريفة جمركية بقيمة 10 في المائة على واردات الألمونيوم كان لها تأثير سلبي في الإنتاج.
إلا أن كاتي جوف المحللة المالية في بورصة لندن تعتقد أن "هناك عوامل يمكن أن تساعد على تحسن السوق مستقبلا، أبرزها تراجع الإنتاج الصيني، نتيجة القوانين الصارمة التي أصدرتها الدولة بشأن تنظيم عملية الإنتاج في قطاع الألمونيوم، كما أن روسيا أحد أكبر منتجي الألمونيوم في العالم، وقد تضرر إنتاجها نتيجة العقوبات الأمريكية، كما تراجع إنتاج عدد من البلدان الآسيوية التي تدخل ضمن فئة المنتجين الرئيسيين للألمونيوم، وفي الوقت ذاته نشهد بوادر تحسن في الطلب، والمؤشر الذي يجب التركيز عليه لمعرفة مستقبل أسعار الألمونيوم، تتمثل في مدى التحسن أو التراجع في أسعار أسهم الشركات المنتجة". 
ويبدو النيكل أفضل أداء من النحاس والألمونيوم إذ حقق ارتفاعا سعريا بلغ 2.28 في المائة منذ بداية العام، وحتى الآن، وهو ما يعود الى اتساع الفجوة بين العرض والطلب في الأساس خاصة في نهاية الصيف الماضي، وعلى الرغم من زيادة الصين إنتاجها إلا أنها لم تفلح في إغلاق الفجوة، وتعود زيادة الطلب على النيكل لكونه عاملا أساسيا في إنتاج الصلب، الذي يشهد زيادة ملحوظة في الطلب العالمي، خاصة من قبل عديد من الاقتصادات الناشئة التي تتبنى برامج تنموية لتطوير البنية التحتية.
ويتوقع أوريل دين المحلل المالي في بورصة لندن مزيدا من التحسن في أسعار النيكل خلال الفترة المقبلة، ويقول لـ "الاقتصادية"، "إن روسيا أحد كبار المنتجين وتعرض إنتاجها للتراجع نتيجة العقوبات المفروضة عليها، والحكومة الروسية يمكنها أن تتلاعب بالسوق لرفع الأسعار، وبصفة عامة فإن النيكل يكون غالبا حساسا للتغيرات في الاقتصاد العالمي".
وشهد معدن الرصاص أداء سيئا هذا العام إذ فقد وفقا لبعض التقديرات ما يقارب 20 في المائة من قيمته في بورصة لندن منذ بداية العام، وعلى الرغم من توجيه البعض الاتهام إلى الصين بالتلاعب في الأسواق باعتبارها أكبر منتج ومستهلك لمعدن الرصاص في العالم، فإن المعدن يتأثر كثيرا بأسعار النفط، لكونه معدنا أساسيا في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
ولذلك يعتقد كثير من المختصين أن تجاوز أسعار النفط سقف 73 دولارا للبرميل، يؤدي إلى زيادة الطلب على السيارات الكهربائية، ومن ثم يسهم في ارتفاع أسعار الرصاص 
ربما كان الزنك المعدن الأكثر سوءا في الأداء هذا العام، إذ خسر نحو 22.87 في المائة من قيمته، وفي نفس الاتجاه أيضا سار معدن القصدير الذي فقد 4.67 في المائة من قيمته في بورصة لندن.
ويعود هذا الوضع السلبي في الأساس إلى وجود مخزون عالمي كبير في وقت يتراجع فيه الطلب الصيني، إلا أن الفائض في سوق القصدير يظل محدودا مقارنة بنظيره في سوق الزنك، وهذا ما أدى إلى تراجع أسعار القصدير بمعدلات أقل من الزنك.
وعند الحديث عن أوضاع المعادن النفيسة، فإن الذهب ولا شك يخطف الأضواء، وعلى الرغم من أن سوق المعدن النفيس تشهد تذبذبات واضحة، فإن التوقعات الراهنة تشير إلى أوضاع إيجابية لأسعار المعدن الأصفر خلال الفترة المتبقية من هذا العام، وسط مزيد من التوقعات الإيجابية العام المقبل.
ويتوقع لـ "الاقتصادية"، آندي ماكملين المدير التنفيذي لشركة "جلوبال ميتال"، أن يحقق "الذهب في العام المقبل متوسطا سعريا يبلغ 1300 دولار للأونصة، وعلى الرغم من أن الذهب غير مثير حاليا بالنسبة إلى كثير من المستثمرين بسبب الثقة المتزايدة بأداء الاقتصاد الأمريكي، وارتفاع أسعار الفائدة دوليا، إلا أن السوق تستعيد عافيتها تدريجيا".
ويضيف ماكملين أن "هذا سيصب بصفة عامة في مصلحة السوق وتوازنها، إذ إن الارتفاع السريع للأسعار يوجد فقاعة لا يمكن تحملها".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- المعادن