Author

إيران .. «جعجعات» تعج بالعنتريات

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«واشنطن قد تفرض عقوبات جديدة على إيران بعد استهداف قطاعي النفط والمال» جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي لن تتوقف العقوبات الأمريكية على النظام الإرهابي في إيران، بعد الموجة الثانية القوية منها التي فرضت هذا الشهر. هناك دائما لائحة عقوبات جاهزة في واشنطن إذا ما استوجب الأمر ذلك، ولا سيما مع فشل هذا النظام في إظهار أي نوع من المرونة في مسألة وقف دعمه الإرهاب، وتمويل المنظمات الخارجة عن القانون الدولي، والتدخل التخريبي في أكثر من بلد عربي. لم يصدر عن طهران سوى "جعجعات" مليئة بـ"عنتريات"، لا تقنع حتى مطلقيها، ناهيك "بالطبع" عن الإعلانات المتكررة التي تتضمن إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة! إعلانات فكاهية أخرى من نظام يعيش أوهاما مستدامة. نظام يعجز حتى عن توفير الأدوات الطبية اللازمة في العمليات الجراحية. منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المتصدع أصلا، وضعت لوائح العقوبات الطويلة، وتركت توقيتات فرضها طبقا للضرورة. ويبدو واضحا الإصرار الأمريكي على خنق نظام الملالي ماليا، ليس فقط من خلال العقوبات الجاهزة دائما، بل أيضا عن طريق طلباتها من الدول الثماني، التي استثنيت مؤقتا من العقوبات الجديدة، أن تتدبر أمرها ضمن المدة الممنوحة لها. فالهدف الأمريكي أعلن رسميا، وهو خفض عائدات إيران النفطية إلى الصفر. والاستثناء الذي حصلت عليه البلدان الثمانية، هو العثور على مصدر آخر لوارداتها النفطية. ولأن العقوبات كانت مدروسة بصورة محكمة بالفعل، فلم تتأثر أسعار النفط في الأسواق العالمية في أعقاب فرض الموجة الثانية من العقوبات. فتوازن السوق ظل على ما هو عليه لأسباب عديدة، في مقدمتها التزام السعودية بسد أي نقص في الإمدادات العالمية، وهي بالطبع قادرة بسهولة على ذلك. نظام الإرهاب الإيراني يعيش أسوأ أيامه، ويمكن اعتبار ذلك "على الأقل" نوعا من التعويض المرحلي للشعب الإيراني نفسه، الذي يعيش أسوأ أزمنته في ظل هذا النظام. ولأنه لا يتعلم من الحقائق، لينتظر إذن مزيدا من الخنق الاقتصادي، وكثيرا من العزلة العالمية والإقليمية، وزخما من التوتر الداخلي. هذا التوتر انتقل بصورة واضحة بين أركان سلطة علي خامنئي الحقيقية، وحكومة حسن روحاني الوهمية. بالطبع، لا أحد يتوقع ثورة من حكومة بلا قيمة حقيقية على الساحة. فدور الحكومة هو تحمل فشل نظام الملالي دائما، ومن هنا لا معنى لرئيس إصلاحي وآخر متشدد. فالأمر سيان في كلتا الحالتين؛ لأن القرار الحاسم لا يأتي إلا من مؤسسات "المرشد"، أو بالأحرى عصاباته؛ لأنها بالفعل لا تستحق التوصيف المؤسساتي. الولايات المتحدة التي حضرت موجة جاهزة أخرى من العقوبات القاصمة أيضا، لم تتوقف عن تنبيه الشركات الأوروبية مجددا، إلى أن عليها أن تختار بين واشنطن وطهران، في أعقاب العقوبات الجديدة. لكن لا بد من التأكيد هنا، على أن الغالبية العظمى من هذه الشركات غادرت بالفعل إيران، حتى قبل فرض العقوبات، متجاهلة توصيات حكوماتها بالبقاء، ما يهمها هنا ليس حكوماتها، بل مصالحها التي تكمن في النهاية في الجانب الأمريكي، وليس في بلد مضطرب مارق خارج عن النطاق العالمي، فضلا عن اقتصاد متهاوٍ، تقترب عملته من الاحتفاظ بقيمة الورق المطبوعة عليه فقط. والأهم من هذا، أن العقوبات تمنع أي مؤسسة مالية عالمية من التعامل مع إيران، ما يجعل الأمر مستحيلا حقا. لكن "جعجعات" الملالي تبقى هي الحالة المستمرة الواقعية على الساحة الداخلية، بما في ذلك تلك التي تتحدث عن العمل على إنشاء آلية لمواصلة التجارة مع أوروبا! صحيح أن بعض الحكومات الأوروبية ما زالت ملوثة بالأوهام "الخامنئية"، وأولها ضرورة الاستمرار في العلاقات مع نظام الإرهاب في طهران، إلا أن أدواتها المؤسسية لا تتفق معها في ذلك. فلا أحد يجرؤ على تحدي العقوبات الأمريكية خوفا من عقاب ساحق. ولذلك صدرت بعض الأصوات من إيران بأن إنشاء مثل هذه الآلية يستغرق وقتا طويلا. دون أن ينسى أصحابها توجيه الانتقادات إلى الأوروبيين على أنهم لا يقومون بما يجب للوقوف في وجه الولايات المتحدة. الحقيقة هنا، أنهم لا يستطيعون القيام بذلك، كما أنهم، وإن عرفوا كم "يجعجعون"، لكنهم لا خبرة لهم بـ"العنتريات". واشنطن تمضي قدما في خنق نظام خامنئي اقتصاديا، والهدف هو أن يتمكن الشعب الإيراني من التحرك في تغيير نظام جلب له كل خراب ممكن، وأي مصيبة متاحة. ووقف العوائد المالية، يعني ببساطة وقف طهران تمويلها الحروب العبثية الطائفية الدنيئة هنا وهناك، وقطع الأموال عن منظمات إرهابية، بعضها يعمل في وضح النهار، وبعضها الآخر يقبع على شكل خلايا نائمة حتى في قلب أوروبا الرسمية "اللطيفة" الواهمة بإعادة تأهيل نظام إرهابي، لا يستمر عمليا إلا بأدوات الخراب، ومعاول المصائب. نظام ينهب شعبه لتغذية أوهامه.
إنشرها