Author

غموض العملات الرقمية وخسائرها

|
ليس غريبا ما سجلته العملات الرقمية المشفرة من خسائر في الأيام الماضية بلغت 1.45 مليار دولار. كما لم يعد غريبا أن تقفز قيمة هذه العملات بصورة خرافية بين الحين والآخر. إنها حالة لا تزال غريبة على الساحة المالية، بصرف النظر عن الإقبال المثير عليها من قبل الباحثين عن أرباح فورية كبيرة. وفورة العملات الرقمية تعود إلى أكثر من ثلاث سنوات تقريبا، رغم أنها أطلقت قبل عشر سنوات، أي في أعقاب انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية. وخلال هذه المدة بلغ عدد هذه العملات 60، مع ضرورة الإشارة إلى أن قيمها تختلف بأشكال متفاوتة بين بعضها بعضا. فلا تزال "بيتكوين" تتصدر مشهد العملات الرقمية من حيث القيمة، بينما هناك أخرى في ذيل القائمة لا تصل قيمها إلى عدة ملايين من الدولارات. المهم، أن الريبة تبقى هي العنصر الحاضر في التعاطي مع هذه العملات، خصوصا أنها تبقى خارج نطاق قوانين المصارف المركزية، رغم أن بعض البلدان تقبل أن يجري التعامل بها في حدود ضيقة. وفي الوقت نفسه، تتحرك حكومات عديدة لإطلاق عملاتها الرقمية في المرحلة المقبلة، من أجل أن تبقي هذا القطاع ضمن الأطر القانونية المعمولة بها عالميا. يضاف إلى ذلك، أنها باتت جزءا حقيقيا على الساحة المالية الإلكترونية، بصرف النظر عن المحاذير حولها. ويبدو واضحا أنها صارت رقما أساسيا، إلا أنها تحتاج إلى مزيد من التشريعات. والمخيف في الأمر يبقى دائما، الفارق الهائل في ارتفاعها وانخفاضها بين الحين والآخر، فضلا عن إغراءاتها لمزيد من الأفراد حول العالم، حيث ظهرت شريحة منهم تقترض المال لشراء العملات الإلكترونية! وهذا ما يفسر التراجع الأخير لهذه العملات، حيث بلغت قيمتها الإجمالية 212.8 مليار دولار بعد الانخفاض المشار إليه. وبالطبع، تتصدر "بيتكوين" المشهد بقيمة سوقية تصل إلى أكثر من 111 مليار دولار، تليها "إثريم" بـ 22 مليار دولار تقريبا. والفارق -كما هو واضح- كبير بين المرتبتين الأولى والثانية؛ ما يزيد الريبة لدى العاملين في الحقل المالي العالمي، أو في أفضل الأحوال عدم الاستقرار أو الوضوح. فعلى سبيل المثال، انتقلت قيمة "بيتكوين" من سنت أمريكي واحد عام 2008 إلى 17 ألف دولار العام الماضي! وحصل ما هو مشابه في العملات الرقمية الأخرى؛ ما دفع السلطات المالية العالمية إلى توجيه تحذيرات للمتعاملين بها، ولا سيما أولئك الذين لا يمتلكون الخبرات اللازمة للتعاطي بهذا الشأن. ستبقى العملات الرقمية في هذه الحالة الغريبة إلى أجل غير مسمى؛ لأنه لا يوجد في الأفق أي تحرك عملي شامل "مع بعض الاستثناءات" لدمجها في النظام المالي العالمي. في حين أن الخطوات التي أعلنتها بعض الحكومات حيال تأسيس عملات رقمية خاصة بها، لا تزال بطيئة للغاية. وعلى هذا الأساس، سنجد قفزات أخرى غير طبيعية، وهبوطا شديدا أيضا لها في المرحلة المقبلة، بينما يحذر المشككون من إمكانية أن تتسبب في أزمة مالية عالمية إذا ما انهارت نهائيا في مرحلة ما. وفي كل الأحوال، أظهرت العملات الرقمية بشكل عام "باستثناء الهبوط الكبير والارتفاع الخرافي بقيمها"، أنها جذابة للمستثمرين؛ بل جذابة أيضا لبعض الشركات العالمية التي وجدت فيها أداة مهمة في التعاملات التجارية الإلكترونية المتزايدة على الساحة العالمية.
إنشرها