FINANCIAL TIMES

الادعاء الأمريكي: المشكلة في «جولدمان» ليست مجرد «تفاحات فاسدات»

الادعاء الأمريكي: المشكلة في «جولدمان» ليست مجرد «تفاحات فاسدات»

الادعاء الأمريكي: المشكلة في «جولدمان» ليست مجرد «تفاحات فاسدات»

في خريف عام 2009، كان المشهد الاجتماعي لأثرياء نيويورك يضج بالحديث عن مختص مالي ماليزي يعرف باسم جو لو، كان يتجول في أشهر الملاهي الليلية في المدينة، مستخدما أسطولا من سيارات "كاديلاك إس. يو. في" السوداء.
لا يكاد أحد يعرف الكثير عن رجل الحفلات، أو كيف حصد ثروة كافية أتاحت له إنفاق مئات آلاف الدولارات في حانات مانهاتن الفاخرة. لكن في تشرين الثاني (نوفمبر) من ذلك العام نشرت صحيفة "نيويورك بوست" مقالا فاضحا للتعريف عنه يصفه بـ "الرجل الغامض".
لذلك من المدهش أن لويد بلانكفين، أحد أقوى المصرفيين في العالم الذي كان في ذلك الوقت رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لـ "جولدمان ساكس"، حضر بعد مرور أسبوعين من ذلك المقال اجتماعا مع لو ونجيب رزاق، رئيس وزراء ماليزيا آنئذ.
منذ ذلك الحين، وجه مدعون عامون أمريكيون اتهامات إلى لو بتدبير عملية تزوير كبيرة في 1MDB، صندوق ماليزي تابع للدولة، تتضمن دفع رشا تبلغ مليارات الدولارات إلى مسؤولين حكوميين.
وفقا لوثائق المحكمة، كثير من هذه الأموال تم إنفاقها في شراء لوحات لفان جوخ وممتلكات عقارية فاخرة في بيفرلي هيلز. وما يدعو إلى السخرية بشكل خاص هو أن هذا المال تم استخدامه أيضا للمساعدة على تمويل فيلم "ذئب وول ستريت"، الذي يقدم حكاية تحذيرية عن وجود فائض في الحي المالي في نيويورك.
ومع تصاعد فضيحة 1MDB في السنوات الأخيرة، واجه "جولدمان ساكس" أسئلة متكررة حول دوره في ضمان عروض سندات بقيمة 6.5 مليار دولار لصندوق الاستثمار الماليزي في عامي 2012 و2013، مقابل رسوم باهظة بلغت 600 مليون دولار.
ولطالما أصر "جولدمان ساكس" على أنه ليس على دراية بالطريقة التي تم بها إنفاق عوائد عروض السندات، لكن تورطه في الفضيحة ظهر مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة بعد اتهام اثنين من موظفيه السابقين بدور مزعوم في قضية 1MDB. لم يرد المصرف على طلب للتعليق يوم الخميس.
في الأسبوع الماضي قال ديفيد سولومون، الرئيس التنفيذي الجديد لـ "جولدمان"، من "المؤلم جدا" أن تيم ليسنر، شريك سابق أقر بالتهم الموجهة إليه، وروجر نج، مدير إداري سابق "انتهكا القانون بشكل صارخ". مصرفي ثالث – أندريا فيلا، الرئيس السابق لمصرف جولدمان ساكس الاستثماري في آسيا ومنطقة المحيط الهادي ما عدا اليابان – لم يُتهم بارتكاب مخالفات ومنح إجازة.
يزعم المدعون العامون أن ليسنر ونج تآمرا في عملية الاحتيال مع لو، الذي عمل وسيطا سريا لتيسير عدد من الصفقات بين 1MDB و"جولدمان". وكشفت وزارة العدل الأمريكية في الأسبوع الماضي أن الثلاثي اتهم بغسل أموال وانتهاك القوانين الأمريكية الخاصة بدفع رشا إلى مسؤولين أجانب.
ويبدو أن تعليقات سولومون الأخيرة كانت جزءا من استراتيجية صممت بعناية لجعل "جولدمان" يبدو ضحية لجريمة ليسنر ونج المزعومة، في الوقت الذي يستعد فيه التنفيذيون لمعاقبة وزارة العدل للمصرف بسبب فشله في الكشف عن هذه الأنشطة الشنيعة، أو منع حدوثها.
وبحسب مدير تنفيذي في "جولدمان"، "إذا قرأت لائحة الاتهام بحق ليسنر، فمن الواضح أن هناك شخصين داخل المصرف وشخصا خارجه يتآمرون لحجب المعلومات من قانونيينا وآلياتنا للامتثال واستخباراتنا التجارية". وأضاف "لم نكن نعرف أن هناك وسيطا. لو كنا نعرف، لما فعلنا ذلك (ضمان عروض السندات)".
لكن الكشف عن اجتماع لو مع بلانكفين لمرة واحدة على الأقل يمكن أن يضعف قصة "الموظف المحتال". ولا يزال بلانكفين رئيسا لمجلس إدارة "جولدمان ساكس" بعد أن سلم منصب الرئيس التنفيذي إلى سولومون في وقت سابق هذا العام.
وليس من الواضح ما إذا كان بلانكفين يعرف أن لو ساعد على ترتيب اجتماع 2009 مع رئيس الوزراء الماليزي السابق، أو ما إذا كان الاثنان حتى تحادثا مع بعضهما. لكن حقيقة لقائهما يمكن أن تعقد محاولات المصرف لإثبات أنه لا يعرف عن مشاركته وسيطا في صفقات 1MDB.
يعتقد المدعون أن لو اجتمع في مناسبة ثانية مع أحد كبار تنفيذي "جولدمان" في عام 2013 في اجتماع تضمن رئيس الوزراء الماليزي السابق وأحد أفراد عائلته. وبحسب ملفات المحكمة، تم عقد الاجتماع في مركز تايم وورنر في نيويورك.
أحد الأشخاص الذين تم اطلاعهم على المسألة قال "إن المسؤول التنفيذي الذي لم يكشف عن اسمه في اجتماع 2013، المفصلة أحداثه في ملفات المحكمة، هو بلانكفين"، على الرغم من وجود بعض الشكوك حول حضور لو في ذلك الاجتماع الثاني.
في نيسان (أبريل) 2010، بعث لو برسالة بريد إلكتروني إلى نج يطلب فيها المساعدة في ضمان حضور مسؤول سياسي أمريكي رفيع في حدث في نيويورك، سيتم الاحتفال فيه بعمل خيري لزوجة رئيس الوزراء الماليزي السابق. استنادا إلى ملفات المحكمة، تم إرسال هذا الطلب إلى موظف "رفيع المستوى" في "جولدمان"، لكن الشخص الذي اطلع على المسألة قال "إن هذا الموظف لم يكن بلانكفين أو أي مسؤول تنفيذي كبير آخر".
ويعتقد "جولدمان" أن في لوائح الاتهام ضد ليسنر ونج ولو أمور كثيرة تدعم سرده الدفاعي المتعلق بالموظف المحتال. مثلا، قسم الامتثال في المصرف سأل لو مرارا وتكرارا عما إذا كانت له علاقة بأي من اتفاقيات 1MDB، ونفى لو مرارا وتكرارا هذه الحقيقة، كما يزعم المدعون العامون.
نجاح جهود "جولدمان" لإظهار أنه كان ضحية موظف ماكر يمكن أن يلعب دورا مهما في العقوبات - إن وجدت - التي ستفرضها وزارة العدل ضد المصرف.
وعادة ما تدفع المصارف غرامات صغيرة نسبيا لتسوية فضائح المتداولين المحتالين – وإن كان ذلك في أوروبا، حيث العقوبات عادة أقل من الولايات المتحدة. مثلا، تم تغريم "يو. بي. إس" 29.7 مليون جنيه استرليني بسبب "حالات اختلال في السيطرة" سمحت لكويكيو إدوبولي "متداول كان يعمل لدى المصرف السويسري" بخسارة 2.3 مليار دولار في عام 2011، في حين تم تغريم "سوسييتيه جنرال" أربعة ملايين يورو عام 2008 بسبب فضيحة المتداول جيروم كيرفيل.
لكن على الرغم من محاولة ليسنر المزعومة إخفاء اشتراك لو عن موظفي الامتثال، فإنه كان أقل حذرا من الموظفين الآخرين في المصرف. ففي مناسبتين، حاول مساعدة المختص المالي الماليزي في فتح حساب إدارة ثروات شخصي في "جولدمان"، لكن هذه الجهود باءت بالفشل بسبب مخاوف بشأن مصدر أمواله.
أشارت لوائح الاتهام التي أصدرتها وزارة العدل إلى أنها تعتقد أن المشكلات مننتشرة وأن الأمر أكثر من مجرد "تفاحات فاسدات"، منتقدة "ثقافة الأعمال (...) ولا سيما في جنوب شرق آسيا"، قائلة "إن المصرف يركز بشكل كبير على إكمال الصفقات، وفي بعض الأحيان يعطي الأولوية لهذا الهدف قبل التشغيل السليم لوظائف الامتثال الخاصة به".
سيدافع "جولدمان" عن نفسه أمام وزارة العدل في اجتماع هذا الأسبوع. وقال أحد الأشخاص المطلعين على الوضع "سنوضح المدى الذي وصلا "ليسنر ونج" إليه في خداع موظفي الامتثال". وسيؤكد المصرف أن غالبية المعلومات الواردة في لوائح الاتهام الموجهة إلى هذين الشخصين هي أدلة مقدمة من "جولدمان".
لكن بعد سنوات قدم فيها "جولدمان" نفسه بصورة المصرف النظيف الذي تفادى كثيرا من الفضائح الكبيرة التي عاناها منافسوه، قد يكون الآن على وشك فقدان بريقه.
قال المسؤول التنفيذي "من الصعب للغاية إدارة الناس في الأماكن البعيدة جدا". وأضاف "اكتشفنا ذلك للتو".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES